لقد ضلَّ مَن يسترقُّ الهوَى
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
لقد ضلَّ مَن يسترقُّ الهوَى | وعبدُ الغرام طويلُ الشَّقا |
وكيف أحِلُّ بدار الصَّغارِ | ولي همّة تزدري بالذُّرا؟! |
وتُظْلِمُ دونِيَ طُرُقُ الصَّوابِ | ومنّى استعار النَّهار السَّنا؟! |
رُوَيْدَكِ يا خُدُعاتِ الزّمانِ | كفاني فعالُكِ فيمن مضى |
جذبتِ عنانَ شديد الجُموحِ | وراودتِ مستهزئاً بالرُّقى |
يَعُدُّ الغِنَى منكِ غُرمَ العقولِ | وأنَّ ثراءكِ مثلُ الثَّرى |
ومَنْ ملأت سمعَه الذابلاتُ | وقرعُ الظبا لم يَرُعْه الصَّدى |
رَمى الدهْرُ بي في فم النائباتِ | كأنِّيَ في مقلتيهِ قَذَى |
ولم يدرِ أني حتفُ الحُتوفِ | وأرديتُ بالسَّيفِ عُمْرَ الرَّدى |
وأني لَبِستُ ثيابَ العَراءِ | ولا مؤْنسٌ ليَ غيرُ المها |
وقلبٌ نَبا عنه كيدُ الزَّمانِ | فما للمُنى في رُباهُ خُطا |
إذا نازَعَتني خطوبُ الزَّمان | ملأتُ بهِ فُرُجاتِ المَلا |
أُلوّحُ بالنَّقع وجهَ النهارِ | وأحسِرُ بالبيضِ وجهَ الدُّجَى |
على سابحٍ في بحارِ المنونِ | كفيلٍ بِوَطْءِ الشَّوَى بالشَّوَى |
أنالُ بهِ فائتاتِ الوحوشِ | وألمسُ من صفحتيه السُّها |
إذا ما نظرتَ إلى لونهِ | رأيتَ الدُّجى قد تردّى الضُّحى |
عذيرِيَ من مُدَّعٍ للعُلى | ولم يَحنِ بالسَّيرِ ظهرَ السُّرى |
ولا حملتهُ ظهورُ الجيادِ | ولا رَوِيتْ في يديه الظُّبا |
وما كلُّ ذي عَضُدٍ باطشٌ | ولا كلُّ طرفٍ سليمٍ يرى |
وبعضُ الأنام الذي ترتضيهِ | وبعضُ الرؤوس مَغاني الحِجا |
فكم من طريرٍ يسوءُ الخبيرَ | وكم فرسٍ لا يجاري العفا |
دعِ الفكرَ فيمن أعلَّ الزَّمانُ | وإلاّ فقمْ باعتدالِ الشِّفا |
فما غيَّرتْ كفُّ ذي صنعة ٍ | بأخفى التحّلي مكان الحُلى |
ولَلطبعُ أقهر من طابعٍ | وألحَظْتَ أعيُنَهم غَرَّة ً |
سَقى اللهُ منزلَنا بالكثيبِ | بكفّ السحائب غَمْرُ الحيا |
محلّ الغيوث ومأوى الليوث | وبحرُ النَّدى ومكانُ الغِنَى |
فكم قد نعمتُ به ما اشتهيْـ | ـتُ مُشْتملاً بإزارِ الصِّبا |
تُعانقُني منه أيدي الشِّمالِ | ويلثُمُ خدِّي نسيمُ الصَّبا |
وكم وردته ركابُ العُفاة ِ | فأَصْدَرْتُها ببلوغِ المُنَى |
إذا ما طَمَتْ بيَ أشواقُه | دعوتُ الحسينَ فغاضَ الأسَى |
فتى ً لا تُعثِّرُ آراءَه | بطرق المكارم صمُّ الصّفا |
يجودُ بما عزَّ من مالِهِ | فإنْ سِيلَ أدنَى عُلاهُ أبَى |
ويوماهُ في الفخر مُسْتيقنانِ؛ | فيومُ العطاءِ ويومُ الوغَى |
يُفيضُ بهذا جزيلُ الحِباءِ | وَقري بهذا القنا في القَرا |
تعرَّفَ في الخلق بالمَكرُماتِ | فأغنته عن رائقات الكُنى |
وأخرس بالمجدِ قولَ العُداة ِ | وأنطق خُرسَ اللَّها باللُّها |
أيا مَن كَبا فيه طِرفُ الحسودِ | فأمّا جوادُ مديحٍ فلا |
تمنّى أعاديكَ ما فارقوه | ومِن دونِ ما أمَّلوهُ العُلى |
وعِرضٌ يمزّق مِرْطَ العيوبِ | ويهتِكُ عنه برودَ الخَنا |
ولولا علوُّكَ عن قدرِهمْ | لحكّمت فيهم طِوالَ القنا |
وألَظتْ أعيُنهم غُرّة ً | تفارقُ منها الجسومُ الطُّلى |
لقد عَصَمْتُهُم سفاهاتُهُم | وكهفُ السَّفاهة بئسَ الحِمى |
أبَى اللهُ والمجدُ والمشرفيُّ | وسُمرُ الرِّماح مُرادَ العِدا |
تهنَّأْ بشهرٍ تهنَّأَ منكَ | بصدقِ اليقينِ وصدقِ التقى |
فهذا به تستضىء السّنون | وأنت بمجدكَ فخر الورى |
ولو فطن الناس كنت السّوا | دَ من كلِّ طرفٍ مكانَ المُقا |
فعش عيشة َ الدّهر ياطرفَه | عميمَ المكارمِ ماضي الشَّبا |
ولايصبِرنَّكَ هذا الزَّمانُ | وأنتَ المَطا، والأنامُ الصَّلا |