رأيتُ فلم أرَ فيما رأيتُ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
رأيتُ فلم أرَ فيما رأيتُ | مُصاباً كيومِ ردَى الأوحدِ |
و عودني الرزءَ مرُّ الزمانِ | و مثلُ الذي حلّ لم أعتدِ |
وفارقني بَغْتة ً مثلما | يفارق مقبض سيفي يدي |
على حينَ دانَتْ له الآبِياتُ | وقادَ القُرومَ ولم يُقتَدِ |
و قد كنتُ أحسب أنّ الحمامَ | بعيدٌ عليه فلم يبعدِ |
و ما كان إلاّ كقولِ العجولِ | لمن قام وسطَ الندى أقعدِ |
وساعدني في بكائي عليـ | كلُّ بعيد الأسى أصيدِ |
تلين القلوبُ وفي صدره | أصمُّ الجوانبِ كالجلمدِ |
و كم ذا رأينا عيوناً بكينَ | عند الرزايا بلا مسعدِ |
جرَيْنَ فألحقنَ عندَ الدُّموعِ | |
وأعيَتْ محاسُنه أنْ تُنالَ | فإنْ حَسدَ القومُ لم يَحْسُدِ |
وكم قعدَ القومُ بعدَ القيامِ | ومذْ قامَ بالفضلِ لم يُقعدِ |
وماتَ وغادَرَه جُودُه | خليَّ اليدين من العسجدِ |
و لم يدخرْ غيرَ عزَّ الرجال | وعزٍّ يبينُ معَ الفرقَدِ |
وغيرَ ضِرابٍ يقطُّ الرؤوسَ | إذا خَمَدَ الجمرُ لم يَخمُدِ |
و طعنٍ يمزق أهبَ النحورِ | كمَعْمَعَة ِ النّارِ بالفَرْقَدِ |
وكم قد شهدناه يومَ الوغى | و بيضُ النصولِ بلا أغمدِ |
يَشُلُّ الكُماة َ بصدرِ القناة ِ | شلكَ للنعمِ الشردِ |
وتهديهِ في الظُّلماتِ السُّيوفُ | و كم ضلَّ في الروعِ من مهتدِ |
فتى ً في المشيبِ وما كلُّ منْ | حَوى الفضلَ في الشَّعَرِ الأسودِ |
فيا لوعتي فيهِ لا تَقْصُري | ويا دمعتي فيهِ لا تجمُدي |
و يا سلوتي فيه لا تقربي | وإن كنتِ دانية ً فابعدي |
و يا لائمي في ثناءٍ له | هجدتَ وعينيَ لم تهجدِ |
فلم أرثهِ وحده بلْ رثيتُ | معالم عرينَ من سؤددِ |
وما جادَ جَفني وقد كان لا | يجودك إلاَّ على الأجودِ |
و وافقني بالوفاقِ الصريحِ | موافقة َ النومِ للسهدِ |
وإنَّ التناسُبَ بينَ الرِّجالِ | بالودَّ خيرٌ من المحتدِ |
و خلفني بانتحابٍ عليهِ | يقضُّ على أضلعي مرقدي |
فإنْ عاد مضجعيَ العائدون | خفيتُ نحولاً على العودِ |
فقُلْ للقَنابِلِ: لا تَركبي | وقُلْ للكتائبِ: لا تحشُدي |
و قلْ للصلاة ِ بنار الحروبِ | قد ذهبَ الموت بالمُوقِدِ |
و قلْ للصوارمِ مسلولة ً | فُجِعْتُنَّ بالصّارمِ المُغمَدِ |
و قلْ للجيادِ يلكنَ الشكيمَ | بلا مُسرِجٍ وبلا مُلبِدِ: |
أَقِمْنَ فما بعدَهُ للخيولِ | مقاديرُ حتى مع القودِ |
و قلْ لأنابيبِ سمرِ الرماحِ | ثَوِيْنَ حِياماً بلا مَوْرِدِ |
فلا تَطلعَنْ فوقكُنَّ النُّجومُ | فذاك طلوعٌ بلا أسعدِ |
وكيفَ يرِدْنَ نَجيعَ الكُماة ِ | بغيرِ شديدِ القوى أيدِ ؟ |
أرى ذا أسى ً فبمنْ أقتدي ؟ | |
و كيف السوُّ وعندي الغرامُ | يبرِّحُ بالرَّجُلِ الأجلَدِ؟ |
ولي أَسفٌ بافتقادٍ له | نَفَدْتُ حنيناً ولم يَنْفَدِ |
فيا غافلاً عن طروقِ الحمامِ | رقدتَ اغتراراً ولم يرقُدِ |
و يا كادحاً جامعاً للألوفِ | وغيرُك يأخذها من غدِ |
و هل للفتى عن جميع الغنى | سوى بلَّ أنملة ٍ من يدِ |
فبنْ مثلما بان ظلُّ الغمامِ | عن طالبي سَحِّهِ الرُّوَّدِ |
وبِتْ كارهاً في بُطونِ التُّراب | وكم سكنَ التُّربَ من سَيِّدِ |
و لا زال قبرك بين القبور | يُنضَحُ بالسَّبِلِ المُزْبدِ |
ويَنْدى وإِنْ جاورَتْهُ القبورُ | و فيهنَّ بالقاعِ غيرُ الندى |
و حياك ربك عند اللقاءِ | بعفوٍ ومغفرة ٍ سرمدِ |
و خصك يومَ مفرَّ العبادِ | بالعَطَنِ الأفسحِ الأرغدِ |