ما كان يومك يا أبا إسحاقِ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
ما كان يومك يا أبا إسحاقِ | إلاّ وداعى للمنى وفراقى |
وأشدَّ ماكانَ الفراقُ على الفتى | ماكانَ موصولاً بغيرِ تلاقِ |
ولقد أتانى من مصابك طارقٌ | لكنَّهُ ما كانَ كالطرَّاقِ |
فالنّارُ يوقدُها الأسَى في أضلُعي | لا للصِّلى والماءُ من آماقي |
ما كان للعينين قبلك بالبكا | عهدٌ ولا الجَنْبينِ بالإقلاقِ |
وأطقتُ حملَ النّائباتِ ولم يكنْ | ثِقْلٌ برُزئِك بيننا بمطاقِ |
لولا حمامك ما اهتدى همٌّ إلى | قلبي ولا نارٌ إلى إحراقي |
وسلبتُ منك أجلَّ شطرى ْ عيشتى | وفجعتُ منك بأنفسِ الأعلاقِ |
وقذيتُ فى قلبى بفقدك والقذى | فى القلبِ ينسينا قذاة َ الماقِ |
لمّا رأيتُك فوقَ صهوة ِ شَرْجَعٍ | بيدٍ المنايا أظلمتْ آفاقي |
وكأنَّني من بعدِ ثُكلك ذُو يدٍ | جذّاءَ أو غصنٌ بلا أوراقِ |
أو راكبٌ فى القفر دفّى ْ جسرة ٍ | غرثى بلا شثٍّ ولا طبّاقِ |
إنِّي عليك لما ذهبتَ لموجَعٌ | وإليك لمّا غبتَ بالأشواقِ |
يا نافعى والجلدُ منّى ضيّقٌ | برزِيَّتي أَلاَّ يَضيقَ نِطاقي |
كم من ليالٍ لى قصارٍ بعده | طُوِّلْنَ بالإٍيجاعِ والإيراقِ |
ولو افتُدِيتَ فداكَ بادرة َ الرَّدى الْـ | ـأقوامُ بالمهجاتِ والأحداقِ |
وبكلِّ مُمتلىء الضُّلوعِ بسالة ً | هادٍ إلى طرقِ الهدى سبّاقِ |
تهمى دماً من كفّه سحبُ الوغى | من غيرِ إرعادٍ ولا إِبراقِ |
وتراه يهوى فى التّراب إلى ظباً | مسلولة ٍ وإلى ظهورِ عتاقِ |
وإلى سِنانٍ فوقَ هامة ِ ذابلٍ | هتّاكِ كلِّ تربية ٍ خرّاقِ |
أينَ الرِّجالُ المالكو رِبَقِ الورَى | والمُرْتقون إلى أعزِّ مراقِ |
والطّاردون بجودهمْ وعطائهمْ | فى المملقين عوادى َ الإملاقِ |
ولهمْ أكفٌّ ما تولّتْ وحدها | فى النّاسِ إلاّ قسمة َ الأرزاقِ |
وإذا همُ لبسوا المحاسنَ أهونوا | ـآدابِ من أهلي وبالأخلاقِ |
سِيقوا إلى حُفَرِ القَواءِ كأنَّهمْ | ذَوْدٌ تُصرِّفُه يدا سَوّاقِ |
وتطارحوا في قعر مظلمة ِ الهُوَى | محجوبة ِ الإصباحِ والإشراقِ |
واستنزلوا عن كلّ شاهقة ِ البنا | من حيث لا ترقى أخامصُ راقِ |
فهمُ وقد كان الفضاءَ محلّهمْ | ما بين أطباقٍ وفى أعماقِ |
ماذا الغرورُ من الزّمان بكاذبٍ | نَغْلِ المودَّة ِ في الهوى مَلاَّقِ |
فى كلّ يومٍ ينثنى عنه الّذى | يرجوه مملوءًا من الإخفاقِ |
وإذا مددتُ إِلى الزَّمانِ أنامِلي | وشَددتُ في أسْرِ الطِّماعِ وَثاقي |
فالأمرُ موكولٌ إلى متجرّمٍ | والعظمُ مرمى ٌّ إلى عرّاقِ |
ما إنْ وَنَتْ سَكَناتُ قلبك بُرهة ً | فيه بساعة ِ جأشِك الخفّاقِ |
ومنَ البليَّة ِ أنَّنا كَلِفون مِنْ | هذي الحياة ِ بمِنْكَحٍ مِطْلاقِ |
فى كلّ يومٍ نرتوى من شرّها | مائين من حَذَرٍ ومن إشفاقِ |
وأنا الأسيرُ لها فمن هذا الذي | يسعى إلى الأيَّامِ في إطلاقي |
ومودَّة ٌ بينَ الرّجالِ تضمُّهمْ | وتلفُّهمْ خيرٌ منَ الأعراقِ |
مَن ذا نَضا عنّا شعارَ جمالنا | ورمى هلالَ سمائنا بمحاقِ ؟ |
من ذا لوانا والصّدا علقٌ بنا | عن وردِ ذاك المنهلِ الرّقراقِ ؟ |
فلئنْ خرِستَ عن البيانِ فطالما | حكّمتَ أنّى شئتَ بالإنطاقِ |
ولئنْ منعت عن البراحِ فبعد ما | جوَّلتَ أو طوَّفتَ في الآفاقِ |
ولئنْ كبوتَ عن المدا بعد الرّدى | فيما سبقت غداة يوم سباق |
ولئنْ تحمَّلْتَ التّرابَ فطالما | قد كنتَ محمولاً على الأعناقِ |
فليمضِ بعدك من أحبُّ فقد مضى | منك الحمامُ ببغيتى ووفاقى |
مالي انتفاعٌ بعدَ فقدِك صاحباً | حلوَ المذاقة ِ فى الورى بمذاقِ |
نسجتْ عليك رياضُ كلِّ بلاغة ٍ | وسقاك منها ما تشاءُ السَّاقي |
وعصتْ على كلِّ الرِّجالِ فقُدْتَها | لرضاك بالأرسانِ والأرباقِ |
وملكتَها طولَ الزَّمانِ وإنَّما | فازتْ وقد ووريتَ بالإعتاقِ |
طلبوا مداك ففتَّهمْ وسبقتَهمْ | رَكْضاً ولم تَسمحْ لهمْ بلِحاقِ |
فالآن بعد اليأسِ منها أيقنوا | أنّ البلاغة َ فى يدِ الرزّاقِ |
ولْيسقِ قبرَك كلُّ مُنخرقِ الكُلَى | مرعادُ كلّ عشيّة ٍ مبراقِ |
فإذا جفا التّربَ السحابُ فعنده | ما اخترتَ من سحٍّ ومن إطباقِ |
لم يفنِ دهرٌ من نأى وله بنا | كلمٌ على مرّ الزّمان بواقِ |
وإذا مضيتَ وفيك فضلٌ باهرٌ | فمنْ نسلتَ فأنتَ حى ٌّ باقِ |