رحلوا فأية عبرة لم تسكب
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
رَحَلُوا فَأيّةُ عَبرَةٍ لَمْ تُسْكَبِ | أسَفاً، وَأيُّ عَزِيمَةٍ لَمْ تُغْلَبِ |
قَدْ بَيّنَ البَينُ المُفَرِّقُ بَيْنَنَا | عِشْقَ النّوَى لرَبيبِ ذاكَ الرّبرَبِ |
صَدَقَ الغُرَابُ لقد رَأيتُ شُموسَهمْ | بالأمسِ، تَغرُبُ في جَوَانِبِ غُرَّبِ |
لَوْ كُنتَ شاهدَنا وَمَا صَنَعَ الهَوَى | بقُلُوبِنَا، لحَسَدْتَ مَنْ لم يُحبِبِ |
شُغلَ الرّقيبُ، وَأسْعَدَتْنَا خَلْوَةٌ | في هَجرِ هَجرٍ، وَاجتِنابِ تجَنّبِ |
فتَلَجلَجتْ عَبَرَاتُهَا، ثمّ انْبَرَتْ | تَصِفُ الهَوَى بلِسانِ دَمعٍ مُعْرِبِ |
تَشْكُو الفِرَاقِ إلى قَتيلِ صَبَابَةٍ، | شَرِقِ المَدامعِ، بالفرَاقِ مُعَذَّبِ |
أأُطيعُ فيكِ العاذِلاتِ، وَكُسْوَتي | وَرَقُ الشّبابِ، وَشِرّتي لم تَذْهَبِ |
وَإذا التَفَتُّ إلى سِنيَّ رَأيْتُهَا | كمَجَرّ حَبْلِ الخالِعِ المُتَصَعِّبِ |
عِشرُونَ قَصّرَها الصّبَا، وَأطَالَهَا | وَلَعُ العِتَابِ بِهَائِمٍ لَمْ يَعتَبِ |
مَا لي وَللأيّامِ صَرّفَ صَرْفُهَا | حَالي، وَأكْثَرَ في البِلادِ تَقَلُّبي |
أُمْسِي زَميلاً للظّلامِ، وَأغْتَدِي | رِدْفاً عَلى كَفَلِ الصّبَاحِ الأشهَبِ |
فأكونُ طَوْراً مَشرِقاً للمَشرِقِ الـ | ـأقْصَى، وَطَوْراً مَغرِباً للمَغْرِبِ |
وَإذا الزّمانُ كَسَاكَ حُلّةَ مُعدَمٍ، | فالبَسْ لهَ حُلَلَ النّوَى وَتَغَرَّبِ |
وَلَقَدْ أبِيتُ مَعَ الكَوَاكبِ رَاكِباً | أعْجازَهَا بِعَزِيمَةٍ كالكَوْكَبِ |
وَاللّيْلُ في لَوْنِ الغُرَابِ، كأنّهُ | هُوَ في حُلُوكَتِهِ، وَإنْ لم يَنْعَبِ |
وَالعيسُ تَنصُلُ من دُجاهُ، كما انجلَى | صِبْغُ الشّبابِ عن القَذالِ الأشيَبِ |
حتّى تَجَلّى الصّبْحُ، في جَنَباتِهِ، | كالمَاءِ يَلمَعُ مِنْ وَرَاءِ الطُّحْلُبِ |
يَطْلُبْنَ مُجتَمَعَ العُلا مِنْ وَائلٍ، | في ذلكَ الأصْلِ الزّكيّ، الأطْيَبِ |
وَبَقيّةَ العَرَبِ الّذي شَهِدَتْ لَهُ | أبْنَاءُ إدٍّ بالفَخَارِ، وَيَعْرُبِ |
بالرّحْبَةِ الخَضرَاءِ ذاتِ المَنْهَلِ الـ | ـعَذْبِ المَشَارِبِ، وَالجَنابِ المُعشِبِ |
عَطَنُ الوُفُودِ، فمُنجِدٌ، أوْ مُتهِمٌ، | أوْ وافِدٌ مِنْ مَشرِقٍ، أوْ مَغرِبِ |
ألْقَوْا بجَانِبِهَا العِصِيّ، وَعَوّلوا | فيها عَلى مَلْكٍ أغر، مُهَذَّبِ |
مَلِكٌ لَهُ في كلّ يَوْمِ كَرِيهَةٍ | إقْدامُ غر وَاعتِزَامُ مُجَرَّبِ |
وَتَرَاهُ في ظُلَمِ الوَغَى، فتَخالُهُ | قَمَرً يَكر عَلى الرّجالِ بكَوْكَبِ |
يا مَالِكُ ابنُ المَالكِيّينَ الأُلى، | مَا للمَكَارِمِ عَنْهُمُ مِنْ مَذهَبِ |
إني أتيتك طالباً فبسطت من | أملي، وأنجح جود كفك مطلبي |
فَشَبِعْتُ مِنْ بِرٍّ لَدَيكَ وَنَائِلٍ، | وَرَوِيتُ من أهْلٍ لَدَيكَ وَمَرْحَبِ |
وَغَدَوْتَ خَيرَ حِيَاطَةٍ منّي علَى | نَفسِي، وَأرْأفَ بي هُنالكَ مِنْ أبي |
أعْطَيْتَني، حتّى حَسِبتُ جزِيلَ ما | أعْطَيْتَنيهِ وَدِيعَةً لَمْ تُوهَبِ |
فَلْتَشكُرَنّكَ مَذْحِجُ ابنَةُ مَذحِجٍ، | مِنْ آلِ غَوْثِ الأكثرِينَ وَجُندُبِ |
وَمَتى تُغَالِبْ في المَكَارِمِ وَالنّدَى | بالتّغْلِبِيّينَ الأكَارِمِ تَغْلِبِ |
قَوْمٌ، إذا قيلَ النَّجاءُ، فَما لهُمْ | غَيرُ الحَفائظِ، وَالرّدى مِنْ مَهرَبِ |
يَمشونَ تحتَ ظُبَا السّيوفِ إلى الوغى | مَشْيَ العِطاشِ إلى بَرُودِ المَشرَبِ |
يَتَرَاكَمونَ على الأسِنّةِ في الوَغَى، | كالصّبحِ فاضَ على نجومِ الغَيهَبِ |
يُنسيكَ جُودَ الغَيثِ جُودُهمُ، إذا | عَثَرَتْ أكُفُّهُمُ بِعَامٍ مُجدِبِ |
حتّى لَوَ انّ الجُودَ خُيّرَ في الوَرَى | نَسَباً، لأصْبَحَ يَنتَمي في تَغلِبِ |