بأي أسى تثنى الدموع الهوامل
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
بأيّ أسًى تُثْنَى الدّمُوعُ الهَوَامِلُ، | وَيُرْجَى زِيَالٌ مِنْ جَوًى لا يُزَايِلُ |
دَعِ المَوْتَ يَغْتَلْ مَنْ أرَادَ، فإنّهُ | ثوَى اليوْمَ من تُخشَى علَيهِ الغَوَائلُ |
وَلمْ يَبقَ مَرْهُوبٌ تُخافُ شَذاتُهُ، | وَلا مُفضِلٌ تُرْجَى لَدَيْهِ الفَوَاضِلُ |
إذا عَاجِلُ الدّنْيَا ألَمّ بِمُفْرِحٍ، | فمِنْ خَلفِهِ فَجعٌ، سيَتلوهُ آجلُ |
وَكانَتْ حَياةُ الحَيّ سُوقاً إلى الرّدى، | وَأيّامُهُ، دونَ المَمَاتِ، مَرَاحِلُ |
وَما لَبْثُ مَنْ يَغدو، وَفي كلّ لحظةٍ | لَهُ أجَلٌ، في مُدّةِ العمرِ، قاتِلُ |
وَللمَرْءِ يَوْمٌ، لا مَحَالَةَ، مَا لَهُ | غَدٌ، وَسطَ عامٍ ما لهُ، الدّهرَ، قابلُ |
كَفَانَا اعْتِرَافاً بالفَنَاءِ وَرِقْبَةً | لمَكْرُوهِهِ، أنْ لَيسَ للخُلدِ آمِلُ |
سَلا خِفْيَةً عَن صَاحبِ الجَيشِ إنّه | أقَامَ بظَهْرِ الَكْرخِِ، وَالجَيشُ رَاحِلُ |
أعاقَتْهُ عَن ذاكَ العَوَائقُ، أمْ عدتْ | علَيهِ العِدى، أمْ أعلَقَتهُ الحَبائلُ؟ |
فكَمْ جَرَزٍ من أرْضِ جَرْزَانَ، فاتَها | تَتابُعُ سَحٍّ مِنْ يَدَيْهِ، وَوَابِلُ |
تَفَرّغَتِ الأعْداءُ مِنْهُ، وَرُبّما | غَدا وَهوَ شُغلٌ للمُعادينَ، شاغلُ |
لَئِنْ زُلزِلَ الثّغْرَانِ، عندَ ذهابِهِ، | لقَد سكَنَتْ، بالنّاطَلوقِ، الزّلازِلُ |
فَلا ظَفِرَتْ تِلكَ الغَزَاةُ بمَغنَمٍ، | وَلا قَفَلَتْ، بالنُّجحِ، تلكَ القَوَافِلُ |
عَجِبْتُ لهَذا الدّهرِ أفْنَى مُحَمّداً، | وَكانَ الذي يَسطو بهِ، وَيُصَاوِلُ |
مَضَى، فمَضَى مَجدٌ تَليدٌ وَسُؤددٌ، | وَأوْدَى فأوْدَى منهُ بأسٌ وَنَائِلُ |
وَكانَ سِرَاجَ الأرْضِ، فالأرْضُ مظلمٌ | قُرَاها، وَحَليَ الدّهرِ، فالدّهرُ عاطلُ |
ستَبكيهِ عَينٌ لا ترَى الجُودَ بَعدَهُ، | إذا فاضَ منها هامِلٌ عَادَ هَامِلُ |
وَتَعلَمُ جُرْدُ الخَيلِ أن ليسَ رَاكبٌ | سِوَاهُ، وَسُمرُ الخَطّ أن ليسَ حامِلُ |
فتًى كانَ يأبَى قَدْرُهُ أن يُرَى لَهُ | نَظيرٌ مُسَاوٍ، أوْ شَبيهٌ مُشَاكِلُ |
فتًى أقفَرَتْ منهُ المَعالي، وَلمْ تكُنْ | لتُقْفِرَ مِمّنْ بَانَ، إلاّ المَنَازِلُ |
