أرشيف المقالات

الملك زومبي وحركة الماليين (المسلمين) في البرازيل (1)

مدة قراءة المادة : 28 دقائق .
توجد ثلاث مناطق كبيرة في أمريكا تستحق اهتمام المسلمين؛ بسبب الخلفية الثقافية الإسلامية الموجودة في تلك المناطق، وهي: البرازيل في أمريكا الجنوبية، ومنطقة البحر الكاريبي التي تم استكشافها، والدولة الأخرى هي ما تسمى بالولايات المتحدة حيث يوجد أكثر من 12% من سكان الولايات المتحدة، وأكثر من ذلك في منطقة البحر الكاريبي من أصول إفريقية، كما تضم البرازيل نسبة مماثلة أو أكبر من ذوي الأصول الإفريقية.
 
وُجد الرق في تلك المناطق لثلاثة أو أربعة قرون بعدما تم استئصال الهنود (سكان البلاد الأصليين) إما عن طريق القتل، أو النفي إلى السهول والغابات، وعلى الرغم من أن وجود المسلمين ذوي الأصول الإفريقية في أمريكا الشمالية معروف، إلا أننا ما زلنا نحتاج إلى بعض الأبحاث حول وجودهم في جزر الهند الغربية.
 
تفخر البرازيل بجمهورية "بالميراس"، التي كادت أن تُحَقق لها حريتها في القرن السابع عشر، كما تفخر أيضًا بحركة الماليين التي ظهرت في القرن الماضي، والتي كانت تتسم بالطابع الإسلامي بشكل واضح؛ مثل حركة كانودوس التي ظهرت في عام 1897، والتي كانت تتسم بالصبغة الإسلامية.
 
وفي المستعمرات الإسبانية، بدأ وجود الهنود الأمريكيين يتراجع بسرعة؛ لذلك اقترح أسقف تشياباس (بارتولومي دي لاس كازاس) المكسيكي استقدام العبيد من إفريقيا؛ لاستعباد الأفارقة ونقلهم إلى أمريكا، وتحويلهم إلى النصرانية.
 
سلك عدد قليل من الناس مسلك بارتولومي دي لاس كازاس (1474 - 1566)، الذي لُقِّب برسول جزر الهند الغربية، ولكنه في حقيقة الأمر كان مُسْتَعْبِدًا للأفارقة، وخاصة المسلمين "المور" كما لقبهم، وهذه الحقائق الخاصة بالرقيق الأسود سادت في كل المحيط الأطلسي من ولايات ميريلاند، وفرجينيا، إلى الأرجنتين، فضلاً عن بعض البلدان الواقعة على ساحل المحيط الهادي مثل: الإكوادور، وبيرو، ونحن بحاجة لدراسة هذه المسألة بعناية أكبر؛ حتى يمكن استعادة تاريخ المسلمين بشكل عام، والمسلمين الأفارقة بشكل خاص.
 
بدأت المأساة في القرن السادس عشر، منذ أكثر من أربعمائة عام، وآثارها لا تزال واضحة؛ حيث تلقى أسلاف هؤلاء تعليمًا كما حدث للعديد من المهاجرين، فقد كانوا مسلمين، ويستخدمون اللغة العربية في كتاباتهم؛ ونتيجة لذلك كان المسلمون المستعبَدون في ذلك الوقت يحتفظون ببعض الكتب عن الزراعة في مزارع أسيادهم الأميين الذين غالبًا كانوا لا يستطيعون القراءة، أو إجراء العمليات الحسابية، ناهيك عن التعامل مع الكتابات الرسمية.
 
وفي عام 1549 نشأت أول مستوطنة أوروبية دائمة في البرازيل، التي لم تنفصل يومًا عن غرب إفريقيا، وحتى اليوم ما زالت التجارة تسير على ساحل غينيا، انتشر اليوروبا من نيجيريا إلى بنين وفي بعض مناطق البرازيل كما كان الحال مع اللغة البرتغالية، فكلمة "ناجو" تعني "اليوروبا" في البرازيل؛ وكلمة "جاجو" تشير إلى النعجة من داهومي أو بنين الحديثة وتوجولاند، وعلى الرغم من عدم استخدام اللغات الإفريقية المحلية، فقد ظلت تلك التعبيرات كمفردات موجودة في اللغة المستخدمة بين الأفارقة.
 
