يا حاملَ الكأس ناوِلْني مُشَعشَعة ً
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
يا حاملَ الكأس ناوِلْني مُشَعشَعة ً | لم تقرِ همّاً ولا بخلاً بواديها |
أحسرْ بها غيهبَ الأحوانِ عن فكرى | فكم ليالٍ بها زيّدتْ واريها |
لم أدرِ لمّا امتطَتْها كفُّ حاملها | أحلَّتِ الكأسَ أم خَدَّيْ مُعاطيها |
وعائبٍ لمشيبي وهْوَ لابِسُهُ | ولم يَعِبْ حُلَّة ً في النّاسِ كاسِيها |
لم يدرِ أنَّ مشيبَ الرّأسِ من فِكَري | لم يَسْرِ رَكْبُ مشيبٍ في نواحيها |
أليس ينقص يوماً فى ذراً لهمُ | ماءُ الشّباب غزيرٌ فى عزاليها ؟ |
وما الفناءُ بموقوفٍ على حدثٍ | والنّابُ في الذُّوْدِ أغْنَى من حَواشيها |
وعاذلٍ من صنيعٍ قد تدرّعه | وليس يَشْفي منَ الأمراضِ شاكيها |
طويتُ كشحى َّ عنه ثمّ قلتُ له : | ما العيشُ إنْ جَنَحَتْ نفسي لِلاحيها |
دَعْني أنَلْ من زماني بعضَ لَذَّتِهِ | فقد وثقتُ بأنّ الدّهرَ يفريها |
وكيفَ آنسُ بالدُّنيا ولستُ أرى | إلاّ امرءاً قد تعرَّى مِن عَواريها؟ |
كأنّها غصّة ٌ حلّتْ بمبلعها | أوْ كالقَذاة ِ أقامتْ في مآقيها |
" نصبوا " إليها بآمالٍ مخيّبة ٍ | كأنّنا ما نرى عقبى أمانيها |
فى وحشة ِ الدّار ممّنْ كان يسكنها | كلُّ اعتبارٍ لمن قد ظلّ يأويها |
لا تكذِبنَّ فما قلبي لها وطنٌ | وقد رأيتُ طلولاً من مغانيها |
كم قد ركبتُ إلى العلياءِ ظهرَ فَلاً | تضلُّ فيه قَطاة ٌ عن مَجاثيها |
وقفرة ٍ تُنكرُ الأنْسُ الوحوشَ بها | ولايُرجِّي ورودَ الماءِ صاديها |
إذا تراختْ ركابى عن مهامها | ركبتُ فيها اعتزاماً لا يباليها |
هانتْ على َّ مخوفاتُ الخطوبِ فما | أَثْني يمينيَ عن قُصْوَى مَراقيها |
كأنّما قد نعى الدّنيا مخلّدها | أوْ في يديَّ أمانٌ من لياليها |
" ومنْ تكنْ " نفسهُ لم يملها جزعٌ | فزجرُ مُهْرِك في الهيجاءِ ماليها |
وإنْ تكنْ لم تَذَرْ كُثْرَ الأنامِ لها | قُلاًّ فشِلْوُ هَزيلِ الجَنْبِ كافيها |
نفسي تنازعُني حالاً يضيقُ لها | عَرضُ البلادِ فمن لي مِن تَقاضيها؟ |
لقد دَعَتْ سامعاً لم تَكْدَ دعوتُهُ | وطالبتْ بعظيمٍ مَنْ يُؤاتيها؟ |
أقْلِلْ لديَّ بأنباءِ الزَّمانِ فما | أهابُ نفسي لأنّي لا أُرَجِّيها |
لا تجتنِ العزَّ إلاّ من حدائقهِ | فكم رياضٍ عراضٍ خاب جانيها |
ما عزّ من ذلَّ فى تطلابِ عزّتهِ | مجاوِرُ النّارِ من قُرٍّ كصاليها |
إنَّ المعالى َ لا تعطيك صهوتها | وما سعتْ لك رجلٌ فى مساعيها |
لم تَنتَهِزْ مادَنا من فرعِ دَوِحتِها | فكيفَ تَسمو إلى مافي أقاصيها؟ |