شطتْ عليك لبانة ُ الصدرِ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
شطتْ عليك لبانة ُ الصدرِ | وحُرِمتَها من حيثُ لاتدري |
وطلبتُ عُذراً للزَّمان فلمْ | نعرفْ له شيئاً منَ العذرِ |
و فجعتَ في ظلماءِ داجية ٍ | بالنَّيِّراتِ معاً وبالفجرِ |
و مضى الذي طمس الحمامُ به | وضحَ الصباح وغرة َ البدرِ |
و طوى الردى رغماً لآنفنا | كلَّ المحاسن منه في القبرِ |
فكأننا من بعد مصرعه | سفرٌ بلا زادٍ ولا ظهرِ |
أو مُرهَقون بكلِّ بائقة ٍ | غلبوا وقد جهدوا على الصبرِ |
هيمٌ يماطلها الورودُ وقد | بَعُدَ المدى عَشراً إلى عَشرِ |
من ذا لمرغبة ٍ ومرهبة ٍ | فينا ومَن للنَّهْي والأمرِ؟ |
و مروعٍ شرد الحذارُ به | ملآنَ من خوفٍ ومن ذُعْرِ |
و مكارمٍ تدعُ الزمان بلا | شيءٍ من الإملاقِ والفقرِ |
أُثْني عليكَ بما صنعتَ وكمْ | فاتَ الصَّنيعُ مواقعَ الشُّكرِ |
وأكفُّ غَرْبَ الدمعِ مُصطبراً | لو كانَ دمعٌ كُفَّ لا يجري |
أنتَ الذي لم ترض في شرفٍ | إلاَّ بغرَّ عقائلِ الفخرِ |
و محوتَ محوَ الطرسِ عن زمنٍ | أصبحتَ فيه مجاثمَ العسرِ |
وجعلتَ مُعدِمَه كواجدهِ | و مقله بالفضلِ كالمثرى |
من معشرٍ لم يَرتضوا وَطَراً | في العزَّ إلاَّ قمة َ النسرِ |
وإذا دعوتَهُمُ لنازلة ٍ | حَشدوا عليك بقُرَّحٍ ضُمْرِ |
وبكلِّ مُلتهبِ العزيمة ِ في الـ | ـبأساءِ صبّارٍ على الضُّرِ |
لم يَمْتطوا كَتَدَ المعابِ ولا | عقدوا مآزهم على وزرِ |
و إذا علا لهبُ الجمال بهمْ | " وهبوا رواءَ الحسن للبدر " |
يعطون في الإعسار من كرمٍ | مثل الذي بعطون في اليسرِ |
و هابُ مشبعة ٍ لمسغبة ٍ | غازونَ ظلاَّمون للجُزْرِ |
فترى على حُسّادِ نِعمتِهمْ | يتلاحظون بأعينٍ شُزْرِ |
يا صاحبيَّ على طماعية ٍ | في العيش تُركبنا قرا وعرِ |
لاتَحسبا في الدّار عَدْوَتَهُ | إنَّ الرَّدَى أَعدى منَ العُرِّ |
هي عادة ٌ للدهر واحدة ٌ | فاصبرْ لمُرِّ عوائدِ الدَّهرِ |
بَقَّى الذي يبقى ويرجع في | كل الذي أولى من البرِّ |
إن كان سرَّ فقد أساءَ شَجى ً | أو كان راشَ فإنّه يَبري |
سَوَّى الرَّدى بينَ المُطاحِ على | طرق الردى ومشيد القصرِ |
يامَن يُقيلُ عِثارَ أرحُلِنا | كيفَ استجبتَ لزلَّة العَثْرِ |
ألاَّ دَفعتَ وقد دُفعتَ إلى | وردِ المنون بمالك الأثرِ ! |
و بأذرعٍ تهوى بمصلتة ٍ | بيضٍ وطائشة ِ الخطا سمرِ |
أوَلستَ ولاَّجاً على حَذِرٍ | تكفيهِ خرّاجاً منَ القهرِ |
هيهاتَ ليس لمن يُطيفُ به | جيشُ المنيَّة ِ عنهُ مِن فَرِّ |
ما لي أراك بدار مضيعة ٍ | تَسري الرِّفاقُ وأنتَ لاتَسْري |
في هوة ٍ ظلماءَ بين هوى ً | سدتْ مطالعهنَّ بالصخرِ |
وكأنَّما سُقِّيتَ مُنعَقِراً | لاتَستفيقُ سُلافة َ الخمرِ |
زودتني ومضيتَ مبتدراً | حزَّ المُدَى ولواذعَ الجمرِ |
وتركتني والدَّهرُ ذو دُوَلٍ | أعشَى اللّحاظَ مُقلَّمَ الظُّفْرِ |
أَرمي فلا أَصمي، فإنْ رُمِيَتْ | جِهتي رُميتُ معرِّضاً نَحري |
و أصدُّ عن لقيا العدوَّ وهل | ألقى العدوّ ولستَ في ظهري ؟ |
وإذا مضَى مَن كان يعْضدُني | ويشدُّ يومَ كريهة ٍ أَزْري |
و يردّ عني كلَّ طارقة ٍ | و يخوض كلَّ ردى إلى نصري |
فالخطُّ لي أنْ لا أهيجَ وغيً | حتى أكون مسالماً دهري |
كيف اللقاءُ وأنت رهنُ بلي | لا يرتجى إلاَّ مع الحشرِ ؟ |
هجرٌ ولكن ليس يُشبِهُهُ | شيءٌ من الإعراضِ والهجرِ |
و قطيعة ٍ ما كنتُ أحذرها | إلاَّ عليك فلم يُفِدْ حِذْري |
لا متعة ٌ لي في الحياة فما | أحياهُ بعدَك ليس مِن عمري |
إنْ لم يكنْ كُلِّي عليك قضَى | لما قضيتَ فقد قضى شطري |
فاذهبْ كما ذهب الغمام فقدْ | ملأ المذانِبَ منه بالقَطْرِ |
وخلوتَ من عيني بغيرِ رضاً | مني ولما تخلُ من سرى |
مازلتُ أكتمُ منك شاجية ً | و بلابلاً صماً عن الزجرِ |
و أجلهُ عن أن أبوح به | في نظمِ قافية ٍ من الشعر |
حتى انقضى صبري وجاش كما | جاش الهدير يهده صدري |