تمكَّن المهاجرون الهوسا (أو أوسا، كما هي معروفة في اللغة البرازيلية) من المسلمين الذين تمسكوا بعقيدتهم على قدر الاستطاعة في بعض الأحيان - من إقناع بعض الأسرى الآخرين بالإسلام.
 
"ألوفا" هو اسم للإمام الأسود في ريو دي جانيرو، و"ليسانو" هو مصطلح برازيلي آخر لإمام الصلاة؛ "موسلمي" هو اسم آخر للمسلمين في ولاية باهيا، الذين يُسَمَّوْن أيضًا بـ "الماليين" أو ربما هي كلمة من لغة اليوروبا تدل على "المسلمين"، "فاذرصلى" أو "سارا" (هو مرادف للاسم العربي صلاة) وتعني "الصلاة" في باهيا.
 
عُرف مسلمو اليوروبا الذين يقطنون المناطق الساحلية في خليج بنين باسم "ناجوس"، والذين وجدوا بشكل أساسي في ولاية باهيا، حيث ما زال لهم نفوذ في تلك المناطق حتى اليوم.
 
كما وجدت مجموعات سودانية من الأراضي الشمالية التي عرفت بـ "الفولاني"، "أوساس" أو "عبيد الهوسا"، أما بالنسبة لمجموعات الناجوس، والأوساس، الذين وجدوا في البرازيل، فكانوا من اليوروبا، ويسمون بعبيد الهوسا، أما بالنسبة لعبيد الميناس، فقد أتوا من ساحل الذهب، وكان الملك زومبي من "بالميراس" على الأرجح، وهو أحد أبنائهم، وكلمة "مال" تعني الماندنيجو من إمبراطورية مالي القديمة، الذين ذكرناهم سلفًا، على الرغم من أن كلمة "إيمالي" هي كلمة يوروبية تعني "مسلم"، أما بالنسبة لأولئك الذين أتوا من أنجولا، فكانوا يسمون بـ "البانتوس"، بينما "الكلابار" أو (الإيبوس) يأتون من منطقة دلتا النيجر.
 
بقيت تلك "الشعوب" منعزلة في البرازيل، وتم إحماء الصراعات القبلية فيما بينها بهدف السيطرة عليهم، كما صنف البرتغاليون عبيدهم على أسس عِرْقية، أو طائفية؛ من أجل تعزيز الانقسامات فيما بينهم.
 
وبما أن العديد من الأفارقة كانوا من المسلمين، فقد طُبقت هذه السياسة على الأيبيريين القادمين من إسبانيا والبرتغال؛ لمحاولة تصدير تلك السياسة للخارج، وأصبح مالكو العبيد يخافون من بعض أنواع العبيد المسلمين مثل جيلوفوس، أو وولوفس والماندنيجوس؛ كان هؤلاء الأسرى يتحلون بالإيمان، ويملكون القوة المعنوية، والشخصية القوية.
 
تم أسر آلاف من القرويين من غرب إفريقيا، أو الملايين عندما يتم إضافة الرقم الإجمالي من المزارعين، والحرفيين، والتجار، في غارات الرقيق الوحشية، وتم ترحيلهم إلى الخارج، وكثيرًا ما كان السجناء المأسورون في تلك الغارات من المسلمين من الممالك النائية البعيدة عن الساحل من سونغاي، وأراضي الهوسا، ومالي.
 
وبدأ الجاكونكوس، أو سيرتانيجوس، في التطور، لتنشأ سلالة جديدة من الرجال الذين كان ولاؤهم لأمريكا، على الرغم من أنهم كانوا يُعتبرون خارجين عن القانون، ويعيشون في المناطق غير المأهولة، حيث ذهبوا للتنقيب عن الذهب والألماس؛ كوسيلة لكسب أرزاقهم، ثم أصبحوا عُمالاً حقيقيين، حيث بنوا مدنهم بالطين الأحمر في براري البرازيل.
 
وانتشرت معسكرات المقاومة في المناطق غير المأهولة، أو السيرتوس؛ حيث استمرت العادات والأعراف القبلية الإفريقية، وظهرت احتفالات دينية مشابهة لاحتفالات الفودو في هايتي أو كوبا، التي سميت باحتفالات "الكاندومبلي" في ولاية باهيا، والتي جسدت العالم المفقود؛ حيث أُجريت طقوس ورقصات أمام الأكواخ المصنوعة من النخيل والقش، وتطورت تلك الاحتفالات لتشمل طقوس العديد من الطوائف، ومعظمهم من طوائف وثنية المنشأ، عكست الكاندومبلي حركة شعبية قوية؛ حيث مورست الطقوس بطريقة جادة ومحترمة، وقيل: إن كاندومبلي نفسه من أصل يوروبي من جنوب نيجيريا، وبالتالي فهي حركة وثنية.
 
