أهمية موضوعات الشريعة وحاجة الطالبات إليها
مدة
قراءة المادة :
13 دقائق
.
أهمية موضوعات الشريعة وحاجة الطالبات إليهامفهوم الشريعة:
الشريعة لغة من شرع، والشريعة مشرعة الماء، وهو مورد الشاربة التي يشربون منها ويستقون، وسميت الشريعة تشبيها لها بشريعة الماء بحيث من شرع فيه روِي وطَهُر.
والشريعة: الطريقة، وشرع لهم يشرع شرعا: أي سنّ، والشريعة والشِرعة: الطريقة الظاهرة التي يتوصل بها إلى النجاة[1].
وتطلق الشريعة على الدين والملة، واستعير ذلك للطريقة الإلهية، قال تعالى: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [2]،قال ابن عباس رضي الله عنهما: الشرعة ما ورد به القرآن، والمنهاج ما ورد به السنة[3].
أما في الاصطلاح: فقد عرف العلماء الشريعة بقولهم: (هي الائتمار بالتزام العبودية، وقيل: الشريعة هي: الطريق في الدين)[4]، وأما (اسم الشريعة والشرع والشِّرعة فإنه ينتظم كل ما شرعه الله من العقائد والأعمال...فالسنة كالشريعة هي: ما سنّه الرسول - صلى الله عليه وسلم وما شرعه، فقد يراد به ما سنّه وشرعه من العقائد، وقد يراد به ما سنّه وشرعه من العمل، وقد يراد به كلاهما)[5] و(هي كل ما سنّه الله لعباده من الأحكام الاعتقادية والأخلاقية والعملية)[6].
وتتجه الشريعة نحو غاية محققة وهي حفظ مصالح العباد ودفع المضار عنهم ليسود بينهم الأمن والاطمئنان ويمنع الظلم والجور، وبذلك تتحقق لهم سعادة الدنيا والآخرة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: (والتحقيق أن الشريعة التي بعث الله بها محمدا - صلى الله عليه وسلم جامعة لمصالح الدنيا والآخرة)[7]، كما قال الحافظ ابن القيم-رحمه الله-: (إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، ورحمة كلها...
فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه)[8]، والمصالح التي عليها مدار الشريعة ثلاثة، هي:
الأولى: درء المفاسد، والتي يطلق عليها الأصوليون: الضروريات، وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال.
الثانية: جلب المصالح، وتعرف عند أهل الأصول بالحاجيات المؤدية إلى رفع الضيق والحرج والمشقة.
الثالثة: الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، والمعروفة عند أهل الأصول بالتحسينيات والتتميميات.[9].
و يقسم العلماء الأحكام الشرعية إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أحكام اعتقادية، وهي التي تأمرنا بعبادة الله وحده، وعدم الشرك به، والإيمان بالملائكة والكتب والرسل...
الثاني: أحكام أخلاقية، وهي التي تأمر بالأخلاق الصالحة كالصدق والوفاء بالوعد وأداء الأمانة، وتنهى عن الأخلاق الخبيثة كالكذب ونقض العهود وإخلاف الوعود.
الثالث: الأحكام العملية، وهي التي يحتاج إليها لإقامة العبادات وإصلاح المعاملات الجارية بين الناس)[10].
ويخصها البعض بالأحكام الشرعية العملية، والمراد بها التكاليف الظاهرة التي تُؤدى بالجوارح، وتتمثل في العبادات التي كلّف بها الله العباد سواء كانت فروضا عينية أم فروضا كفائية، وفي الأحكام الشرعية التي أثبتتها نصوص الوحيين سواء على المستوى الشخصي والأسري، أو على المستوى العام، فتشمل ما يُسمى بنظام العبادات ونظام المعاملة والاقتصاد، ونظام الأحوال الشخصية، ونظام الحكم والسياسة، ونظام الاجتماع، ونظام الحسبة، ونظام الجهاد، ونظام الإفتاء..
إلى غير ذلك مما أوفت بيانه كتب الفقه والأحكام[11].
وقد قسم عموم الفقهاء الأحكام الشرعية إلى قسمين: عبادات ومعاملات، وذكروا بعض الفروق بينهما، مثل:
1- إن الأحكام الشرعية في قسم العبادات هي ما كان الغرض منها التقرب إلى الله تعالى، وابتغاء الثواب في الآخرة.
