خيال ملم أو حبيب مسلم
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
خيَالٌ مُلِمٌّ، أو حَبيبٌ مُسَلِّمُ، | وَبَرْقٌ تَجَلّى، أَم حَرِيقٌ مُضَرَّمُ |
لَعَمْرِي، لقد تامتْ فُؤادَكَ تَكتُمُ، | وَرَدّتْ لكَ العِرْفَانَ، وهوَ تَوَهُّمُ |
تَعُودُكَ مِنها، كُلّما اشتَقتَ، ذَكرَةٌ | تَرَقرَقُ مِنها عَبرَةٌ، ثمّ تَسْجُمُ |
إذا شِئتُ أجرَتْ أدمُعي، من شؤونها، | رُبُوعٌ لهَا بالأبْرَقَينِ، وأرْسُمُ |
وَقَفْتُ بها، والرّكبُ شتّى سَبيلُهُمْ، | يَفيضُونَ، مِنْهُمْ: عاذِرُونَ وَلُوَّمُ |
هيَ الدّارُ، إلاّ أنّها لا تُكَلِّمُ، | عَفا مَعلَمٌ مِنْها، وأقْفَرَ مَعلَمُ |
تُقَيّضُ لي من حيثُ لا أعلَمُ النّوَى، | وَيَسْرِي إليّ الشّوْقُ من حَيثُ أعلَمُ |
وإنّي لَمَوْقُوفُ الضّلُوعِ على هَوَى | مُبَتَّلَةٍ، تَنْأى ضِِرَاراً وَتَصْرِمُ |
خَلَتْ، وَرأتْني مُغرَماً، فَتَجَنّبتْ، | وَشَتّانَ في حُبٍّ خَليٌّ وَمُغْرَمُ |
حَلَفتُ بِما حَجّتْ قُرَيشٌ، وَحجّبتْ، | وَحازَ المُصَلّى، والحَطيمُ، وَزَمْزَمُ |
وأهلِ مِنى إذْ جاوَزُوا الخَيفَ من منى، | وَهُمْ عُصَبٌ فَوْضَى: مُحِلٌّ وَمُحرِمُ |
يَهِلّونَ من حيثُ ابتَدا الصّبحُ يَرْتَقي | سَناهُ إلى حَيثُ انتَهى اللّيلُ يُظلِمُ |
لقَد جَشَمَ الفَتحُ بنُ خَاقَانَ خِطّةً | منَ المَجْدِ ما يَسطيعُها المُتَجَشِّمُ |
يَبيتُ المُضَاهي فاترَ الطَّرْفِ دُونَها، | وَيَعجِزُ عَنْها المُقْتَدِي المُتَعَلّمُ |
متى تَلْقَهُ تَلْقَ المكَارِمَ والنّدَى، | وَبَعضُهُمُ في الفَرْطِ والحِينِ يُكرِمُ |
وَمَا هذِهِ الأخلاقُ إلاّ مَواهِبٌ، | وإلاّ حُظُوظٌ، في الرّجالِ، تُقَسَّمُ |
تَحَمّلَ أعْبَاءَ المَعَالي بأسْرِها، | إذا حُطّ مِنها مَغرَمٌ عَادَ مَغرَمُ |
وَقَامَ بِما لوْ قامَ رَضْوَى ببَعْضِهِ | هوَى الهضْبُ من أركانِ رَضْوَى الململَمُ |
حُسامُ أمِيرِ المؤمنينَ الذي بِهِ | يُعَالِجُ أدوَاءُ الأَعادِي ، فتُحسَمُ |
وَمَا هَزَّهُ إلاّ تَقَرّرَ عِنْدَهُ، | قَرَارَ اليَقِينِ، أيُّ سَيْفَيْهِ أصْرَمُ |
أمَدُّ الرّجالِ لُبْثَةً حينَ يَرْتإي، | وأسرَعُهُمْ إمضَاءَةً حينَ يَعزِمُ |
بتَسديدِهِ تُلغَى الأُمُورُ، وَتُجْتَبَى، | وَتُنْقَضُ أسبابُ الخُطوبِ، وتُبرَمُ |
رَبَا في حُجُورِ المُلْكِ يُغريهِ بالحِجَى | خَلائِفُ مِنهُمْ مُرْشِدٌ، وَمُقَوِّمُ |
فآضَ كَمَا آضَ الحُسَامُ تَرَافَدَتْ | عَلَيْهِ القُيُونُ، فهوَ أبيضُ مِخْذَمُ |
مُدَبِّرُ مُلْكٍ أيُّ رَأيَيْهِ صَارَعُوا | بهِ الخَطبَ رُدّ الخطبُ يُدمى وَيُكلَمُ |
وَظَلاّمُ أعْداءٍ، إذا بُدىءَ اعتدَى | بمُوجِزَةٍ يَرْفَضُّ من وَقعِها الدّمُ |
وَقُورٌ، يَرُدُّ العَفوُ فَرْطَ شَذاتِهِ، | وفي القَومِ أشتاتٌ: مُلِيمٌ وَمُجرِمُ |
مَلِيًّ بأنْ يَغشَى الكَميَّ، وَدُونَهُ | ظُبًا تَتَثَنّى، أو قَناً تَتَحَطّمُ |
وَلَوْ بَلَغَ الجَاني أقاصِيَ حِلْمِهِ، | لأعقَبَ بَعدَ الحِلْمِ مِنْهُ التّحَلّمُ |
أرَى المَكرُماتِ استُهلِكَتْ في مَعَاشِرٍ، | وبادَتْ كَما بادَتْ جَدِيسٌ وَجُرْهُمُ |
أرَاحُوا مَطاياهُمْ، فَلا الحَمْدُ يُبتَغَى، | وَلا المجْدُ يُستَبقى، ولا المَالُ يُهضَمُ |
فأُقسِمُ لَوْلا جُودُ كَفّيكَ لم يَكُنْ | نَوَالٌ، ولا ذِكْرٌ من الجُودِ يُعلَمُ |
وَما البَذْلُ بالشّيْءِ الذي يَسْتَطِيعُهُ | منَ القَّوْم، إلاّ الأرْوَعُ المُتَهَجِّمُ |
وَيُحجِمُ أحْياناً عنِ الجُودِ بعضُ من | تَراهُ على مَكرُوهةِ السّيفِ يُقْدِمُ |
إلَيكَ القَوافي نازِعَاتٌ، قَوَاصِداً | يُسَيَّرُ ضَاحي وَشْيِهَا، وَيُنَمْنَمُ |
وَمُشرِقَةٍ في النّظمِ غَرّا، يَزِيدُها | بَهَاءً وَحُسناً، إنّها لَكَ تُنظَمُ |
ضَوَامِنُ للحاجاتِ، إمّا شَوَافِعاً | مُشَفَّعَةً، أوْ حاكمَاتٍ تُحَكَّمُ |
وكأْيِنْ غَدَتْ لي، وَهْيَ شِعرٌ مُسَيَّرٌ، | وَرَاحَتْ عَليّ، وَهْيَ مالٌ مُقَسَّمُ |