احتقر أصحاب الأرض العبيد في سينزالس، أو أرباع الرقيق البرازيلي، وأجبروهم على العيش فيها، كما هو الحال في الأحياء الفقيرة المعاصرة، أو الأحياء الفقيرة في ريو دي جانيرو، وساو باولو (أو تلك المناطق في هافانا أو هارلم)، ولكن هذه المخيمات وَفَّرَت للأسرى بعض الكرامة، فقد تأثر المطبخ والمأكولات البرازيلية بهؤلاء المهاجرين قسرًا، والذين اضْطُروا إلى العمل في المطابخ والمزارع، وبالتالي فقد قاموا بإدخال المأكولات التي أحضروها معهم من غرب إفريقيا؛ مثل: البامية والبطاطا، والمحاصيل الجذرية، والبهارات - إلى المطبخ البرازيلي، وظل العبيد، الذين كانوا قادة أو كهنة قبل الأسر، يظهرون التفوق الاقتصادي، ويظهرون الأخلاق المهذبة؛ حيث كانوا يوجهون الطوائف المختلفة إلى عبادة أصنامهم بجانب عبادة الأوريشاس، أو الآلهة الوثنية (التي أُجْبِروا على الإيمان بها)؛ مثل طبيب "وتوه" الأسود الذي مارس الطب الشعبي في باهيا (الأوريشاس يعني آلهتهم الوثنية، وينطبق الآن على كهنتهم).
فالبنات في الكاندومبليس لا يزلن نشطات في الحياة البرازيلية، وكانت البتوكادا هي الرقصة التي كانت تؤديها هؤلاء البنات، أو الأعضاء الأصغر سنًّا في طقوس تلك التجمعات.
 
نشأت تلك المعسكرات وانتشرت في المناطق البرازيلية غير المأهولة، أو السيرتوس؛ حيث تم إحياء العادات والأعراف القبلية، وكان المالونجوس هم "الرفاق" أو "الأصدقاء" الذين عاشوا معًا في تلك المخيمات، والتي تمثل حركة شعبية قوية لإحياء تلك الطقوس بطريقة جادة ومحترمة كما قلنا.
 
وظهرت بعض ممالك أو جمهوريات الغابات في القارة الأمريكية، والتي عاشت بقوانينها الخاصة؛ مما بث روحًا من الاستقلال في أعماق الغابات الساحلية البرازيلية.
 
استقر "المكامبو" على قمة الجبل مثل:
البافيلاس، أو الشانتي، الذين يعيشون في ريو اليوم، والذين هم امتداد لتلك القبائل، في حين تم تسجيل أول "كيلومبو" أو تحصينات الغابات في عام 1579 في القيادة العامة، أو ولاية باهيا المقابل لغرب إفريقيا بعد نصف قرن من اكتشاف البرازيل من قِبَل البرتغاليين، بل اشتملت على عدة مئات من العبيد الهاربين الذين استقروا في بداية تكوين تلك المستعمرات، إذا كان من الممكن التأكد من تلك الإحصاءات.
 
وفي عام 1602 تم التخطيط للحملة الأولى ضد "أحراش الزنوج" كما كانت تسمى، وقد أُرسلت عدة بعثات عسكرية لملاحقة هؤلاء؛ لأن البرتغاليين رأوا أن تلك المستوطنات الإفريقية الحرة التي نشأت في المناطق غير المأهولة قد أصبحت خطرًا على تجارة العبيد في مستعمراتهم، وإذا كان العبيد من قبيلة الفولاني، أو الهوسا، أو الماندينغو، فهناك احتمال كبير في كون هؤلاء العبيد من المسلمين الأفارقة الذين أتوا من غرب إفريقيا، والذين تم تحريرهم طبقًا لتعاليم الإسلام التي تنادي بتحرير العبيد، نشرت روح التمرد التي أظهرها العبيد البرازيليون الخوف من وحدة المسلمين، تمامًا مثلما حدث في الولايات المتحدة مع قيام المسلمين السود في الستينيات والسبعينيات باعتصامات، والتي أدت إلى أعمال قمع من قِبَل الشرطة، وإلى قمع حريات المسلمين إلى وقتنا الحالي.
 
