أكنت معنفي يوم الرحيل
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أكنتَ مُعَنّفي، يوْمَ الرّحيلِ، | وَقد لجّتْ دُموعي في الهُمُولِ |
عَشِيّةَ لا الفِرَاقُ أفَاءَ عَزْمِي | إليّ، وَلا اللّقاءُ شَفَى غَليلي |
دَنَتْ عندَ الوَداع، لوَشْكِ بُعدٍ، | دُنُوَّ الشّمسِ تَجنَحُ للأصيلِ |
وَصَدّتْ، لا الوِصَالُ لَهَا بِقَصْدٍ، | وَلا الإسعَافُ مِنْهَا بالمُخيلِ |
تُليمُ إسَاءَةً، وأُلامُ حُبّاً، | وَبَعْضُ اللّوْمِ يُغْرِي بالخَليلِ |
طَرِبْتُ بذي الأرَاكِ، وَشَوّقَتني | طَوَالِعُ مِنْ سَنَا بَرْقٍ كَليلِ |
وَذَكّرَنِيكِ، والذّكْرَى عَنَاءٌ، | َشبايِهُ فيكِ، بَيّنَةُ الشُّكُولِ |
نَسيمُ الرّوْضِ في رِيحٍ شَمَالٍ، | وَصَوْبُ المُزْنِ في رَاحٍ شَمُولِ |
عَذيري منْ عَذُولٍ فيكَ يَلحي | عَليّ، ألا عَذيرٌ مِنْ عَذُولِ |
تَجَرّمَتِ السّنُونَ، ولا سَبِيلٌ | إلَيكِ، وأنتِ واضِحَةُ السّبيلِ |
وَقد حاوَلْتُ أنْ تَخِدَ المَطَايَا | إلى حَيٍّ، على حَلَبٍ، حُلولِ |
وَلَوْ أنّي مَلَكْتُ إليكِ عَزْمي، | وَصَلْتُ النّصّ مِنْهَا بالذَّمِيلِ |
فأوْلى للمَهاري مِنْ فَلاةٍ | عَرِيضٍ جَوزُها، وَسُرًى طَوِيلِ |
زَكَتْ بالفَتْحِ أُحدانُ المَساعي، | وأُوْضِحَ دارِسُ الكَرَمِ المُحيلِ |
بمُنقَطِعِ القَرِينِ، إذا تَرَقّى | ذُرَى العَلْيَاءِ، مُفْتَقَدِ العَديلِ |
تُوَلّيهِ، إذا انتَسَبَتْ قُرَيْشٌ، | عُلُوَّ البَيْتِ مِنْهَا، والقَبِيلِ |
وَفَضْلاً بالخلائِفِ باتَ يُعزَى | إلى فَضْلِ الخَلائِفِ بالرّسُولِ |
رحيبُ البَاعِ، يَرْفَعُ مَنْكِبَاهُ | فُضُولَ الدّرْعِ عَنْهُ، والشّليلِ |
وَيَحْكُمُ في ذَخَائِرِهِ نَدَاهُ، | كَما حَكَمَ العَزِيزُ على الذّليلِ |
أخٌ في للمَكْرُمَاتِ يُعَدُّ فيها، | لَهُ فَضلُ الشّقِيقِ على الحَمِيلِ |
خَلائقُ كالغُيُوثِ، تَفِيضُ مَنْها | مَوَاهِبُ، مِثلُ جَمّاتِ السّيُولِ |
وَوَجْهٌ، رَقّ مَاءُ الجُودِ فيهُ، | على العِرْنِينِ، والخَدِّ الأسيلِ |
يُرِيكَ تألّقُ المَعْرُوفِ فِيهِ | شُعَاعَ الشمسِ في السّيفِ الصّقِيلِ |
وَلَمّا اعتَلّ أصْبَحَتِ المَعَالِي | مُحَبَّسَةً عَلَى خَطَرٍ مَهُولِ |
فَكَائِنْ فُضَّ مِنْ دَمْعٍ غَزِيرٍ | وأُضْرِمَ مِنْ جَوَى كَمَدٍ دَخِيلِ |
ألَمْ تَرَ للنّوَائِبِ كَيفَ تَسْمُو | إلى أهلِ النّوَافِلِ، والفُضُولِ |
وَكَيْفَ تَرُومُ ذا الفَضْلِ المُرجَّى، | وَتَخْطُو صاحَبَ القَدْرِ الضّئِيلِ |
وَمَا تَنْفَكُّ أحداثُ اللّيالي | تَمِيلُ على النّبَاهَةِ للخُمُولِ |
فَلَوْ أنّ الحَوَادِثَ طاوَعَتْنِي، | وأعطَتني صُرُوفُ الدّهْرِ سُولي |
وَقَتْ نَفْسَ الجَوَادِ، مِنَ المَنَايا | وَمَحْذُورَاتِهَا، نَفْسُ البَخِيلِ |
كَفَاكَ الله ما تَخْشَى، وَغَطّى | عَلَيْكَ بِظِلّ نِعْمَتِهِ الظّليلِ |
فَلَمْ أرَ مثلَ عِلّتِكَ استَفَاضَتْ | بِإعْلانِ الصَّبَابَةِ والعَوِيلِ |
وَكمْ بدأتْ، وَثَنّتْ مِنْ مَبِيتٍ | على مَضَضٍ، وَجَافَتْ من مَقِيلِ |
وَقد كانَ الصّحيحُ أشَدّ شَكْوَىَ | غَداتئِذٍ، مِنَ الدّنِفِ العَلِيلِ |
مُحَاذَرَةً عَلى الفَضْلِ المُرَجّى، | وإشْفَاقاً عَلى المَجْدِ الأثِيلِ |
وَعِلْماً أنّهُمْ يَرِدُونَ بَحْراً | بِجُودِكَ، غَيْرَ مَوْجُودِ البَدِيلِ |
وَلَوْ كَانَ الذي رَهِبُوا وَخَافُوا | إذا ذَهَبَ النّوَالُ مِنَ المُنِيلِ |
إذاً لَغَدا السّماحُ بلا حَليفٍ | لَهُ، وَجَرَى الغَمَامُ بلا رَسِيلِ |
دِفَاعُ الله عَنْكَ أقَرّ مِنّا | قُلُوباً جِدّ طَائِشَةِ العُقُولِ |
وَصُنْعُ الله فِيكَ أزَالَ عَنّا | تَرَجُّحَ ذلكَ الحَدَثِ الجَليلِ |
وقَاكَ لغَيْبِكَ المأمُونِ سِرّاً، | وَظَاهِرِ فِعْلِكَ الحَسَنِ الجَمِيلِ |
وَمَا تَكْفِيهِ مِنْ خَطْبٍ عَظِيمٍ، | وَمَا تُوليهِ مِن نَيْلٍ جَزِيلِ |
فَرُحْتَ كأنّكَ القِدْحُ المُعَلّى، | تَلَقّاهُ الرّقيبُ مِنَ المُجِيلِ |
ليَهْنِ المُسْلِمِينَ، بكُلّ ثَغْرٍ، | سَلاَمَةُ رأيِكَ الثّبْتِ الأصيلِ |
وَصِحّتُكَ، التي قَامَتْ لَدَيْهِمْ | مَقَامَ الفَوْزِ بالعُمْرِ الطّوِيلِ |
أيَادي الله مَا عُوفيتَ وَافٍ | سَنَا الأوْضَاحِ مِنْهَا وَالحُجُولِ |
تُعَافَى في الكَثِيرِ، وأنتَ بَاقٍ | لَنَا أبَداً، وَتُوعَظُ بالقَلِيلِ |