ملامك إنه عهد قريب
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
مَلامُكَ، إنّهُ عَهْدٌ قَرِيبُ، | وَرُزْءٌ مَا عَفَتْ مِنْهُ النُّدوبُ |
تُعَلّلُني أضَاليلُ الأمَاني | بعَيشٍ، بَعدَ قَيصرَ، لا يَطيبُ |
تَوَلّى العَيشُ، إذْ وَلّى التّصَابي، | وَماتَ الحبُّ، إذْ ماتَ الحَبيبُ |
نَصِيبي كانَ مِنْ دُنيَايَ وَلّى، | فَلا الدّنْيَا تُحَسُّ، وَلا النّصِيبُ |
ضَجيعُ مُسَنَّدينَ بكَفْرِ تُوثَى، | خَفُوتٌا مِثلَ ما خَفَتَ الشَّرُوبُ |
هُجُودٌ لَمْ يَسَلْ بهِمِ حَفيٌّ، | وَلمْ تُقْلَبْ لضَجْعَتِهِمْ جُنُوبُ |
تُغَلَّقُ دُورُهُمْ عَنْهُمْ عِشَاءً، | وَقَدْ عَزُّوا بهِا زَمَناً، وَهيبُوا |
تقض أضلاعي أنفاس وجد | لمختضر كما اختضر القضيب |
أرثيه ولو صدق اختياري | لكان مكان مرثيتي نسيب |
وَكُنتُ، وَتُرْبُهُ يُحثَى علَيهِ، | كَنِضْوِ الدّاءِ آيَسَهُ الطّبيبُ |
كفى حزناً بأن الحزن يخبو | ذكي الجمر عنه واللهيب |
أأنْسَى مَنْ يُذَكّرُنيهِ ألاّ | نَديدَ يَنوبُ عَنهُ، وَلا ضَرِيبُ |
وَأترُكُ للسُّرَى مَن كنتُ أخشَى | عَلَيْهِ العَينَ تُؤمَنُ، أوْ تُرِيبُ |
وَأصْفَحُ للبِلَى عَنْ ضَوْءِ وَجْهٍ | غَنيتُ يَرُوعُني منْهُ الشُّحُوبُ |
ومن حق الأحبة لو أجنت | رمائمها الجوانح والقلوب |
سَقَى الله الجَزِيرَةَ، لا لشَيْءٍ، | سوَى أنْ يَرْتوِي ذاكَ القَليبُ |
مُلَطُّ بالطّرِيقِ، وَلَيسَ يُصْغي | لأنْجِيَةِ الطّرِيقِ، وَلا يُجيبُ |
تَعُودُ الباكِيَاتُ مُجَاوِرِيهِ، | وَيُزْوَى النّوْحُ عَنْهُ وَالنّحيبُ |
وَأيُّهُمُ يُعِيرُ عَلَيْكَ دَمْعاً، | وَألسُنُ دونَ أهلكَ وَالدُّرُوبُ |
وَمَا كانَتْ لتَبعُدَ عَنكَ عَينٌ | سَفُوحُ الدمع، لَوْ أنّي قَرِيبُ |
يرينيك المنى خلساً وأنى | برؤيت من تغيبه الغيوب |
وكيف يؤوب من تمضي المنايا | وقد يمضي الشباب فما يؤوب |
أُلامُ، إذا ذَكَرْتُكَ، فاستَهَلّتْ | غُرُوبُ العَينِ تَتْبَعُهَا الغُرُوبُ |
وَلَوْ أنّ الجِبَالَ فَقَدْنَ إلْفاً، | لأوْشَكَ جَامِدٌ مِنْهَا يَذُوبُ |
لَعَمْرُي! إنّ دهراً غَالَ إلْفي، | وَمَالي، لَلْخَؤونُ لنا الشعوب |
فإنْ سِتٌّ وَسِتّونَ اسْتَقَلّتْ، | فَلا كَرّتْ برجعَتِها الخُطوبُ |
لَقَدْ سَرّ الأعادي فيّ أنّي | بِرَأسِ العَينِ مَحزُونٌ، كَئيبُ |
تَعاظَمَتِ الحَوَادثُ حَوْلَ حَظّي، | وَشَبّتْ دونَ بُغيَتيَ الحُرُوبُ |
على حينَ استَتَمّ الوَهْنُ عَظمي، | وَأعطَى فيّ ما احتَكَمَ المَشيبُ |
وَقَدْ يَرِدُ المَنَاهِلَ مَنْ يُحَلّ | عَلى ظَمَإٍ، وَيَغنَمُ مَن يَخيبُ |
وَأيسَرُ فائِتٍ خَلَفاً سَرِيعاً | رِقابُ المَالِ، يَرْزَؤها الكَسوبُ |
فَمَنْ ذا يَسألُ النّجليّ عَمّا | يَذُمُّ مِنِ اخْتِيارِي، أوْ يَعيبُ |
يُعَنّفُني عَلى بَغَتاتِ عَزْمي، | وَكنتُ، وَلا يُعَنّفُني الأرِيبُ |
وَقَدْ أكدَى الصّوَابُ عَليّ حتّى | وَدِدْتُ بِأنّ شانيّ المُصِيبُ |
لَعَلّ أخَاكَ يَرْقُبُ هل تُطاطي | لَهُ منّي النّوَائبُ، إذْ تَنُوبُ |
فأينَ النّفسُ ذاتُ الفَضْلِ عَمّا | تَسَكّعَ فيهِ، وَالصّدْرُ الرّحيبُ |
أيَغضَبُ إنْ يُعَاتَبْ بالقَوَافي، | وَفيها المَجدُ، وَالحسب الحَسيبُ |
وَكمْ مِنْ آمِلٍ هَجْوِي ليَحظى | بذِكْرٍ منهُ يَصْعَدُ، أوْ يَصُوبُ |
فكَيفَ بِسُيَّرٍ مُتَنَخَّلاتٍ، | تَجُوبُ، من التنائف، ما تجوبُ |
يُنَافِسُ سامِعٌ فيهَا أبَاهُ، | إذا جَعَلَتْ بسُؤدَدِهِ تُهيبُ |
بَلَغْنَ الأرْضَ لمْ يَلغَبْنَ فيها، | وَبَعضُ الشّعرِ يُدرِكُهُ اللُّغوبُ |
فإلاّ تُحْسَبِ الحَسَنات مِنَا | لصَاحِبِها، فَلا تُحصَ الذّنُوبُ |
أتُوبُ منَ الإسَاءةِ، إنْ ألَمّتْ، | وَأعرِفُ مَنْ يُسِيءُ وَلا يَتُوبُ |