وقد سُجلت أقوى حركة للتخلص من العبودية تحت اسم: "ملحمة بالميراس"، وهي اختصار لـ "جمهورية النخلة" أو المملكة التي رمزت إلى المقاومة الإفريقية ضد العبودية والظلم الاجتماعي، تأسست بالميراس في سيرا دي باريغا، التي تقع بين بيرنامبوكو وألاجواس، واستمر هذا النمط المجتمعي الإفريقي لأكثر من نصف قرن، ابتداء من سنة 1630 حتى 1697، أو ربما لأكثر من ذلك إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الناجين من المذابح بعد ذلك.
 
وبما أن الحركة لم يكن لها سجلات خاصة، أو أن تلك السجلات قد دمرت أو فقدت، فكل الأرقام الواردة هنا هي مجرد تقديرات.
 
وازدادت الرِّحْلات العفوية نحو الأدغال في مرتفعات بالميراس؛ حيث انتشر اسمهم في سينزالاس، أو أرباع الرقيق، على مزارع قصب السكر من ألاجواس وبيرنامبوكو، وحتى باهيا، وكان تأثير البالمارين هامشيًّا في تلك المناطق؛ حيث كانت المنطقة مليئة بالأمطار الغزيرة في بعض الأوقات، ثم عقبها جفاف شديد إلى فترة طويلة ضَرَب شمال شرق البرازيل لعدة قرون، تمامًا كما يضرب الجفاف منطقة الساحل في غرب إفريقيا.
 
وكان التنظيم الاجتماعي "بالميراس" عبارة عن عدة مدن محصنة، وفي تلك التحصينات في سيرا دا باريغا كان يقطن ما يقارب من 30.000 مواطن، وكان لها تنظيم سياسي يشبه الممالك النائية في غرب إفريقيا التي استمرت لمدة ستين عامًا على الأقل، وقدمت هجرة حقيقية، أو تراجعًا إلى باكلاند؛ حيث طبقت قوانينها الخاصة، وساعدت المجالس الشعبية، وقد أقيمت النقاط الحدودية عبر المناطق الجبلية في ذلك الجزء من البرازيل، وقد كانت مدينة أوروبو التي تسمى الآن "روي باربوسا" في ولاية باهيا - واحدةً من تلك المخابئ التي تأوي الهاربين، والتي لا تزال شاهدة حتى اليوم على تلك الحِقْبة.
 
وفي كثير من تلك التحصينات تكلَّم العبيد بلغة خاصة بهم، وتم تقسيم الأراضي وَفقًا للنموذج الذي كان معتمدًا في غرب إفريقيا، وقد أنجبوا أطفالاً كُثُرًا، والذين كانوا أول نواة لولادة الأحرار في البرازيل، وقامت الجمهورية بإقامة نظام المقايضة مع المستوطنات الساحلية المجاورة، وخاصة في السلع الزراعية، التي استبدلوا بها السلع المصنعة في الخارج.
 
وانتشر نظام المقايضة في الاقتصاد؛ لأن الجمهورية لم تكن تمتلك المال، أو عملة رسمية؛ وعاش الجميع من ثمرة عمله، وكان نظام المقايضة هو الأساس، وقد زرع الدخن، والفاصوليا، وقصب السكر، والبطاطا، وغيرها من الخضراوات للغذاء، وتم تربية الدجاج، والقليل من الماشية؛ مما يجعلنا نتساءل: كيف كان العديد منهم من قبائل الفولاني أو الفولبي؟ وكان البالميراس دولة قانون يطبق فيه القانون الخاص بها، والذي يقوم في الأساس على التقاليد، والعادات الموجودة في غرب إفريقيا.
 
وفرضت عقوبة الإعدام على الزنا ، والسرقة، والهروب من الخدمة، وفرضت الضرائب من أجل الخدمة العامة، وكان لديهم قانون مدني، وآخر جنائي، وأسسوا جيشًا للدفاع عن أنفسهم، وهي إحدى التجارِب الحقيقية للدولة في القانون الدولي، وأقاموا الأبراج العالية من أجل الهجوم، وكانت مؤسساتهم السياسية والاجتماعية أفضل بكثير من تلك التي حكمت حركة كانودوس، والتي تأسست بعد مائتي عام من تأسيس البالميراس، وفي ذلك الوقت فُقدت العديد من العادات والتقاليد.
 
