ماذا على الرِّيمِ لوَحيّا فأحيانا
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
ماذا على الرِّيمِ لوَحيّا فأحيانا | وقد مررنا على عُسفانَ رُكبانا؟ |
ولَيتَهُ إذْ تَحامَى أن يُنَوِّلَنا | لم يستردّ الذى قد كان أعطانا |
بل ليتَ ما طلنا بخلاً ومانعنا | يوماً تشبَّهَ بالمُعطي فمنّانا |
لا يستفيق بجازينا بلا ترة ٍ | بالوصلِ هجراً وبالإعطاءِ حرمانا |
وكيف يأبى مواعيداً تعلّلنا | مَن كان يوسِعُنا مَطْلاً وليّانا؟ |
عُجنا إليه صدروَ اليَعْمَلاتِ وقدْ | نضا الصّباحُ ثيابَ اللّيلِ عُريانا |
والرَّكبُ بينَ صريعٍ بالكرَى ثَمِلٍ | ومائلِ الرّأسِ حتّى خِيلَ نَشْوانا |
محلِّقِينَ تَهادَوْا في رحالِهمُ | من بطن مكّة َ أفراداً وأقرانا |
حلّوا حقائبهمْ فيها مفرّغة ً | واسْتَحقبوا من عطاءِ اللَّه غُفرانا |
من بعدما طوّفوا بالبيتِ واعتمروا | "واستلموا" منه أحجاراً وأركانا |
وردَّدوا السَّعْيَ بينَ المَرْوَتين تُقى ً | حيناً عجالاً وفوق الرّيثِ أحيانا |
وعقّروا منًى من بعد حلقهمُ | كومَ المطى ِّ مسنّاتٍ "وثنيانا" |
واستمطروا بعراصِ الموقفين وقد | غامتْ عليهمْ سماءُ الله رضوانا |
أرضٌ تراها طوالَ الدّهرِ مقفرة ً | والحجُّ يُنبِتُها شيباً وشبّانا |
"مسلّبينَ" كأنَ البعثَ أعجلهمْ | فاستصحبوا من بطونِ الأرضِ أكفانا |
للَّهِ دَرُّ اللّيالي في مِنى ً سَلَفَتْ | فكم جميلٍ بها الرَّحمانُ أولانا |
خِلنا منازلَنا منها وقد نَزَعَتْ | كلَّ النُّزوع عن الأوطان أوطانا |
والقاطنين بها والشّعبُ مفترقٌ | فينا وفيهم لنا أهلاً وإخوانا |
وبالمحصَّبِ ظَبْيٌ سلَّ مِعْصَمَهُ | يرمى الجمارَ فأخطاها وأصمانا |
أهدتْ إلينا وما تدرى ملاحتهُ | للعين بَرْداً وللأحشاءِ نيرانا |
وسائلٍ عن طريقِ الحجّ قلتُ له: | لايقبلُ اللَّهُ إلاّ الصَّعْبَ قُربانا |
فهْوَ الطّريقُ إلى سكْنَى الجِنان فقلْ | فيما يُصيِّرنا في الخُلدِ سَكّاناً |
لمّا ركبناهُ أخرَجْنا على شَغَفٍ | من الصّدور أهالينا ودنيانا |
ثمّ استوى فيه فى امنٍ وفى حذرٍ | عدلاً من الله أدنانا وأقصانا |
فكم لقينا عظيماً مرَّ جانبنا | وكم مُنِينا بمكروهٍ تخطّانا |
وكم رمانا الرَّدى عن قوسِ مَعْطَبَة ٍ | فصدَّه اللَّهُ أن يُصمي فأشوانا |
وكم طلبنا مراماً عزّ مطلبهُ | لمّا انثنينا بيأسٍ عنه واتانا |
ومُشْمخرِّ الذُّرا تَهْفو الوُعولُ به | تخاله من تمامِ الخلقِ بنيانا |
يستحسرُ الطّرفَ عن إدراك ذُرْوَتِهِ | حتى يكرَّ إلى راميهِ حيرانا |
جُبْناهُ لانهتدي إِلاّ بسارية ٍ | من أنجمِ اللّيلِ مسراها كمسرانا |
نَنْجو سِراعاً كأنّ البُعدَ غلَّ لنا | أوِ امتطينا بذاك الدَّوِّ ظُلْمانا |
إذا دنا الفجرُ منّا قال قائلنا | يابعدَ مصبحنا من حيثُ ممسانا |
والعيسُ طاوية ُ الأحشاء ضامرة ٌ | لولا الرِّحالُ لخلناهنَّ أشطانا |
إذا أتتْ بلداً عن غِبِّ مَتْلَفَة ٍ | رمى بها البلدُ المأتى ُّ بلدانا |
تَهوي بشُعْبٍ شَرَوْا بالأجر أنفسَهمْ | وقلَّ ما أخذوا عنهنَّ أثمانا |
لمّا دعوا من نواحى مكّة َ "ابتدروا" | ظهرَ الرَّكائب إيماناً وإيقانا |
يا أرضَ نجدٍ سقاكِ اللَّهُ مُنبعقاً | منَ الغمامِ غزيرَ الماءِ ملآنا |
إذا تضاحكَ منه البرقُ مُلْتَمِعاً | في حافَتَيْهِ أَرَنَّ الرَّعدُ إرْنانا |
أرضٌ ترى وحشها الآرامَ مطفلة ً | وفى منابتها القيصومَ والبانا |
وإنْ تُجِلْ في ثراها طَرْفَ مُختبرٍ | لا تلقَ إلاّ حديقاتٍ وغدرانا |
ذكرتُ فيها أعاصيرَ الصّبا طرباً | واستأنفتْ لى َ فى الّلذاتِ ريعانا |
أيّامَ لم تُمِلِ الأيّامُ من غُصُني | ولم يطرْ عن شواتى الشّيبُ غربانا |
أيّامَ ترمي الغواني إنْ خَطَرْتُ وإنْ | نطقتُ نحويَ أحداقاً وآذانا |
أيّامَ لم تُلْفِني إلاّ على كَثَبٍ | من موعدٍ أتقاضاه إذا حانا |
أيّامَ كان مكانى للصّبا وطناً | وكان عَصريَ للّذّاتِ إبّانا |
أمّا ابنُ حمدٍ فقد أوفى بذمّتهِ | لمّا اصطحَبْنا ولكنْ خان مَن خانا |
وما تغيّر لى والقومُ إنْ جهدوا | حالوا وإنْ كرموا فى النّاس ألوانا |
ولا قذيتُ بعوراءٍ له مرقتْ | سرّاً ودافعَ عنها النّاسُ إعلانا |
ولا تكرّر طرفى فى خلائقهِ | إلاّ انثنَى غانماً حُسناً وإحسانا |
أَظْما فيوردني من عذبِ منطقِهِ | راحاً ومن نفحاتٍ منه ريحانا |
كأنَّني منه في خضراءَ أوسَعَها | نَوْءُ السِّماكين تَهْطالاً وتَهْتانا |