2- إن الأحكام الشرعية غير معقولة المعنى، بل قد يعجز العقل عن إدراك سر مشروعيتها تفصيلا ما لم يرد نص بذلك، وقد جاءت في القرآن إجمالا، وفصلتها السنة النبوية وأكملتها وبينتها بأكمل بيان.
3- أما الأحكام الشرعية في قسم المعاملات فهي ما كان المقصود منها مصلحة دنيوية، أو تنظيم العلاقة بين فردين أو جماعتين، والأصل فيها أنها معقولة المعنى، أي أن العقل يدرك كثيرا من أسراراها، وقد جاء الإسلام بأصولها الكلية وقواعدها العامة، وأكثر من التعليل لها، ليكون ذلك عونا للفقهاء على التطبيق مهما تغيرت الأزمان واختلفت البيئات[12].
والمقصود بموضوعات الشريعة في هذا المبحث:
الموضوعات التي تتناول أحكام شريعة الإسلام ونظمه التي أنزلها الله تعالى في كتابه، وفي سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم، وكلّف المسلمين بالأخذ بها في علاقتهم بالله تعالى، وعلاقتهم بالناس، ليحققوا بذلك عبوديتهم لله تعالى.
أهمية موضوعات الشريعة وحاجة الطالبات لها:
تحتاج الطالبة في المرحلة الثانوية إلى معرفة موضوعات الشريعة، لأن الإنسان أحوج ما يكون إلى معرفة الشرع الذي جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم ، وكيفية القيام به والدعوة إليه، والصبر عليه، ولن يصلح حال المجتمع بدون الشريعة أبدا، ولا سبيل إلى السعادة في الدنيا والآخرة إلا بالتمسك بها، قال ابن القيم-رحمه الله-: (حاجة الناس إلى الشريعة ضرورية فوق حاجتهم إلى كل شيء، ولا نسبة لحاجتهم إلى علم الطب إليها، ألا ترى أن أكثر العالم يعيشون بغير طبيب...
وأما الشريعة فمبناها على تعريف مواقع رضا الله وسخطه في حركات العباد الاختيارية، فمبناها على الوحي المحض)[13].
ولعل سبب فشو بعض مظاهر الفساد والانحراف عن الإسلام بين الشباب هو جهلهم بالشريعة وأحكامها، بل إن سبب ضعف الأمة الإسلامية وتفككها هو بعدها عن تطبيقها، فالشريعة الإسلامية هي التي تجمع الأمة وتربط بين أفرادها، وتبقى الأمة الإسلامية وتسود وتعز ما بقيت شريعتها موجهة لحياتها، ومهيمنة على مجتمعاتها، فإذا ضعف تطبيق الشريعة الإسلامية في حياة الأمة فإن ذلك مؤذن بانهزامها وزوالها.
ويوضح أهمية وحاجة الطالبات إلى موضوعات الشريعة ما يأتي:
1- يُعد القيام بالعبادات المشروعة التي شرعها الله تعالى من أعظم وسائل السمو بالروح، فعبادة الله تعالى هي غاية التذلل له، ولا يستحق ذلك إلا الله وحده، كما قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾ [14]، سواء كانت هذه العبادة عبادات مفروضة في أوقات مخصوصة وهيئات معلومة؛ كالصلاة والصوم والحج والزكاة، أم عبادات (بمعناها الواسع الذي يشمل كل عمل يعمله الإنسان أو يتركه، بل كل شعور يطرده الإنسان من نفسه تقربا بذلك إلى الله تعالى، ما دامت نية المتعبد بهذا العمل هي إرضاء الله سبحانه، فكل الأمور العادية مع نية التقرب إلى الله سبحانه عبادة يثاب صاحبها)[15].
2- الارتباط القوي بين الشريعة والعقيدة، فكما أن العقيدة أصل تُبنى عليه الشريعة، وتدفع المؤمن إلى القيام بها، فالشريعة تلبية لانفعال القلب بالعقيدة وتصديقه ويقينه بها، وهذا التصديق واليقين يدعمه ويترجمه العمل الذي يمثل طريق النجاة والفوز بما أعدّه الله لعباده المؤمنين، وهذا يعني أن الإنسان لا يكون مسلما عند الله إذا آمن بالعقيدة وألغى الشريعة، أو أخذ الشريعة وأهدر العقيدة[16]، فالإيمان بالله وتطبيق شريعته هو تحقيق العبودية الحقة لله، فإذا كان الإيمان هو أساس صحة وقبول العبادات المشروعة، فإن عبادة الله كما شرع توضيح للإيمان به وتحقيق لغاية العبودية.