كان اسم القائد هو جانجا زومبي، الذي ربما كان اسما أنجوليًّا، على الرغم من أن جانجا زومبي نفسه كان من قبيلة الإيوي (المنطقة الجنوبية من غانا وتوجو وبنين)، وهو ما يعني أن والديه من أصول غانية أو توجية، كما لعب ابن شقيقه الذي يدعى أيضا "زومبي"، والذي لقبه البرتغاليون بـ "هوبقوبلن"، دورًا في مقاومة البرتغاليين.
 
جذبت بالميراس البرازيليين من الأصول الهندية، وفقراء البيض فضلاً عن السود، تمامًا كما فعل كانودوس بعد قرنين من الزمان، تمكنت جمهورية بالميراس من الصمود في المناطق النائية لأكثر من خمسين عامًا، من منتصف القرن السادس عشر إلى نهايته، ضد كل من البرتغاليين والهولنديين الذين كانوا يتقاتلون من أجل السيطرة على البرازيل نفسها.
 
وكانت القيادة العامة في بيرنامبوكو إلى الشمال غنية بسبب أراضي السكر، والتي تأسست في عام 1534، بينما تأسست بالميراس نفسها بعدها بقرن؛ أي: حوالي عام 1630 أثناء الاحتلال الهولندي لريسيفي، ثم عاصمة المستعمرة البرازيلية (وكلمة "ريسيفي" تعني الرصيف، أو قفص الاتهام باللغة العربية).
 
اندلعت ثورة بالميراس بين 1630 و1640 أثناء الاحتلال الهولندي لشمال شرق البرازيل، وزادت خلال فترة الاحتلال، كما شنت القوات الهولندية أكثر من عشرين هجومًا كبيرًا على بالميراس، وعندما تم طرد الهولانديين خارج البلاد، أرسل البرتغاليون العديد من الحملات العقيمة على بلاد الأحراش؛ واحدة في عام 1670، وأخرى عام 1677، وعام 1682، وتم التخطيط لإرسال بعثة أخرى، وتم إحصاء حوالي خمس عشرة بعثة ضد الجمهورية، أو مملكة الأفارقة.
 
وعندما ظهر جانجا زومبي أو زامبا، زعيم أو ملك من بالميراس، كان من قبيلة الإيوي، أو الأردا من ساحل الذهب، ثم أصبح شخصية تاريخية عظيمة، وخاصة بالنسبة لصناعة السينما البرازيلية المعاصرة، وكان يوصف بأنه "أسود، شجاع، راجح العقل، ولديه الكثير من الإيمان"، على الرغم من كون هذا الإيمان ليس واضحًا، يعتبر البرتغاليون زومبي متمردًا، ومغرورًا، وشنوا حملة ضده أسموها "حملة الصليب"، التي كان لها طابع ديني.
 
شجعت الكنيسة الكاثوليكية في واقع الأمر العبودية في البرازيل بشكل واضح، في حين نصح الواعظ اليسوعي الشهير أنطونيو فييرا الملكَ البرتغالي بوجوب المحافظة على كيان الدولة.
 
كما تحدث فييرا ضد هذا التمرد الأسود، وأثنى على العبودية، التي قدم لها تبريرات فلسفية ليس لها معنى، وحاول إضفاء الشرعية عليها، تمامًا مثلما أثني أسقف لاس كازاس على الرق الإفريقي في المستعمرات الإسبانية قبل قرن ونصف، جسد فييرا مذهب الكنيسة البرتغالية تجاه العبودية بأنها نوع من الثقافة التي تنسجم تمامًا مع المجتمع.
 
يُقال: إن جانجا زومبي قد وُلد عام 1735 في بورتو كالفو على الساحل الشمالي من ألاغواس، وكان اسمه في العبودية فرانسيسكو، ويقال: إن أحفاده قد تم القضاء عليهم قبل هذه الحملة، ويقال أيضًا: إنه كان له زوجة بيضاء، وقصر يسكن فيه يسمى بـ "جانجا سونغو" أو "زونا"، ولكن لا نعلم إذا ما كان هذا اسمًا أم لقبًا؟ وقد سميت عاصمة زومبي بـ "مكاكوس"، والتي تعني "قرود" باللغة البرتغالية، وتقع هذه البلدة في سيرا دا باريغا، وتضم 500 منزل، و8000 نسمة وَفقًا لإحدى التقديرات، والاسم التافه الذي أطلق على العاصمة يجعلنا نعتقد بأن هذا المكان كان مجرد كنية ساخرة، ويجب علينا أن نتذكر دائمًا أن كل ما نعرفه عن جمهورية بالميراس هو ما نُقل إلينا عن طريق أعدائهم البرتغاليين؛ لأن سجلات البالمارين غير موجودة.
 
