من قائل للزمان ما أربه
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
مَنْ قَائلٌ للزّمَانِ ما أرَبُهْ، | في خُلُقٍ منْهُ قَدْ خلا عَجَبُهْ |
يُعْطَى امرُؤٌ حَظَّهُ، بلا سَبَبٍ، | وَيُحْرَمُ الحَظَّ مُحْصِدٌ سَبَبُهْ |
نَجْهَلُ نَفْعَ الدّنْيَا، فَنَدْفَعُهُ، | وَقَدْ نَرَى ضُرّها، فنَجْتَلبُهْ |
لا يَيْأسِ المَرْءُ أنْ يُنَجّيَهُ | ما يَحْسبُ النّاسُ أنّهُ عَطَبُهْ |
يَسُرُّكَ الشيء قَدْ يَسُوءُ، وَكمْ | نَوّهَ يَوْماً بخَاملٍ لَقَبُهْ |
رأيْتُ خَيرَ الأيَامِ قَلّ، فَعنْدَ | الله أُخْرَى الأيّامِ أحْتَسبُهْ |
واستُؤنِفَ الظّلمُ في الصّديقِ، فهل | حُرٌّ يَبيعُ الإنْصَافَ أو يَهَبُهْ |
عنْدي مُمضٌّ منَ الهَنَاءِ، إذا | عِرّيضُ قَوْمٍ أحَكَّهُ جَرَبُهْ |
وَلي منِ اثْنَينِ وَاحدٌ أبَداً | عَرْضُ عَزِيزِ الرّجَالِ أوْ سَلَبُهْ |
وَخَيرُ ما اختَرْتُ أوْ تُخُيّرَ لي | رِضَا شَرِيفٍ يَسُوءُني غَضَبُهْ |
وَصَاحبٌ ذاهبٌ بخِلّتِهِ، | وَلّى بها، واتّثنَيْتُ أطّلبُهْ |
يُرْصِدُ لي إنْ وَصَلْتُهُ مَلَلَ الـ | ـجَافي وأشْتَاقُ حينَ أجْتَنبُهْ |
فَلَسْتُ أدْرِي أبُعْدُ شُقّتِهِ | أشَقُّ رُزْءاً عَلَيّ أمْ صَقَبُهْ |
تَارَكْتُهُ ناصراً هَوَاهُ عَلى | هَوَايَ فيهِ، حتّى انقَضَى أرَبُهْ |
هَجْرَ أخي لَوْعَةٍ يَرَى جَلَداً، | وَهوَ مَرِيضُ الحَشَا لها وَصِبُهْ |
فاضَلَ بَينَ الإخْوَانِ عسري وَعن | ظَلْمَاءِ لَيْلٍ تَفَاضَلَتْ شُهُبُهْ |
وَعُدّتي للهُمُومِ، إنْ طَرَقَتْ، | تَوْخِيدُ ذاكَ المَطيّ، أوْ خَبَبُهْ |
سَاقَتْ بنَا نَكْبَةٌ مُذَمَّمَةٌ | فينَا، وَدَهْرٌ رَخيصَةٌ نُوَبُهْ |
فَهَلْ لضَيْفِ العرَاقِ منْ صَفَدٍ | عندَ عَميدِ العرَاقِ يَرْتَقبُهْ |
وَمُستَسرّينَ في الخُمُولِ بَلَوْ | ناهُمْ فَذَمَّ الحَرَامَ مُكْتَسبُهْ |
كانوا كَشَوْكِ القَتادِ يَسخَطُ رَا | عيهِ، ويَأبَى رِضَاهُ مُحْتَطِبُهْ |
لا أحْفِلْ المَرْءَ، أوْ تُقَدّمَهُ | شَتّى خِصالٍ أشَفّها أدَبُهْ |
وَلَسْتُ أعْتَدُّ للفَتَى حَسَباً، | حَتّى يُرَى في فَعَالِهِ حَسَبُهْ |
مثْلُ ابنِ بِسْطَامَ الذي شَرُفَتْ | أبْداؤهُ ثُمّ تُمّمَتْ عُقَبُهْ |
