دع الإحباط والتفت للحياة - أحمد كمال قاسم
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
سألتني سائلة: "هل لي بطمئنة من حضرتك؟ أنا فتاة عمرها 17 سنة، أقمت تقريبا 16 سنة من عمري في السعودية، من ضمن الـ16 السنين اللي حصلت فيها الأحداث الأخيرة في مصر -بداية الانقلاب- في البداية كنت متابعة الأخبار أول بأول، كنت بغضب وبحزن ومقهورة من عجزي لحد ما أصاب قلبي الشيخوخة، مرحلة ما بعد الشيخوخة تتمثل في بكاء الليل كله إما على وسادتي أو سجادتي! والآن مرحلة التبلد وعدم الدهشة، عدم الغضب! لا أتابع أخبار أصلاً ولو تابعت مصادفة تمر على عيني وأذني مرور الكرام، كرهت نفسي! همتي لأي من مراداتي تحت الصفر، لكن شعور القهر موجود وجلد الذات موجود، كيف أجيب يوم الحساب إن سئلت عن ماذا فعلت مساعدة للمستضعفين هناك؟ وما يوجعني أكثر كيف أجيب عن فتور اعتراني ناحية كل شيء! حتى العبادة أصبحت أقصر فيها، هل لي بطمئنة؟!".فأجبت:
بارك الله فيك ونفع بكِ وشرح صدرك، وأذهب عنك غمك وحزنك وهمك.
سأطمئنك بأمر وأوصيك بأمر:
أما الطمأنة هي في إخبارك أن كل واحد منا في امتحان، له ورقة امتحان مستقلة، وله حسابه المستقل تمامًا عن غيره، هذا الامتحان هو بالنسبة لله لا شيء، لأن كل الدنيا لا تزن عنده جناح بعوضة، وبالنسبة لنا هو كل شيء لأن إجابتنا فيه ستحدد مصيرنا ومستقبلنا في هذا الوجود.
كل ما يحدث حولك سؤال في هذا الامتحان، سؤال لك ولي ولغيرنا ممن يريدون مصلحة الإسلام والمسلمين في كل بقاع العالم ومنها مصر الحبيبة، وإجابته ليست إجابة معينة بل إجابته هي ما تستطيعين فعله بنية صالحة للإصلاح ما استطعتِ، لكن لا توجد أي إجابة نمودجية مطلقة، بل الإجابة هي في دائرة تأثير كل منا.
مشكلتنا هي أمران:
1- أننا نعتبر الدنيا حقيقة مطلقة ينبعي أن تسير في اتجاه معين، وليست مجرد اختبار ينبغي أن نحله بما نستطيعه من جهد، ونحن نعلم أن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها.
2- أننا نهتم ونحزن لما لا نستطيع فعل حياله شيء -وبالتالي بما ليس هو في السؤال أصلاً- ونترك ونفرط فيما نستطيعه، وبالتالي فيما هو من صلب السؤال.
* العمل في دائرة تأثيرك هو المطلوب منك، أما العمل خارجها فالاغتمام به لن يورثك إلا التقصير فيما هو في دائرة تأثيرك.
أما ما أود أوصيتك به أن تتفاءلي، ليس في الدنيا فقط بل في الآخرة التي هي خيرٌ وأبقى، فالله وعد بنصر دينه في الدنيا، لكن لم يعد إطلاقا أن هذا النصر سيكون في بحر حياة كل منا! إنما وعد بأن نصر دينه في الآخرة سيكون في حياة -الدنيا والآخرة- كلٍ منّا! فآخرة كل منا تبدأ بـ(موته)، وبالتالي فلِمَ نحزن أننا لم نرَ ما لم يعد الله به، ولا نفرح بأننا على يقين أننا سنرى النصر حتمًا، إن لم يكن في الدنيا فهو في الآخرة؟
إن الدنيا أشبه بسباق عدو تتابع كل منا يمسك عصا قد تسلمها مِمَن خلفه، ويعدو بكل ما أوتي من قوة، ليس ليبلغ نهاية السباق، بل ليسلم العصا لمن بعده بأقصى كفاءةٍ ممكنة، ثم يخرج مطمئن النفس أنه فعل ما يرضي الله عنه، وليس ما يتوهمه مُرضِيا لله وهو ليسَ شيئًا بالنسبة لله!
وصيتي الأخيرة..
الصلاة الصلاة..
لا تفرطي أبدًا في الصلاة والعبادات الأساسية مهما كانت الظروف، ليس لأنها واجب فقط وأنها أهم سؤال في الامتحان، بل لأنها هي زورق النجاة! هي الصلة بالله الذي هو مصدر كل خير وكل هداية وكل نصر في الدنيا والآخرة.
شرح الله صدرك عاجلاً ليس آجلاً وجعلك عزًا لهذه الأمة.