قال بعض الكتاب: إن عدد السكان البالمارين كان 30.000 نسمة، ويختلف العدد من كاتب لآخر؛ بسبب افتقارنا إلى إحصاءات موثوق بها، خاصة من وجهة نظر البالمارين.
 
تم تحصين مدينة ماكاكوس بجدار طيني تمامًا مثل تلك الجدران المستخدمة في غرب إفريقيا، أو بتحصينات أو بسياج، والذي جعلها تبدو كقلعة محصَّنة في قلب البرازيل، بُنيت المنازل من الطين الأحمر، وكانت الأسقف من النخيل والقش، وفي بعض المستوطنات بُنيت البيوت من الخشب؛ وطبقًا لهذا الوصف يجب أن تكون مدينة الماكاكوس متداعية؛ نظرًا لوجودها على الارتفاع الشاهق، وشوارعها عبارة عن متاهة من الحارات مع وجود بعض التخطيط الحضري فيها، تقع المدينة داخل الجبال المشجَّرة التي ترتفع وراء المحيط الأطلسي، والتي ترتفع 350 كيلومترًا، أو 200 ميلٍ عن المدن الساحلية مثل (سيرنهايم، وبورتو كالف، وألاغواس).
 
ربما كانت إيبوجوكا أول مدينة أسسها هؤلاء المقاتلون الأفارقة، وكانت أمارو مستوطنة أخرى سكنها 5000 شخص، وكانت تقع على بعد 35 ميلاً أو 60 كيلومترًا شمال غرب سيرنهايم، وكانت سوكوبيرا ما تزال أكبر ثاني مدينة كما قيل، وكانت ألكتيرين هي أكبر مدنهم على الإطلاق، والتي بلغ عدد سكانها 6000 نسمة، وكانت تقع على بعد 60 ميلاً من ساحل ألاغواس، كما كان مقر القيادة العامة في البرازيل يقع مباشرة إلى الجنوب من بيرنامبوكو، وشكَّلت تلك المدن أربع مستوطنات رئيسية، وفي كل منها يوجد عدد من الشوارع أمام البيوت المبنية من الطين والخشب، والتي قدرت بحوالي 800 شارع، في أول بعثة كشفية أرسلها البرتغاليون، وكان يحيط بكل مدينة منها حقول لضمان الإمدادات الغذائية الخاصة بهم.
 
كما وجدت بعض المدن الأخرى مثل:
تابوكاس، دامجروجانجا، سيركا ريال دو مكاكو، أوسنجا، أمارو وأنتلكويتوس، ويقدر عدد سكان تلك المناطق بما لا يقل عن 20.000 مواطن في كل تلك المستوطنات، بينما ذكر بعض الكتاب أرقامًا أكثر من هذا بكثير، قدروها بحوالي 30.000 مواطن، ويختلف العدد؛ بسبب افتقارنا إلى إحصاءات موثوقة ودقيقة عن هذه الحركة الاجتماعية الهامة في أمريكا الاستعمارية.
 
وقد ذكر البرتغاليون أسماء القادة الذين أُرسلوا للقضاء على تلك المستوطنات، ففي عام 1674، بدأ دوم بيدرو دي ألميدو، وهو نقيب في الجيش، سياسة أدت إلى إقرار معاهدة السلام التي وُقِّعت بين البرتغاليين والبالمارين، وبعد أربع سنوات، في عام 1678 قَدِمَ ثلاثة من أبناء زومبي إلى ريسيفي للتعامل مع السلطات البرتغالية في تلك البلدة المستعمرة، وبعد أربعة أشهر ظهر الملك نفسه في أحد القطارات بصحبة أربعين شخصًا، وفي ذلك العام 1678 تم وضع معاهدة السلام بين السلطات البرتغالية، وجانجا زومبي.
 
وبعد مضي ستة عشر عامًا، في عام 1694 حققت جمهورية أو مملكة بالميراس تقريبًا استقلالها عن البرتغال، وفي العام التالي تم طعن الملك زومبي في بطنه في محاولة اغتيال، ولكنه نجا، بعد ذلك تم نقل نصف الجنود الذين تم تدريبهم ليكونوا صيادين للهنود إلى الشمال من ساو باولو لمساعدة الجيش البرتغالي، وكانوا يسمون بالماميلوكوس، وتعني المماليك في اللغة العربية، ولكن المقصود بالكلمة البرازيلية هنا هو الاتصال المباشر بين أوروبا وإفريقيا، ونستطيع أن نربط هنا بين اسم العبيد الذين استخدمهم الأتراك في مصر ، وبين هؤلاء.
 
