عمل المتقين
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
عمل المتقينالتقيُّ يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجل يمسي وهَمُّه الشكر، ويصبح وهمُّه الذكر يبيت حذرًا ويصبح فرحًا، حذرًا لما حذر من الغفلة، وفرحًا بما أصاب من الفضل والرحمة، إن استصعبت عليه نفسه فيما تكره، لم يعطها سؤلها فيما تحب.
قرة عينه فيما لا يزول، وزهادته فيما لا يبقى، يمزج الحلم بالعلم، والقول بالعمل، تراه قريبًا أمله، قليلًا زلله، خاشعًا قلبه، قانعةً نفسه، منزورًا أكله سهلًا أمره، حريزًا دينه، ميتةً شهوته مكظومًا غيظه، الخير منه مأمول والشر منه مأمون.
إن كان في الغافلين كُتب في الذاكرين، وإن كان في الذاكرين لم يكتب من الغافلين يعفو عمن ظلمه، ويعطي من حرَمه، ويصل من قطعه، بعيدًا فحشُه، لينًا قولُه، غائبًا منكرُه، حاضرًا معروفُه، مقبلًا خيره، مدبرًا شرُّه، في الزلازل وقورٌ، وفي المكاره صبورٌ وفي الرخاء شكورٌ.
لا يَحيف على مَن يَبغض، ولا يأثم فيمن يُحب، يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه، لا يضيع ما استُحفظ، ولا ينسى ما ذُكِّر، ولا ينابز بالألقاب، ولا يضار بالجار، ولا يشمت بالمصاب، ولا يدخل في الباطل، ولا يخرج من الحق.
إن صمت لم يَغُمَّه صمتُه، وإن ضحك لم يعلُ صوته، وإن بغي عليه صبر حتى يكون الله هو الذي ينتقم له، نفسُه منه في عناء والناس منه في راحة، أتعَب نفسه لآخرته، وأراح الناس من نفسه.
شعرًا:
لا خير فيمن لا يراقب ربَّه
عند الهوى ويحاذر النسيانا
إن الذي يبغي الهوى ويريده
كمواخي شيطانه شيطانَا
حجب التقى بابَ الهوى فأخُ التقى
عفَّ الخليقة زائد إيمانا
آخر:
عليك بتقوى الله أسنى الفضائل
تعد من القوم الكرام الأماثل
فما المرء إلا بالتقى يرتقي إلى
سنام المعالي في مقام الأفاضل
آخر:
العلم والتقوى وطاعة ربنا
تكس الرجال مهابةً وجلالَا
وهي الطريق لمن أراد السلامة
وهي السلاح لمن أراد جدالا
بُعدُه عمن تباعد عنه نزاهة، ودُنوُّه ممن دنا منه لينٌ ورحمة، ليس تباعده بكبر وعظمة، ولا دنوه بمكر وخديعة؛ قال: فصعق همام صعقةً كانت نفسه فيها، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أما والله لقد كنت أخافها عليه، ثم قال: هكذا تصنعه المواعظ البالغة بأهلها، فقال له قائل: فما بالك يا أمير المؤمنين فقال: ويحك إن لكل أجل وقتًا لا يعدوه وسببًا لا يتجاوزه؛ ا.
