وراءك عني يا عذول الأشايب
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
وراءك عني يا عذول الأشايب | بكلفة عذل بعد شيب الذوائب |
ألم تعلمي أن ليس في الأرض مرأة | تقوم على حد اعتدال المذاهب |
أعاذل ما نيلي مكان الكواكب | بأبعد عندي من وصال الكواعب |
وعذلك مثل غذر فاقصري، | ولوم القعود الفحل إحدى العجائب |
ألست إذا ميزت نفساً وعنصراً | من الواعدات المخلفات الكواذب |
فليس لمثلي لوم مثلك جائزاً | لقد ساء مسموعاً خطاب المخاطب |
تركت الصبا والغي قبل مداهما | وتركهما إياي بين النوائب |
على حفظ عهد الحب في كل موطن | ينسي المحبين اذكار الحبائب |
فيا أيها الخل الذي ليس تاركي | ومكوره دهري من صدود المجانب |
فما أبصر الدنيا بعين دنوه | ولا وزر فيها للمحب المصاقب |
ظلمتك إن شبهتك البدر طالعاً | وبالشمس يوم الدجن بين السحائب |
لأن لكل منهما وقت غيبة | وأنك لا غيبت لست بغائب |
وأن بوجه البدر محواً ولطخة | ووجهك ما فيه معاب لعائب |
وأنك إن قيست محاسن جمة | إليك تناهت، أتعبت كل حاسب |
ولست بناس عيشنا واغتباطنا | بعز شباب للحوادث غالب |
وإدراكنا في ظله كل بغية | من العيش فاقت ساميات المطالب |
فمنها إذا ما الجد كان أوانه | بلوغ المعالي الطيبات المكاسب |
ومنها إذا ما الهزل حانت هناته | مني النفس في ستر عن الفحش حاجب |
كؤوس من الصهباء تأبى اجتماعها | إذا انتشحت والهم في صدر شارب |
جمعنا وأطيار الصباح نواطق | لنا ولها بين الذرى والحواجب |
فكل سرور بالغناء وبالغنى | وبالفضل والجدوى على كل راغب |
أعاذل إن اللوم منك غضاضة | على وإني لائم كل جانب |
عرفت زماني فاعتذرت لحربه | ولما أضع عني ثياب المحارب |
وجربت حتى ما أرى الدهر مغرباً | علي بصرف لم يكن محتوم بسوء العواقب |
وما غرني حسن المبادي نه | من الهر محتوم بسوء العواقب |
ولو لم يكن إلا توقع هابط | إذا لكفاني منكرات النوائب |
لقد أحدثت فيه الليالي غريبة | مصدرة في أمهات الغرائب |
تولى فصار الدهر شراً بأسره | صراحاً بلا شوب من الخير شايب |
فإن نحص بالتفصيل منه مثالباً | تناهين نعجز قبل جمع المثالب |
وإن نقتصر منه على وصف جملة | تدل على التفصيل، نعمل بواجب |
على أن أدنى القول فيه مضيع | فكيف بأقصى القول فاصدق وقارب |
وأعظم مما خصني من أذاته | على بقول صادق غير كاذب |
جنايته في عذل نفسي وواحدي | علي فقد كانت أجل المصايب |
شقيقي أبي إسحاق نفسي فداؤه | ورأس بقايا كل حر وكاتب |
كذلك كانت نعمة الله تممت | بتخليصه عندي أجل المواهب |
فهناه ما أولاه مولاه مسبغاً | عليه مزيداً جامعاً للرغائب |
وأسعده بالصوم والفطر تالياً | وكل زمان بعد جاء وذاهب |
وقل لأخي عني مقالة مخلص | له وده من دون أدنى الأقارب: |
لعمري لقد صادقت لي من يودني | وعاديت لي الأعداء غير مراقب |
فإن أنت واليت الصديق فوال بي | وإن كنت عاديت العدو فعاد بي |
ولا يخل فيما بيننا من سفارة | مكان ابن إسماعيل أنسي وصاحبي |
فنعم اختيار العالمين كلاهما | بما حصلا من كل غض الضرائب |
على قصد دهر السوء إياهما معا | لفهمهما إياه فعل المناصب |
وما كان عبدون الدني وهابط | سوى آية في الأرض من كل جانب |
تنبئنا الدنيا بفرط هوانها | على الله في أضعاف تلك الكواكب |
ولو سمع الدهر العتاب بمنطق | لأوجعته مني بحد المعاتب |
ولكن دهراً ملك الوغد هابطاً | ومشارقها موصولة بالمغارب |
فعم بشر أهلها وبلادها | وخص ذوي أقدارها بالمعاطب |
هو الدهر قد أعلى أبا جهل الذي | أطيع بأرض الأكرمين الأطايب |
فما آل في الإملاء حتى أصاره | إلى النار من بعد السيوف القواضب |
ترى الناس طوع ابني نزار، وإنما | ترى ابني نزار طوع فهر وغالب |
من الهاشميين الألى كلما دنوا | إلى هاشم خصوا بأعلى المناقب |
وإن نزلوا في النسب من بعد هاشم | ببطن علوا في المجد أعلى المراتب |
وإن حضروا الأيسار حازوا مدى العلا | وفازوا بقدح منجح غير خائب |
وما قدحهم إلا المعلى، فمن أبى | فليس له إلا منيح الضوارب |
وهم سبق السباق لكن عدوهم | سكيت إذا ما جد جري الحلائب |
ألسنا مواليهم ولاء بنيهم | ولسنا مواليهم ولاء المحارب |
فنحن لهم نسل الحسين وطاهر | ليانا، وللأعداء نسل المصاعب |
إذا ما كرام الناس ساموا بملكهم | وبالفضل والأعراق عند المناسب |
علت هاشم من بعد ذلك كله | سنام العلا فوق الذرى والغوارب |
لهم ذل صعب المجد، يعلون ظهره | ويأبى سواهم أن يذل لراكب |
وعدلهم من آخر المجد حادث | بأفعالهم يحدو قديم المناصب |
وقد غصبوا ملكا ثمانين حجة | ومجدهم يعيي يدي كل غاصب |
مدائحهم في كل أوب ووجهة | يغني بها الركبان فوق الركائب |
أحلهم بيت النبوة منزلا | خلافته بين النجوم الثواقب |
بيوت ملوك الناس يبنين في الربى | وهاشم مبنى بيتها في الكواكب |
حياتهم وقف على كل مادح | وموتهم وقف على كل نادب |
ولوا حرم الله المعظم قدره | وكانوا به حكام تلك الأخاشب |
وكانوا خيار الجاهلية كلها، | مناكبهم في المجد أعلى المناكب |
وولاهم الإسلام كل رياسة | ومنهم سنا الأعلام فوق المراقب |
وكانوا حماة الناس في كل فزعة | وأجوادهم في الحصب أو في اللوازب |
يفيضون ما هبت دبور وشمأل | وما عاينوا الصبا والجنائب |
لهم علم فوق البنية ثابت | بكفي كريم للمكارم ناصب |
فملك دهر السوء صاعد مجدهم | يدي هابط، يا للقنا والمقانب |
إلى أن أراه الله قدرته التي | تهد منيعات الجبال الرواسب |
فلله حمد زائد غير زائل، | وللكلب عز زائل غير راتب |