وبما أن ماكاكوس عاصمة البالمارين كانت محصنة، قررت السلطات الاستعمارية مهاجمة المدينة بالمدفعية، وتم إنشاء طريق للنقل من بورتو كالفو على مسافة 200 ميل أو 350 كم؛ لجلب المدافع الثقيلة إلى الأحراش، وفي بيرنامبوكو انتشرت شائعة بأن "المور" قد تولوا تحصين ماكاكوس، وهذا يُذَكِّرنا تمامًا بما فعله سلمان الفارسي - رضي الله عنه - في تحصين مدينة النبي -صلى الله عليه وسلم- من خلال حفر الخندق.
 
استمرت الحملة العسكرية التي بدأت منذ عام 1694 حتى عام 1697، والتي باتت حربًا طويلة الأمد في المناطق النائية، والتي تم على إثرها محو جمهورية إفريقيا البطلة في النهاية، وبحلول 1697 هُزم البالمارون، وتم تجويعهم، وتم وصمهم في واحدة من أبشع عمليات السلب والنهب التي سجلها التاريخ كما وصفها الكاتب البرازيلي "إقليدس دا كونها"، وقد استمرت تلك الجمهورية الإفريقية أو المملكة لأكثر من نصف قرن بعد الاحتلال الهولندي للبرازيل، وقد أرخ دا كونها في كتابه الذي حمل عنوان "أوس سيرتوس" أو "ثورة في المناطق النائية" لهذا الحدث بـ1630 - 1697.
 
تعامل البرتغاليون بطريقة همجية مع جثمان الزومبي عندما حصلوا عليه أخيرًا؛ فقد قاموا بقطع رأسه وأعضائه التناسلية، وشوهوا جثته قبل عرضها على الجمهور في ريسيفي، وتم بيع الأسرى الذين أُسِروا في الهجوم في الأجزاء الواقعة أقصى شمال البرازيل، وخاصة في مقر القيادة العامة، أو مقاطعة مارانهاو، على ذلك الساحل؛ حتى لا يتمكنوا من إيجاد طريقهم بسهولة للعودة إلى رفقاء السلاح السابقين، كما تم القضاء على الناجين الذين فروا من بالميراس في عام 1713، واستمرت الإبادة عقدين من الزمن بعد قرن من اندلاع ثورتهم الأولى.
 
كانت الحرية في البرازيل نوعًا من أنواع العقاب، فما لبثوا أن نالوا حريتهم حتى بدأت مرحلة جديدة من التجويع تمامًا مثلما حدث في إنجلترا، ونوفا سكوتيا، أو الولايات المتحدة، وفي ألاغواس تم تسمية المطار الرئيسي حاليًّا بـ "بالميراس" في العاصمة ماكيو؛ كما لو كان تخليدًا لذكرى هؤلاء المقاتلين من أجل الحرية، بل هو أيضًا اسم لبلدة في جنوب غرب ريسيفي في بيرنامبوكو.
 
بعد هزيمة البالمارين، حدثت ثورات مستمرة في المناطق النائية، أو سيرتواس في البرازيل، وفي عام 1704 وتمامًا في القرن التالي، اندلعت انتفاضة أخرى خارج بالميراس ميدل في كامبوانجا في سيرا نيجرا إلى الشمال من ريسيفي في ولاية بارايبا، كما وقعت اضطرابات في كومبي في بارايبا في بداية القرن الثامن عشر، وفي 1719 ظهر تمرد آخر في ولاية إنلاند الجديدة في ميناس جيرايس (أو المناجم العامة) في منطقة التعدين التي فتحها البرتغاليون في تلك المحافظة الجديدة في إنلاند البرازيلية (وهو أول إضراب لمناجم الذهب في ولاية ميناس جيرايس في عام 1695)، وفي عام 1763 اندلعت انتفاضة الرقيق في المناطق الواقعة حول باهيا.
 