وهذا يعني أن مقتضى توحيد الطالبة لله هو الإقرار ثم الانقياد، بأن تقر بداية بتصديق كامل ويقين تام بشهادة التوحيد، ثم تظهر هذا الإقرار الإيماني بأن تخضع كلها –بقلبها ولسانها وجوارحها- لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال والاعتقادات، وأن تسير في حياتها كلها وفق شرعه، قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [17]، فإذا جاءها من الله أمر أو نهي، أو علمت الحلال من الحرام؛ كان موقفها من ذلك كله: سمعنا وأطعنا، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [18].
3- تربية الطالبة على أن تطبيق الشريعة الإسلامية يحفظ للناس معاشهم، ويسلمهم من التشتت والتمزق أفرادا ومجتمعات، فالشريعة هي السبيل إلى الفوز بسعادة الدنيا والآخرة، وهي سعادة الفرد والمجتمع، لأن (الغاية التي تريد الشريعة الإسلامية تحقيقها هي إقامة العباد على منهج العبودية الصادقة لله، وهذه العبودية الصادقة تؤسس نظام الحياة الإنسانية على المعروفات، وتطهره من المنكرات، والمعروف هو الخير الذي يناسب الفطرة التي فطر الله عباده عليها، والمنكر هو الباطل الذي يصادم فطرة الله التي فطر الناس عليها، والإسلام يريد من العباد أن يجاهدوا دائما بقصد إقامة هذه الشريعة لإيجاد المجتمع الطاهر الذي تسوده القيم الفاضلة، ويعم فيه المعروف ويجتث منه المنكرات)[19].
[1] ينظر: الصحاح: إسماعيل بن حماد الجوهري (393هـ)، باب العين فصل الشين 3/1236، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت- لبنان، ط:3، 1404هـ/1984م، وتاج العروس من جواهر القاموس، فصل الشين من باب العين 5/394.
[2] سورة المائدة: جزء من آية 48.
[3] ينظر: المفردات في غريب القرآن 261.
[4] التعريفات ص 166.
[5] باختصار: مجموع الفتاوى: شيخ الإسلام اين تيمية 19/306-307.
[6] خصائص الشريعة الإسلامية: د.
عمر الأشقر ص 11، دار النفائس، الأردن/ ومكتبة الفلاح، الكويت، ط:3، 1412هـ/1991م.
[7] مجموع الفتاوى 19/308.
[8] باختصار: أعلام الموقعين عن رب العالمين 3/3.
[9] ينظر: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي 3/408، ط:2، 1400هـ/1979م.
والموافقات 2/8، وعلم أصول الفقه: عبد الوهاب خلاف ص 197-200، وأصول الفقه: محمد أبو زهرة ص 291-295، دار الفكر العربي، القاهرة، ط: بدون، 1377هـ/1958م، وأصول الدعوة: د.
عبد الكريم زيدان ص 58.
[10] خصائص الشريعة الإسلامية: د.
عمر الأشقر ص 28
[11] ينظر: المرجع السابق ص 13، والدعوة الإسلامية أصولها ووسائلها: د.
أحمد غلوش ص 24، والمدخل إلى علم الدعوة: محمد البيانوني ص 183.
[12] ينظر: تاريخ الفقه الإسلامي: د.
عمر سليمان الأشقر ص 22-24، دار النفائس، الأردن/ ومكتبة الفلاح، الكويت، ط:3، 1413هـ/1991م.
[13] باختصار: مفتاح دار السعادة 2/2
[14] سورة الإسراء: جزء من آية 23.
[15] فقه الدعوة إلى الله: د.
علي عبدالحليم محمود 1/471.
[16] ينظر: الإسلام عقيدة وشريعة: محمود شلتوت ص 11، وأسس التربية الإسلامية: د.
عبدالحميد الزنتاني ص 381.
[17] سورة الأحزاب: جزء من آية 36.
[18] سورة النور: آية 51.
[19] خصائص الشريعة الإسلامية: د.
عمر الأشقر ص 26.