ما دارَ للمَكْرُمَاتِ منْ فَلَكٍ، | إلاّ وَزَاكي فَعَالِهِ قُطُبُهْ |
يَنْقَادُ طَوْعاً لَه، إذا حُشدَتْ | عَلَيْهِ تلكَ الأشْبَاهُ تَجتَذِبُهْ |
تَنَافَسَ النّاسُ فيهِ، أسعَدُهُمْ | عنْدَهُمْ مَنْ يَخُصُّهُ نَسَبُهْ |
يُبهجُ عُجْمَ البلادِ فَوْزُهُمُ | بهِ، وَتَأسَى لفَوْتِهِ عَرَبُهْ |
مَنْ يَتَصَرّعْ في إثْرِ مَكْرُمَةٍ، | فَدأبُهُ في ابْتغَائها دَأَبُهْ |
كَمْ رَاحَ طَلْقاً، وَرَاحَ تالِدُهُ | مَطيّةً للحُقُوقِ تَعْتَقِبُهْ |
تُحْسَبُ في وَفْرِهِ يَداهُ يَدَيْ | عَدُوّهُ، أوْ لغَيْرهِ نَشَبُهْ |
مَالٌ، إذ الحَمْدُ عِيضَ منهُ غَدا | مُنْهِبُهُ غانماً، وَمُنْتَهِبُهْ |
وَبَيْنَما المُشْكِلاتُ رَائدَةٌ | مُيَسِّراً للصّوابِ، يَقتَضِبُهْ |
تَاحَ لَهَا وَادِعاً، تَمَهُّلُهُ، | في مُرْهِقِ الأمْرِ، وَاسعاً لَبَبُهْ |
وَكَأنَ إسْرَاعُهُ تَرَسُّلَهُ | قَرَارَ جَأشٍ، أو جَدَّهُ لَعِبُهْ |
دَنّى الأقَاصِي إبْسَاسُ مُتّئدٍ، | يَسْتَنْزِلُ الدُّرَّ ثُمّ يَحْتَلِبُهْ |
يُغني غنَاءَ الجيوشِ في طلَبِ الفَيْء | ءِ، إذا ما تَنَاصَرَتْ كُتُبُهْ |
ظل وظل العمال في طلب حيث هم | حاضر ما دبروا وهم غيبه |
مُرَاهِقٌ، رَأسُ أمرِهِ، وَأخو العَجـ | ـزِ يَليهِ منْ أمْرِهِ ذَنَبُهْ |
فلَيسَ يَعرُو خَطبٌ يُرَادُ بهِ السّلْـ | ـطانُ إلاّ مأخُوذَةٌ أُهَبُهْ |
أقْلامُ كُتّابِهِ مُوَجَّهَةٌ | للرّأيِ، يَخْتَارُهُ وَيَنْتَخبُهْ |
يَحْملُ عَنهُمُ ما لا يَفُونَ بهِ، | كافي كُفاةٍ، يُرِيحُهُمْ تَعَبُهْ |
مُنْتَظَرٌ إذْنُهُ، وَلَوْ سَئمَتْ | نَفْسُ أبيٍّ، وَطَالَ مُرْتَقَبُهْ |
إذا بَدَا للعُيُونِ حَوّلَها | ساطعَ بِشْرٍ، يَرُوقُها لَهَبُهْ |
وإنْ أتَى دونَهُ الحجابُ، فَلَنْ | تَسْتُرَ عَنْهُمْ آلاءَهُ حُجُبُهْ |
يَهْتَالُهُ المَجْدُ منْ جَوَانِبِهِ، | كالمَاءِ يَهْتَالُ عَفوَهُ صَبَبُهْ |
إنْ قَالَ، أوْ قُلتُ لم يُخَفْ كَذبِي | في حفظّ أُكرُومَةٍ، ولاَ كَذِبُهْ |
أوِ استَبَقْنَا المُجَازِيَاتِ، فَلَنْ | يَذهَبَ شعرِي لَغواً ولا ذَهَبُهْ |
يُتبِعُ تأميلَهُ الثّرَاءَ، كَمَا | أُتْبعَ غُزْراً من ديمَةٍ عُشُبُهْ |