هـ
شعرًا:
عليكم بتقوى الله لا تتركونها
فإن التقى أقوى وأولى وأعدلُ
لباس التقى خيرُ الملابس كلها
وأبهى لباسًا في الوجود وأجملُ
فما أحسن التقوى وأهدى سبيلها
بها ينفع الإنسان ما كان يعملُ
فيا أيها الإنسان بادِر إلى التقى
وسارِع إلى الخيرات ما دمت ممهل
وأكثر من التقوى لتَحمَد غبَّها
بدار الجزاء دار بها سوف تنزل
وقدِّم لما تقدم عليه فإنما
غدًا سوف تجزى بالذي سوف تفعل
وأحسِن ولا تُهمل إذا كنت قادرًا
فأنت عن الدنيا قريبًا سترحل
وأدِّ فروض الدين وأتْقِن أداءها
كوامل في أوقاتها والتنفل
وسارع إلى الخيرات لا تُهملنَّها
فإنك إن أهملت ما أنت مهمل
ولكن ستُجزى بالذي أنت عاملٌ
وعن ما مضى عن كل شيء ستُسأل
ولا تَلهك الدنيا فربُّك ضامن
لرزق البرايا ضامن متكفل
ودنياك فاعبُرها وأخراك زدْ لها
عمارًا وإيثارًا إذا كنت تعقل
فمن آثَر الدنيا جهولٌ ومن يبِع
لأخراه بالدنيا أضل وأجهل
ولذاتها والجاه والعز والغنى
بأضدادها عما قليل تبدل
فمن عاش في الدنيا وأطال عمره
فلا بد عنها راغمًا سوف ينقل
وينزل دارًا لا أنيس له بها
لكل الورى منهم معاد وموئل
ويبقى رهينًا بالتراب بما جنى
إلى بعثه من أرضه حين ينسل
يهال بأهوال يشيب ببعضها
ولا هول إلا بعده الهول أهول
وفي البعث بعد الموت نشر صحائف
وميزان قسط طائش أو مثقل
وحشر يشيب الطفل منه لهوله
ومنه الجبال الراسيات تزلزل
ونار تلظَّى في لظاها سلاسل
يغل بها الفجار ثم يسلسل
شراب ذوي الإجرام فيها حميمها
وزقومها مطعومهم حين يؤكل
حميم وغسَّاق وآخر مثله
من المهل يغلي في البطون ويشعل
يزيد هوانًا من هواها ولا يزل
إلى قعرها يهوي دوامًا وينزل
وفي ناره يبقى دوامًا معذبًا
يصيح ثبورًا ويحه يتولول
عليها صراط مدحض ومزلة
عليه البرايا في القيامة تحمل
وفيه كلاليب تعلق بالورى
فهذا نجا منها وهذا مخردل
فلا مذيب يفديه ما يفتدي به
وإن يعتذر يومًا فلا العذر يقبل
فهذا جزاءُ المجرمين على الرَّدى
وهذا الذي يوم القيامة يحصل
أعوذ بربي من لظى وعذابها
ومن حال من يهوي بها يتجلجل
ومن حال من في زمهرير معذَّب
ومن كان في الأغلال فيها مكبل
وجنات عدن زُخرفت ثم أُزلفت
لقوم على التقوى دوامًا تبتل
بها كل ما تَهوى النفوس وتشتهي
وقرة عين ليس عنها ترحل
ملابسهم فيها حريرٌ وسندسٌ
وإستبرق لا يعتريه التحلل
ومأكولهم من كل ما يشتهونه
ومن سلسبيل شربهم يتسلسل
وأزواجهم حورٌ حسان كواعبُ
على مثل شكل الشمس بل هو أشكل
يطاف عليهم بالذي يشتهونه
إذا أكلوا نوعًا بآخر بدلوا
فواكهها تدنو إلى من يريدها
وسكانها مهما تَمنوه يحصل
وأنهارها الألبان تجري وأعسل
تناولها عند الإرادة يسهل
بها كل أنواع الفواكه كلها
وخمر وماء سلسبيل معسل
يقال لهم طبتم سلمتم من الأذى
سلام عليكم بالسلامة فادخلوا
بأسباب تقوى الله والعمل الذي
يحب إلى جنات عدن توصلوا
إذا كان هذا والذي قبله الجزاء
فحق على العينين بالدمع تهمل
وحق على من كان بالله مؤمنًا
يقدم له خيرًا ولا يتعلل
