عمرت أبا إسحاق ما صلح العمر
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
عَمَرْتَ أبا إسحاقَ ما صَلُحَ العُمْرُ، | وَلاَ زَالَ، مَزْهُوّاً بأيّامكَ، الدّهْرُ |
لَنا كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَطائِكَ نَائِلٌ، | وَعِنْدَكَ مِنْ تَقْرِيظِنَا أبَداً َشكرُ |
وأنتَ نَدًى نَحيا بهِ، حيثُ لا ندَى، | وَقَطْرٌ نُرَجّي جُودَهُ حيثُ لا قَطْرُ |
على أنّني بَعدَ الرّضَا مُتَسَخِّطٌ، | وَمُسْتَعتِبٌ من خُطّةٍ سَهلُها وَعْرُ |
وَقَد أوْحَشَتْني رَدّةٌ لمْ أكُنْ لَهَا | بأهلٍ، ولا عندي بتأوِيلِها خُبرُ |
فَلِمْ جئتُ طَوْعَ الشّوْقِ من بَعد غايتي | إلى غَيْرِ مُشتاقٍ، وَلِمْ رَدّني بِشْرُ |
وَمَا بَالُهُ يأبَى دُخولي، وَقَد رَأى | خُرُوجيَ مِنْ أبوَابِهِ، وَيَدي صِفرُ |
وَقد أدرَكَ الأقْوَامُ عندكَ سُؤلَهُمْ، | وَعَمَّهُمُ من سَيبِ إحسانكَ الكُثرُ |
فكَيفَ تَرى المحمول كُرْهاً على الصّدى | وَقد صَكّ رِجلَيهِ بأمواجِهِ البَحْرُ |
تأتَّ لمَوْتُورٍ بَدا لَكَ ضِغْنُهُ، | فإنّ الحِجَابَ عندَ ذي خَطَرٍ وِتْرُ |
وَقد زَعَمُو أنْ لَيْسَ يَغتَصِبُ الفتى، | على عَزْمِهِ، إلاّ الهَدِيّةُ والسّحْرُ |
فإنْ كُنتَ يَوْماً لا مَحَالَةَ مُهْدِياً، | فَفي المِهْرَجَانِ الوَقتُ إذ فاتَنا الفِطرُ |
فإنْ تُهْدِ مِيخائِيلَ تُرْسِلْ بتُحْفَةٍ | تُقَضّى لها العُتْبَى، وَيُغْتَفَرُ الوِزْرُ |
غَرِيرٌ تَرَاءَاهُ العُيُونُ، كأنّما | أضَاءَ لَهَا في عُقْبِ داجِيَةٍ فَجرُ |
وَلَوْ يَبتَدي في بِضْعَ عَشرَةَ لَيلَةً | منَ الشّهْرِ، ما شكّ امرُؤٌ أنّهُ البّدرُ |
إذا انصَرَفَتْ يَوْماً بِعَطْفَيْهِ لَفْتَةٌ | أوِ اعتَرَضَتْ منْ لحظِهِ نَظرَةٌ شَزْرُ |
رأيتَ هَوَى قَلبٍ بَطيئاً نُزُوعُهُ، | وَحَاجَةَ نَفْسٍ لَيسَ عَنْ مِثلِهَا صَبرُ |
وَمِثْلُكَ أعْطَى مِثْلَهُ لمْ يَضِقْ بهِ | ذِرَاعاً، ولم يُحرَجْ بهِ، أوْ لَهُ صَدرُ |
عَلى أنّهُ قَدْ مَرّ عُمْرٌ لطيبِهِ، | وَمِنْ أعظَمِ الآفاتِ في مِثلِهِ العُمرُ |
غَدا تُفْسِدُ الأيّامُ مِنْهُ، وَلَمْ يكنْ | بأوّلِ صَافي الحُسنِ غَيّرَهُ الدّهرُ |
وَيُمْنَى بحضنيْ لِحْيَةٍ مُدْلَهِمّةٍ، | لخَدّيهِ منها الوَيْلُ، إنْ ساقَها قَدْرُ |
تَجَافْ لَنَا عَنْهُ، فإنّكَ واجِدٌ | بهِ ثَمَناً، يُغليهِ في مدحكَ الشّعرُ |
وَلاَ تَطلُبِ العِلاّتِ فيهِ، وَتَرْتَقي | إلى حِيَلٍ فيها لمُعْتَذِرٍ عُذْرُ |
فَقَدْ يَتَغابَى المَرْءُ في عِظْمِ مالِهِ، | وَمن تحتِ بُرْدَيْهِ المُغيرَةُ أوْ عَمرُو |
وَيَخْرُقُ بالتّبْذِيرِ، وَهْوَ مُجَرَّبٌ، | فَلاَ يَتَمَارَى القَوْمُ في أنّهُ غَمْرُ |
وَمَنْ لَمْ يَرَ الإيثَارَ لَمْ يَشْتَهِرْ لَهُ | فَعَالٌ، وَلَمْ يَبْعَدْ بسُؤدَدِهِ ذِكْرُ |
فإنْ قُلْتَ نَذْرٌ أوْ يَمِينٌ تَقَدّمَتْ، | فأيّ جَوَاد حَلّ في مالِهِ نَذْرُ |
أتَعْتَدُّهُ عِلْقاً كَرِيماً، فإنّما | مَرَامُ كَرِيمِ القَوْمِ أنْ يُكرَم الذُّخْرُ |
وإنْ كُنتَ تَهْوَاهُ وَتَقْلَى فِرَاقَهُ، | فَقَدْ كانَ وَفْرٌ قَبْلَهُ، فمضَى وَفرُ |
وألطَفُ منهُ في الفؤادِ مَحَلّةً | ثَنَاءٌ، تُبقيهِ القَصَائِدُ، أوْ شُكْرُ |
وَمَا قَدْرُهُ في جَنبِ جودِكَ إن غَدا | بِرُمّتِهِ، أوْ رَاحَ نَائِلُكَ الغَمْرُ |