الفرق في الإيمان بالقضاء والقدر ومذهب أهل السنة في ذلك
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
الفِرق في الإيمان بالقضاء والقدر - باختصار -ومذهب أهل السنة في ذلك
الفرقة الأولى: وهم الجبرية، وخلاصة قولهم: إن العباد مجبورون على أعمالهم، لا قدرة لهم ولا إرادة ولا اختيار، والله وحده هو خالق أفعال العباد، وأعمالهم إنما تنسب إليهم مجازاً، قال البغدادي عن الجهم بن صفوان: "...
وقال: لا فعل ولا عمل لأحد غير الله تعالى وإنما تنسب الأعمال إلى المخلوقين على المجاز، كما يقال: زالت الشمس، دارت الرحى، من غير أن يكونا فاعلين أو مستطيعين لما وصفتا به".
الفرقة الثانية: وهم المعتزلة ومن وافقهم، وخلاصة قولهم: إن أفعال العباد ليست مخلوقة لله، وإنما العباد هم الخالقون لها..
والعبد مستقل بعمله في الإرادة والقدرة، وليس لمشيئة الله وقدرته فيه أثر[1].
والرد على الفرقة الأولى (الجبرية) بالشرع والواقع:
أما الشرع: فإن الله تعالى أثبت للعبد إرادة ومشيئة، وأضاف العمل إليه، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 152]، ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف:29] ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت:46].
وأما الواقع: فإن كل إنسان يعلم الفرق بين أفعاله الاختيارية التي يفعلها بإرادته كالأكل، والشرب، والبيع، والشراء، وبين ما يقع عليه بغير إرداته كالارتعاش من الحمى، والسقوط من السطح، فهو في الأول فاعل مختار بإرادته من غير جبر، وفي الثاني غير مختار ولا مريد لما وقع عليه.
والرد على الفرقة الثانية (القدرية) بالشرع والعقل:
أما الشرع: فإن الله تعالى خالق كل شيء، وكل شيء كان بمشيئته، وقد بين الله في كتابه أن أفعال العباد تقع بمشيئته فقال: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [السجدة: 13].
وأما العقل: فإن الكون كله مملوك لله تعالى، والإنسان من هذا الكون فهو مملوك لله تعالى، ولا يمكن للمملوك أن يتصرف في ملك المالك إلا بإذنه ومشيئته[2].
أما مذهب أهل السنة في القدر فهو باختصار: إن سلف الأئمة وأئمتها متفقون على أن العباد مأمورون بما أمر الله به، منهيون عما نهى الله عنه، ومتفقون على الإيمان بوعده ووعيده الذي نطق به الكتاب والسنة، ومتفقون على أنه لا حجة لأحد على الله في واجب تركه، ولا محرم فعله؛ بل لله الحجة البالغة على عباده، وما اتفق عليه سلف الأمة - أيضاً- وأئمتها مع إيمانهم بالقضاء والقدر، وأن الله خالق كل شيء، وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، وأن العباد لهم مشيئة وقدرة، يفعلون بقدرتهم ومشيئتهم ما أقدرهم الله عليه مع قولهم: إن العباد لا يشاؤون إلا أن يشاء الله ﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [الإنسان:30] [3].
[1] انظر: القضاء والقدر، د.
عبدالرحمن المحمود، (ص:302) وما بعدها.
[2] شرح الأصول الثلاثة، لابن عثيمين، (ص:116)، وراجع للتوسع في الرد على الجبرية والقدرية: القضاء والقدر، د.
عبدالرحمن المحمود، (ص:347)، وما بعدها.
[3] القضاء القدر، د.
عمر سليمان الأشقر، (ص:97).