بعد عام 1803 في مطلع القرن التالي، ظهرت ثورة الماليين (المسلمين) من جديد، والتي انتشرت في جميع أنحاء باهيا، وقامت ثورة أخرى في البرازيل في عام 1807 وحتى 1809، واندلعت انتفاضة في ولاية إسبيريتو سانتو في أوائل القرن التاسع عشر، وفي خلال عام 1823 - 1824، عانت ريو دي جانيرو من حالة عامة من الخروج على القانون، وفي عام 1876 تكرر الأمر، كما شهدت مارانهاو في الشمال اضطرابات مماثلة في عام 1853، وفي عام 1828 و1830 اندلع التمرد في باهيا، في إلهيوس على الساحل إلى الجنوب من الميناء الرئيسي، وعاصمة السلفادور، وكان تصميم الأفارقة البرازيليين - مع يأسهم من تحسن الأوضاع - واضحًا في هذه الثورات التي انتشرت على نطاق واسع.
 
استمرت الثورات في الحضر في الفترة من بين 1803 حتى 1835 في السلفادور عاصمة تلك الدولة، والتي كونت قاعدة شعبية كبيرة، ولكنها كانت تفتقد إلى قيادة حقيقية.
 
وفي السنوات من بين 1828 و1830، سُمع عن بعض طلائع حركة الماليين في جميع أنحاء باهيا؛ في مينائها، وفي عاصمة السلفادور، وكذلك في الموانئ الأخرى على طول الساحل؛ حيث أراد المسلمون ممارسة شعائرهم الدينية بِحُرية، وليس الانحناء أمام التماثيل، والرسومات النصرانية المحفورة للقديسين الكاثوليك، وليس عليهم حمل الفضلات أثناء المواكب الدينية (كما يفعل الهندوس).
 
وقد حملت حركة الماليين تاريخ 1835 في كتب التاريخ والصحف، وفي ليلة 24 و25 يناير اندلعت هذه الثورة في شوارع وموانئ عاصمة السلفادور في ولاية باهيا بين الأفارقة وأحفادهم من جهة، والجنود والشرطة البرازيلية من جهة أخرى، واستمرت الاضطرابات لمدة أسابيع في المدن الساحلية.
 
كانت حركة الماليين في البرازيل التي استمرت من عام 1831 حتى 1837 حركة متشددة تنتشر على طول الساحل وسط البرازيل، وكانت عبارة عن ثورة للزنوج المسلمين في أمريكا الجنوبية، وهي ما أثار الخوف من وجود المسلمين في هذا البلد الواقع في أمريكا الجنوبية.
 
وكانت ثورة الزنوج الأصلية قد ظهرت في البصرة جنوب العراق في القرن التاسع، والتي قام بها العبيد القادمون من شرق إفريقيا، بينما يظل القرامطة الذين يعيشون في إقليم الخليج الفارسي في شرق المملكة العربية السعودية امتدادًا لنسلهم حتى اليوم.
 
وبطريقة ما، عكست حركة الماليين في البرازيل قلق وسخط الأفارقة من محاولة فصلهم عن جذورهم الثقافية الإسلامية، وإجبارهم على الإيمان بعبادة الأوثان بدلاً من الإيمان بالله وحده، وفي عام 1831 حتى 1837، كما أشرنا أعلاه، انتشرت هذه الحركة بشكل كبير عن طريق الموانئ الساحلية في البرازيل؛ مما تسبب في نشر الخوف من المسلمين بين الطبقات العليا البرازيلية، وفي الجيش، وفي عام 1835 سُميت بحركة الماليين العظيمة؛ بسبب أن الماندنيجو من الأصول المالية استطاعوا الاحتفاظ بإسلامهم لعدة قرون في منفاهم الطويل عبر المحيط الأطلسي، وقد عارضت الحركة كل أشكال الوثنية، والنصرانية، وعبادة الصور، ولم يكن يُسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية بحرية.
 
وأما بالنسبة لعبيد الهوسا، فكانوا يحفظون القرآن عن ظهر قلب، ولكن الشرطة البرازيلية لم تمكنهم من قراءته، ولا ممارسة شعائرهم الدينية؛ واستمر الأمر في جيل أو اثنين إلى أن تم طمس تلك الشعائر، وصارت مجرد طقوس فلكلورية من ذكريات الأجداد، كما هو الحال في الولايات المتحدة؛ مما أدى إلى الرغبة في التعبير عن الاستياء، والميل إلى التمرد.
 
كما لعب الدين دورًا مركزيًّا واضحًا في هذه الانتفاضة، وأدى قمعها إلى ترحيل مئات من الأفارقة من البرازيل، إلى جانب الأعداد الكبيرة التي ذُبِحت في المعركة، أو ماتت شنقًا بعد ذلك.
 
يتبع..
 
بقلم/ دكتور تي بي إرفنج..

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