في الشيب زجر له لو كان ينزجر
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
في الشَّيبِ زَجْرٌ لهُ، لوْ كانَ يَنزَجِرُ، | وَواعظ منهُ، لَوْلا أنّهُ حَجَرُ |
إبيَضّ ما اسوَدّ من فَوْديهِ، وَارْتجَعتْ | جَلِيّةُ الصّبحِ ما قد أغفَلَ السّحَرُ |
وَللفَتى مُهْلَةٌ، في الحبّ، وَاسعَةٌ، | ما لمْ يَمُتْ في نَوَاحي رأسهِ الشّعَرُ |
قالَتْ مَشيبٌ وَعِشْقٌ أنتَ بَيْنَهُما، | وَذاكَ في ذاكَ ذَنْبٌ ليسَ يُغتَفَرُ |
وَعَيّرَتْني سِجَالَ العُدْمِ جَاهِلَةً، | وَالنّبعُ عُرْيانُ ما في فَرْعِهِ ثَمَرُ |
وَما الفَقيرُ الذي عَيّرْتِ، آوِنَةً، | بَلِ الزّمانُ إلى الأحْرارِ مُفتَقِرُ |
عَزّى عَنِ الحَظّ أنّ العَجزَ يُدرِكُهُ، | وَهَوّنَ العُسرَ عِلمي في مَنِ اليُسُرُ |
لمْ يَبقَ، مِنْ جُلّ هذا النّاسِ، باقيةٌ | يَنَالُها الوَهْمْ، إلاّ هَذهِ الصّوَرُ |
َبخل وجَهلٌ، وَحَسبُ المَرْءِ وَاحدةٌ | مِنْ تَينِ، حتى يُعَفّى خَلفَهُ الأثَرُ |
إذا مَحَاسِنيَ اللاّتي أُدِلُّ بِهَا | كانَتْ ذُنُوبي فقُلْ لي كَيفَ أعتَذرُ |
أهُزُّ بالشَعرِ أقْوَاماً ذَوي وَسَنٍ | في الجَهلِ لوْ ضُرِبوا بالسّيفِ ما شعرُوا |
عَليّ نَحْتُ القَوَافي مِنْ مَقَاطِعِها، | وَمَا عَليّ لَهُم أنْ تَفهَمَ البَقَرُ |
لأرْحَلَنّ، وَآمِالي مُطَرَّحَةٌ، | بِسُرّ مَنْ رَاءُ مُستَبطاً لها القَدَرُ |
أبَعْدَ عشرِينَ شَهراً لا جَداً فيُرَى | بهِ انصِرَافٌ، وَلا وَعدٌ، فيُنتَظَرُ |
لَوْلا عَليّ بنُ مُرٍّ لاسْتَمَرّ بِنَا | خَلفٌ من العيشِ فيهِ الصّابُ وَالصَّبِرُ |
عُذْنا بأرْوَعَ، أقصَى نَيلِهِ كَثَبٌ، | على العُفَاةِ، وَأدْنَى سَعيِهِ سَفَرُ |
ألَحّ جُوداً، وَلم تَضرُرْ سَحائبُهُ، | وَرُبّما ضَرّ في إلحَاحِهِ المَطَرُ |
لا يُتْعِبُ النّائِلُ المَبذولُ هِمّتَهُ، | وَكَيفَ يُتْعِبُ عَينَ النّاظرِ النّظرُ |
بَدَتْ عَلى البَدْوِ نُعْمَى منهُ سابِغَةٌ | وَفْرَاءُ، يُحضِرُ أُخرى مثلَها الحَضَرُ |
مَوَاهبٌ، ما تجَشّمْنا السّؤالَ لهَا، | إنّ الغَمامَ قَليبٌ لَيسَ يُحتَفَرُ |
يُهابُ فينا، وَما في لحظِهِ شَرَرٌ، | وَسْطَ النّديّ، وَلا في خدّهِ صعَرُ |
بَرْدُ الحَشَا، وَهَجيرُ الرّوْعِ محْتفِلٌ، | وَمِسعَرٌ، وَشِهابُ الحرْبِ مُستَعِرُ |
إذا ارْتَقَى في أعالي الرّأيِ لاحَ لَهُ | ما في الغيوبِ التي تخفى، فَتَستَتِرُ |
تَوَسَّطَ الدّهْرَ أحْوالاً، فَلا صِغَرٌ | عنِ الخُطوبِ التي تَعرُو، وَلا كِبَرُ |
كالرّمْحِ أذْرُعُهُ عَشْرٌ وَوَاحِدَةٌ، | فلَيسَ يُزْرِي به طولٌ ولا قِصَرُ |
مُجَرَّبٌ طالماَ ما أشجَتْ عَزَائِمُهُ | ذَوي الحِجى وَهوَ غِرٌّ بَيْنَهُمْ غَمَرُ |
آراؤهُ اليَوْمَ أسْيافٌ مُهَنَّدَةٌ، | وكانَ كالسّيفِ إذْ آراؤه زبُرُ |
ومصعد في هضاب المجد يطلعها | كأنه لسكون الجأش منحدر |
ما زَالَ يَسبُقُ، حتّى قال حاسدة | له مختصر الى العلياء طريق |
حلو صميت متى تجن الرضا خلقاً | مِنْهُ، وَمُرٌّ إذا أحْفَظْتَهُ مَقِرُ |
نَهَيْتُ حُسّادَهُ عَنهُ، وَقلتُ لهمْ: | ألسّيلُ باللّيلِ لا يُبقي، وَلا يَذَرُ |
كُفّوا وَإلاّ كُفِفتمْ مُضْمرِي أسَفٍ، | إذا تَنَمّرَ، في إقْدامِهِ، النّمِرُ |
ألْوَى، إذا شابَكَ الأعداءَ كَدَّهُمُ | حتى يَرُوحَ وَفي أظْفَارِهِ الظَّفَرُ |
واللوم أن تدخلوا في حد سخطته | علماً بأن سوف يعفو حين يقتدر |
جافَى المَضَاجعَ ما يَنفَكُّ مِن لَجبٍ، | يَكَادُ يُقْمِرُ مِنْ لألائهِ القَمَرُ |
إذا خُطامَةُ سَارَتْ فيهِ آخِذَةً | خُطامَ نبهانَ، وَهيَ الشّوْكُ والشّجَرُ |
رَأيْتَ مَجْداً عِيَاناً في بَني أُدَدٍ، | إذْ مَجْدُ كلّ قَبيلٍ دونَهمْ خَبَرُ |
أحسِنْ أبا حَسَنٍ بالشّعرِ، إذْ جُعلتْ | عَلَيكَ أنْجُمُهُ، بالمَدْحِ، تَنتثرُ |
فيها العَقائِقُ والعِقيانُ، إنْ لُبسَتْ | يوْمَ التّباهي، وفيها الوَشيُ وَالحِبَرُ |
وَمَنْ يكُنْ فاخراً بالشّعرِ يُمدَحُ في | أضْعافِهِ، فَبِكَ الأشعارُ تُفْتَخَرُ |