وأن يأخذ الإنسان زادًا التقى
ولا يسأم التقوى ولا يتململ
وإن أمام الناس حشر وموقف
ويوم طويل ألف عام وأطول
يا لك من يوم على كل مبطلٍ
فضيع وأهوال القيامة تعضل
تكون به الأطواد كالعهن أو تكن
كثيبًا مهيلًا أهيلًا يتهلهل
به ملة الإسلام تقبل وحدها
ولا غيرها من أي فيبطل
به يسألون الناس ماذا عبدتموا
وماذا أجبتم من دعا وهو مرسل
حساب الذي ينقاد عرض مخفف
ومن ليس منقادًا حساب مثقل
ومن قبل ذاك الموت يأتيك بغتةً
وهيهات لا تدري متى الموت ينزل
كؤوس المنايا سوف يشربها الورى
على الرغم شبان وشيب وأكهل
حنانيك بادرها بخير فإنما
على الآلة الحدباء سريعًا ستحمل
إذا كنت قد أيقنت بالموت والفنا
وبالبعث عما بعده تغفل
أيصلح إيمان المعاد لمنصف
وينسى مقام الحشر من كان يعقل
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى
أين لي يوم الجزاء كيف تفعل
أترضى بأن تأتي القيامة مفلسًا
على ظهرك الأوزار بالحشر تجمل
إلهي لك الفضل الذي عمم الورى
وجود على كل الخلقية مُسبل
وغيرُك لو يملك خزائنك التي
تزيد مع الإنفاق لا بد يبخل
وإني بك اللهم ربي لواثقٌ
وما لي بباب غير بابك مدخل
وإني اللهم لك بالدين مخلصًا
وهمي وحاجاتي بجودك أنزل
أعوذ بك اللهم من سوء صنعنا
وأسألك التثبيت أخرى وأول
إلهي فثبتني على دينك الذي
رضيت به دينًا وإياه تقبل
وهب لي من الفردوس قصرًا مشيدًا
ومن بخيرات بها أتعجل
ولله حمد دائم بداومه
مدى الدهر لا يفنى ولا الحمد يكمل
يزيد على وزن الخلائق كلها
وأرجح من وزن الجميع وأثقل
وإني بحمد الله في الحمد أبتدي
وأنهي بحمد الله قولي وأبتدي
صلاةً وتسليمًا وأزكى تحيةً
تعم جميع المرسلين وتشمل
وأزكى صلاة الله ثم سلامه
على المصطفى أزكى البرية تنزل
آخر:
مطالب الناس في دنياك أجناس
فاقصد فلا مطلب يبقى ولا ناس
وارضَ القناعة مالًا والتقى حسبًا
فما على ذي تقىً من دهره باس
وإن علتك رؤوس وازدرتك ففي
بطن الثرى يتساوى الرجل والراس
آخر:...
عليك بتقوى الله واقتنع برزقه
فخير عباد الله من هو قانع
ولا تلهك الدنيا ولا طمع لها
فقد يهلك المغرور فيها المطامع
وصبرًا على نوبات ما ناب واعترف
فما يستوي حر صبور وجازع
أعاذل ما يغني الثراء عن الفتى
إذا حشرجت بالنفس منه الأضالعُ
آخر:
لله قوم أطاعوا الله خالقهم
فآمنوا واستقاموا مثل ما أُمروا
والوجد والشوق والأفكار قوتُهموا
ولازموا الجد والإدلاج في البكر
وبادروا لرضا مولاهموا وسعوا
قصد السبيل إليه سعي مؤثمر
وشمروا واستعدوا وَفق ما طلبوا
واستغرقوا وقتهم في الصوم والسهر
وجاهدوا وانتهوا عما يباعدهم
عن بابه واستلانوا كل ذي وعر
جنات عدن لهم ما يشتهون بها
في مقعد الصدق بين الروض والزهر
لهم من الله ما لا شيء يَعدله
سماع تسليمه والفوز بالنظر
اللهم وفِّقنا توفيقًا يقينًا عن معاصيك، وأرشدنا إلى السعي فيما يرضيك، وأجرنا يا مولانا من خزيك وعذابك، وهَبْ لنا ما وهبته لأوليائك وأحبابك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.