وَثَاوٍ، بَكَتْهُ المَكْرُمَاتُ، وَإنّما | تُبَكّي على الثّاوِي النّساءُ الثّوَاكِلُ |
سَقَى الله قَبْراً لَوْ يَشَاءُ تُرَابُهُ، | إذاً سُقِيَتْ مِنْهُ الغُيُومُُ الهَوَاطِلُ |
نَأى رَبُّهُ عَنَّا، وَأعرَضَ دونَهُ، | على كُرْهِنا، عَرْضُ الثّرَى وَالجَنادِلُ |
حيا الأرْضِ ألقتْ فوْقَهُ الأرْضُ ثِقلَها، | وَهَوْلُ الأعادي حَوْلَهُ التُّرْبُ هائلُ |
أمَا، وَأبي كَهْلانَ، يَوْمَ مُصَابِهِ، | لَقَدْ أُثْقِلَتْ بالرُّزْءِ منها الكَوَاهلُ |
رَأوْا شَمسَهُمْ في يوْمهمْ، وَهيَ ظُلمة، | وَبَدْرَهُمُ في لَيلِهمْ، وَهوَ آفِلُ |
فَشامُوا سُيُوفاً، ما لَهُنّ مَضَارِبٌ، | وَألْفَوْا رِمَاحاً، ما لَهُنّ عَوَامِلُ |
فقَدْناكَ فِقدانَ الحَياةِ، وَأقبَلَتْ | تُلاحِظُنا، خَزْراً إلَينا، القَبائِلُ |
وَلوْلا ابنُكَ المَرْجوُّ فينا لأصْبَحَتْ | أعَالي الرُّبَى مِنها، وَهُنّ أسَافِلُ |
رَدَدْنا إلَيْهِ الأمْرَ طَوْعاً، وَلمْ نَقلْ | لَهُ في الذي يأتيهِ: مَا أنتَ فَاعِلُ |
بهِ جُمعَ الشّملُ الشّتيتُ، وَفُرّقَتْ | عَباديدَ في القَوْمِ، اللُّهَى وَالنّوَافلُ |
تَخَطّى إلَيهِ الرُّزْءُ مِنْ كلّ وِجهَةٍ | حَرِيمَ نَدًى لا تَخْتَطيهِ العَوَاذِلُ |
وَمَن يرَ جَدوَى يُوسُفَ بنِ محَمّدٍ | يرَ البَحرَ، لمْ يَجمَعْ نَواجيهِ ساحلُ |
أغَرُّ، إذا عُدّتْ مَناقبُ فِعْلِهِ، | تَوَهّمْتَ أنّ الحَقّ مِنْهُنّ بَاطِلُ |
إذا مَا نَحَا مِنْ مَجلِسِ المُلكِ رُتبةً، | تحَلحَلَ عَنْهَا الأحوَذيُّ الحُلاحلُ |
تَطَاطَا الخُدودُ الزُّورُ تحتَ سُكوتِهِ، | وَتَنْتَظِرُ الأسْمَاعُ مَا هُوَ قَائِلُ |
وَكَانَ وَرَاءَ المَدْحِ، إذْ هوَ زَائدُ الـ | ـيَدينِ، فكَيفَ الآنَ إذْ هوَ كامِلُ |
وَقد حُقّقَتْ فيهِ الظّنونُ وَصُدّقَتْ | على ما حَكَتْ منْ قَبلُ فيهِ الدّلائِلُ |
وَلا عَجَبٌ، إنْ رَجّمَ الغَيبَ عالِمٌ، | فقَبلَ الغُيوثِ ما تكونُ المَخايِلُ |
وَإنْ جَاءَنَا يَحْكي أباهُ، فلَم تَزَل | لَهُ مِنْ أبيهِ شِيمَةٌ وَشَمَائِلُ |
هُما شَرَعٌ في المَكرُماتِ، فَهَذِهِ | أوَاخِرُ أخْلاقٍ، وَتِلْكَ أوَائِلُ |