أقصر حميد لا عزاء لمغرم
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أقَصْرَ حُمَيدٍ! لا عَزَاءَ لمَغْرَمِ، | وَلا قَصرَ عن دَمعٍ، وَإن كان من دمِ |
أفي كُلّ عَامٍ لا تَزَالُ مُرَوَّعاً | بِفَذّ نَعيٍّ، تارَةً، أوْ بتَوْءَمِ |
مَضَى أهلُكَ الأخْيَارُ، إلاّ أقَلَّهُمْ، | وَبَادوا، كمَا بَادَتْ أوَائلُ جُرْهُمِ |
فَصِرْتَ كَعُشٍّ خَلّفَتْهُ فِرَاخُهُ | بعَلْيَاءِ فَرْعِ الأثْلَةِ المُتَهَشِّمِ |
أحَبّ بَنُوكَ المَكْرُماتِ، فَفُرّقَتْ | جَماعَتُهُمْ في كلّ دَهياءَ صَيلَمِ |
تَدانَتْ مَنَاياهُمْ بهِمْ، وَتَباعَدَتْ | مَضَاجِعُهُمْ عَنْ تُرْبِكَ المُتَنَسَّمِ |
فَكُلٌّ لَهُ قَبْرٌ غَرِيبٌ بِبَلْدَةٍ، | فمِنْ مُنجِدٍ نائي الضّرِيحِ، وَمُتهِمِ |
قُبُورٌ، بأطْرَافِ الثّغُورِ، كأنّمَا | مَوَاقِعُها مِنْهَا مَوَاقِعُ أنْجُمِ |
بشاهِقَةِ البَذّينِ قَبْرُ مُحَمّدٍ، | بَعيدٌ عَنِ البَاكينَ، في كلّ مأتَمِ |
تَشُقُّ عَلَيْهِ الرّيحُ، كلَّ عَشيّةٍ، | جُيُوبَ الغَمَامِ بَينَ بِكْرٍ وَأيِّمِ |
وَقَبرَانِ في أعْلَى النّبَاجِ سَقَتْهُما | بُرُوقُ سُيُوفِ الغَوْثِ غَيثاً من الدّمِ |
أقَبْرَا أبي نَصْرٍ وَقَحْطَبَةٍ هُمَا | بحَيثُ هُمَا، أمْ يَذْبُلٍ وَيَرَمْرَمِ |
وَبالمَوْصِلِ الزْهرَاءِ مَلْحَدُ أحْمَدٍ، | وَبَينَ رُبَى القَاطولِ مَضْجعُ أصرَمِ |
وَكَمْ طَلَبَتهُمْ مِنْ سَوَابقِ عَبْرةٍ، | متى ما تُنَهْنَهْ بالمَلامَةِ تَسْجُمِ |
نَوَادِرُ في أقصَى خُرَاسانَ جاوَبَتْ | نَوَائحَ، في بَغدادَ، بُحِّ التّرَنّمِ |
لَهُنّ عَلَيْهِمْ حَنّةٌ بَعْدَ أنّةٍ، | وَوَجْدٌ كَدُفّاعِ الحَرِيقِ المُضَرَّمِ |
أبَا غانِمٍ أرْدَى بَنيكَ اعتِقادُهُمْ | بأنّ الرّدَى، في الحرْبِ، أكبرُ مَغنمِ |
مَضَوْا، يَستَلِذّونَ المَنايا حَفيظَةً، | وَحِفظاً لذاكَ السّؤدَدِ المُتَقَدّمِ |
وَمَا طَعَنُوا إلا ّ برُمْحٍ عَمْرٍ مُوَصَّلٍ، | ومَا ضَرَبُوا إلاّ بسَيْفٍ مُثَلَّمِ |
وَلَمّا رَأوْا بَعضَ الحَياةِ مَذَلّةً | عَلَيهِمْ، وَعِزَّ المَوْتِ غَيرَ مُحرَّمِ |
أبَوْا أن يَذوقوا العَيشَ، وَالذّمُّ وَاقعٌ | عَلَيْهِ، وَمَاتُوا ميتَةً لَمْ تُذَمَّمِ |
وَكُلُّهُمُ أفْضَى إلَيْهِ حِمَامُهُ | أمِيراً عَلى تَدبيرِ جَيشٍ عَرَمْرَمِ |
تَوَلّى الرّدَى مِنْهمُ بهَبّةِ صَارِمٍ، | وَمَجّةِ ثُعْبَانٍ، وَعَدْوَةِ ضَيغَمِ |
حُتُوفٌ أصَابَتْهَا الحُتوفُ، وَأسهُمٌ | من المَوْتِ، كَرَّ المَوْتُ فيها بأسهُمِ |
ترَى البِيضَ لم تَعرِفهُمُ، حينَ وَاجهتْ | وُجوهَهُمُ في المأزِقِ المُتَجَهِّمِ |
وَلمْ تَتَذَكّرْ رَيّهَا بأكُفّهِمْ، | إذا أوْرَدُوها تحتَ أغْبَرَ أقْتَمِ |
بَلى! غَيرَ أنّ السّيفَ أغدَرُ صَاحبٍ، | وَأكْفَرُ مَنْ نَالَتْهُ نِعْمَةُ مُنعِمِ |
بنَفسِي نُفوسٌ لم تكُنْ جُملةُ العِدى | أشَدّ عَلَيهمْ مِن وُقُوفِ التّكَرّمِ |
وَلَوْ أنصَفَتْ نَبهَانُ ما طَلَبَتْ بهمْ | سوَى المَجدِ، إنّ المجدَ خُطّةُ مَغرَمِ |
دَعاها الرّدى بَعدَ الرّدى، فتَتابَعَتْ | تَتَابُعَ مُنْبَتّ الفَرِيدِ المُنَظَّمِ |
سَلامٌ على تِلْكَ الخَلائقِ، إنّها | مُسَلَّمَةٌ مِنْ كُلّ عَارٍ وَمَأثَمِ |
مَسَاعٍ عِظامٌ لَيسَ يَبلَى جَديدُها، | وَإنْ بَلِيَتْ مِنْهُمْ رَمَائِمُ أعظُمِ |
وَلا عَجَبٌ للأُسْدِ، إنْ ظَفِرَتْ بها | كِلابُ الأعادي مِنْ فَصِيحٍ وَأعجمِ |
فحَرْبَةُ وَحشِيٍّ سَقَتْ حَمزَةَ الرّدى، | وحَتْفُ عَليٍّ عَن حُسامِ ابنِ مُلجِمِ |
أبا مُسلِمٍ! لا زِلْتَ بيِْنَ مُودَعٍ لنا | مِنَ المُزْنِ مَسكوبِ الحَيا وَمُسَلِّمِ |
مَدامعُ بَاكٍ مِنْ بَني الغَيثِ، وَالِهٍ، | أُعارِكُها، أوْ ضَاحكٍ مُتَبَسّمِ |
لَئِنْ لمْ تَمُتْ نَهبَ السّيوفِ وَلم تُقِمْ | بَوَاكيكَ أطرَافَ الوَشيجِ المُقَوَّمِ |
لَبالرّكضِ في آلِ المَنِيّةِ، مُعلَماً، | إلى كلّ قَرْمٍ، بالمَنيّةِ، مُعْلَمِ |
وَحَملِكَ ثِقلَ الدّرْعِ يحمى حديدُها | على ضَعْفِ جِسْمٍ، بالحَديدِ، مُهَدَّمِ |
وَما جَدَثٌ فيهِ ابتسامُكَ للنّدَى، | إذا أظلَمَتْ أجداثُ قَوْمٍ، بمُظْلِمِ |