ما صيدَ قلبك إلاّ بابنة ِ الكللِ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
ما صيدَ قلبك إلاّ بابنة ِ الكللِ | وكم نَجا النَّبلَ مَن لم ينجُ من مُقَلِ |
دعتْ هواى إليها فاستجاب لها | غنيّة ٌ عن سوادِ الكحلِ بالكحلِ |
بيضاءُ تفضحُ صبحَ اللّيلِ إنْ نشرتْ | ذُؤابة ً في فروعِ الفاحمِ الرَّجلِ |
ولو رأتْ وجهَها شمسُ النَّهارِ وقدْ | ألْقَتْ معاجرُها غابتْ منَ الخَجلِ |
ولم يطرْ بى َ لولا حبّها غزلٌ | فساقنى حسنها كرهاً إلى الغزلِ |
فلو رآها عذولٌ تاب معتذراً | من أنْ يعودَ إلى شيءٍ منَ العَذَلِ |
مرَّتْ بنا وفؤادي لي فما بَرحتْ | حتّى كأنّ فؤادى قطُّ لم يكُ لى |
وزارنى طيفها وهناً فأوهمنى | زيارة ً كنتُ أرجوها فلم أَنَلِ |
هي الزِّيارة ُ معسولاً تطعُّمُها | وليس فيها لنا شيءٌ منَ العَسَلِ |
لو كان طيفك أولانا زيارته | على الحقيقة ِ ما ولّى على عجلِ |
عطيّة ُ النّومِ منعٌ لا انتفاعَ بها | للعاشقين ، وجودُ الطّيف كالبخلِ |
فكيف جئتِ إلينا غيرَ سائرة ٍ | على جوادٍ ولا حِدْجٍ على جَملِ؟ |
وكيف لم تُوقظي صحبي وقد هَجعُوا | برنّة ِ الحلى ِ أو من "فغمة ِ" الحللِ ؟ |
قد قلتُ للرّكب حثّوا كلَّ سلهبة ٍ | جَرْداءَ أو جَسْرَة ٍ من أينُقٍ بُزُلِ |
فى مهمهٍ لا ترى فيه لناجية ٍ | في ظهرها الكُورُ غيرَ الشدِّ والرَّحَلِ |
حطّوا بعقوة ِ ركنِ الدّين وابتهجوا | بالمنهلِ العذبِ أوفى المنبتِ الخضلِ |
حيثُ الملوكُ ملوكُ الأرض خاشعة ٌ | لمالك الأرضِ والأعناقِ والدُّوَلِ |
وجانبٌ تنهبُ الأموالُ فيه فما | يرضَى لمن أمَّلَ الأموالَ بالأملِ |
ومطرحٌ ليس فيه للملامِ يدٌ | ولا مُعابٌ لتفصيلٍ ولا جُمَلِ |
ما فيه إلاّ صريحٌ أو علانية ٌ | بالاتفّاقِ ولا صلحٌ على دخلِ |
كم موقفٍ ثمَّ فيه ليسَ مُحتِكمٌ | غيرَ الصّوارمِ والخطيّة ِ الذبلِ |
حيثُ النَّجاءُ مَروقٌ كفُّ طالبهِ | وموقدُ الحربِ يرمى القومَ بالشّعلِ |
شهدتَه بجنَانٍ ما ألَمَّ بهِ | ذعرٌ ولا مسّه مسٌّ من الوجلِ |
ثَبْتُ المقامة ِ في دحضٍ مزالقُهُ | لو زالتِ الصّمُّ يوماً عنه لم يزلِ |
وأنتَ في ظهرِ ملطومٍ بغرَّتهِ | كأنَّه شِدَّة ً قَدْ قُدَّ مِن جَبَلِ |
لا يعرف الطّيشَ فى سلمٍ وممتلئاً | في ساعة ِ الرَّوع ممّا شئتَ من خَبَلِ |
محكّكٌ فيه أنّى شاء فارسه | للرَّيثِ إنْ رامَه طَوراً وللعَجَلِ |
فقل لمن شكّ جهلاً فى شجاعته | وإنّه قانصٌ نفسَ الفتى البطلِ : |
من أين تحكم إلاّ فى يديه ظباً | يوم الكريهة فى الأجسام والقللِ ؟ |
أو من سواه تروّى فتقَ طعنته | نحرَ المدجَّجِ ظمآناً منَ الأَسَل؟ |
مَن عالجَ الملكَ لولاهُ وقد طرأتْ | على ضواحيه صعباتٌ من العللِ ؟ |
مَن راشَهُ بعد أنْ حُصَّتْ قَوادِمُهُ | من صانه وهو فى أظفارِ مبتذلِ ؟ |
مَن ذبَّ عنه ببيضٍ ما عَرفْنَ وقد | سللن فى نصره عوداً إلى الخللِ ؟ |
من ردّ عنه نيوباً للخطوب وقد | هفون بالرّأى أو برّحن بالحيلِ ؟ |
من كفّ أيدى َ أقوامٍ به عبثوا | وردّهنّ بما يكرهن من شللِ ؟ |
لا تَحسبنِّي كأقوامٍ خبرتَهمُ | قيدوا بأرشية ِ النّعماءِ والنّفلِ |
بلا قرارٍ على دارٍ يحلّ بها | ولا مقامٍ على شىء ٍ من السّبلِ |
فإنّنى لك صافٍ غيرُ ذى كدرٍ | وواردٌ منك عِداً غيرَ ذي وَشَل |
وإنْ تبدَّلَ قومٌ عنك وانتقلوا | فليس لي منكَ عُمْرَ الدَّهرِ من بَدَلِ |
وإنْ يحولوا ويضحوا غيرَ من عهدوا | فإنّنى لم يزلْ ودّى ولم يحلِ |
وإنْ يملّوا وما ملَّ الجميلُ بهمْ | فإنّنى معتقٌ من ربقة ِ المللِ |
خوَّلتني منك إكراماً يُخَيَّلُ لي | أنَّ الأنامَ لما خوَّلتني خَوَلي |
وما جذلتُ لشىء ٍ فى الزّمان وقدْ | أسحبتني باجتبائي حُلَّة َ الجَذَلِ |
فإنْ وردتُ زلالاً غبَّ معطشبة ٍ | ففى ولائك علّى اليومَ أو نهلى |
ومذْ وصلتُك دونَ النّاس كلِّهِم | فقد قطعتُ على خبرٍ بهمْ وصلى |
ومذْ جعلتُ لظهري منك مستَنَداً | غَنِيتُ عن أَكَمِ القِيعانِ بالجبلِ |
فاسعدْ بذا العيدِ وليمضِ الصِّيامُ فقد | أَثنى عليكَ بخيرِ القولِ والعملِ |
يمضى بلا هفوة ٍ فى عرضه مرقتْ | ولا عثارٍ ولا شيءٍ منَ الزَّلَلِ |
وعشْ موقّى خطوبَ الدّهرِ محتمياً | عمادُ عزّك عن ثلمٍ وعن ميلِ |
وثوبُ فخرك لا يطوى على شعثٍ | وشمسُ ملكك لا تُدنَى إلى طَفَلِ |