يجانبنا في الحب من لا نجانبه
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
يُجانِبُنَا في الحُبّ مَنْ لا نُجَانِبُهْ، | وَيَبْعَدُ مِنّا في الهَوَى مَنْ نُقَارِبُهْ |
وَلاَ بُدّ مِنْ وَاشٍ يُتَاحُ على النّوَى، | وَقَدْ تَجلُبُ الشيءَ البَعيدَ جَوالِبُهْ |
أفي كلّ يَوْمٍ كاشحٌ مُتَكَلِّفٌ، | يَصُبُّ عَلَينا، أوْ رَقيبٌ نُرَاقِبُهْ |
عَنَا المُسْتَهَامَ شَجْوُهُ وَتَطَارُبُهْ، | وَغَالَبَهُ مِنْ حُبّ عَلْوَةَ غَالِبُهْ |
وأصْبَحَ لا وَصْلُ الحَبيبِ مُيَسَّراً | لَدَيْهِ، وَلاَ دارُ الحَبيبِ تُصَاقِبُهْ |
مُقِيمٌ بأرْضٍ قَدْ أبَنّ مُعَرِّجاً | عَلَيْهَا، وَفي أرْضٍ سِوَاهَا مآرِبُهْ |
سَقَى السّفحَ من بَطْياسَ فالجيرَةِ التي | تَلي السّفحَ، وَسميٌّ، دِرَاكٌ سَحَائبُهْ |
فَكَمْ لَيلَةٍ قَدْ بِتّها ثَمّ نَاعِماً، | بعَيْنَيْ عَليلِ الطّرْفِ بِيضٍ تَرَائِبُهْ |
مَتَى يَبدُ يَرْجِعْ للمُفِيقِ خَيَالُهُ، | وَيَرْتَجِعِ الوَجْدَ المُبَرِّحَ وَاهِبُهْ |
وَلَمْ أنْسَهُ، إذْ قَامَ ثَانيَ جِيدِهِ | إليّ، وإذْ مالَتْ عليّ ذَوَائِبُهْ |
عِنَاقٌ، يَهُدُّ الصّبرَ وَشكُ انقِضَائِهِ، | وَيُذكي الجَوَى أو يسكبَ الدّمعَ ساكبُه |
ألا هَلْ أتَاهَا أنّ مُظْلِمَةَ الدّجَى | تَجَلّتْ، وأنّ العَيشَ سُهّلَ جانِبُهْ |
وأنّا رَدَدْنا المُستَعَارَ مُذَمَّماً | على أهْلِهِ، واستَأنَفَ الحَقَّ صَاحبُهْ |
عَجِبتُ لهَذا الدّهرِ أعْيَتْ صُرُوفُهُ، | وَمَا الدّهرُ إلاّ صَرْفُهُ، وَعَجَائِبُهْ |
مَتَى أمّلَ الدّيّاكُ أنْ تُصْطَفَى لَهُ | عُرَى التّاجِ، أوْ تُثْنى عَلَيهِ عَصَائِبُهْ |
فكَيفَ ادّعَى حَقَّ الخِلاَفَةِ غَاصِبٌ | حَوَى دونَهُ إرْثَ النّبيّ أقَارِبُهْ |
بكَى المِنْبَرُ الشّرْقِيُّ إذْ حاذ فَوْقَهُ، | على النّاسِ، ثَوْرٌ قَد تَدَلّتْ غَبَاغِبُهْ |
ثَقِيلٌ على جَنْبِ الثّرِيدِ، مُرَاقِبٌ | لشَخْصِ الخِوَانِ يبتدي، فيُواثِبُهْ |
إذا ما احتَشَى من حاضرِ الزّادِ لم يُبَلْ | أضَاءَ شِهَابُ المُلْكِ أوْ كَلَّ ثَاقِبُهْ |
إذا بَكَرَ الفَرّاشُ يَنْثُو حَديثَهُ، | تَضَاءَلَ مُطْرِيهِ، وأطنَبَ عائِبُهْ |
تَخَطّى إلى الأمْرِ الذي لَيسَ أهْلَهُ، | فَطَوْراً يُنَازِيهِ وَطَوْراً يُشَاغِبُهْ |
فَكَيْفَ رأيْتَ الحَقّ قَرّ قَرَارُهُ، | وَكَيْفَ رأيتَ الظّلمَ آلَتْ عَوَاقِبُهْ |
ولم يكن المغتر بالله إذ سرى | ليعجز والمعتز بالله طالبه |
رمى بالقضيب عنوة وهو صاغر | وعرى من برد النبي مناكبه |
وقد سرني إن قيل وجه مسرعاً | إلى الشرق تحدى سفنه وركائبه |
إلي كسكر خلف الدجاج ولم تكن | لتنشب إلا في الدجاج مخالبه |
له شبه من تاجويه مبين | ينازعه أخلاقه ويجاذبه |
وما لحية القصار حين تنفشت | بجالبة خير على من يناسبه |
يجوز ابن خلاد على الشعر عنده | ويضحى شجاع وهو للجهل كاتبه |
فأقسمت بالبيت الحرام ومن حوت | أباطحه من محرم وأخاشبه |
لَقَدْ حَمَلَ المُعْتَزُّ أُمّةَ أحمَدٍ | على سَنَنٍ يَسرِي إلى الحَقّ لاحبُهْ |
تَدارَكَ دينَ الله، مِنْ بَعدِ ما عَفَتْ | مَعَالِمُهُ فينَا، وَغَارَتْ كَواكِبُهْ |
وَضَمّ شَعاعَ المُلْكِ، حتّى تَجَمّعَتْ | مَشَارِقُهُ مَوْفُورَةً، وَمَغَارِبُهْ |
إمَامُ هُدًى يُرْجَى وَيُرْهَبُ عَدْلُهُ، | وَيَصْدُقُ رَاجِيهِ الظّنُونَ وَرَاهِبُهْ |
مُدَبِّرُ الدُنيَا أمْسَكَتْ يَقَظَاتُهُ | بآفَاقِهَا القُصْوَى، وَمَا طَرّ شَارِبُهْ |
فَكَيْفَ، وَقَدْ ثَابَتْ إلَيْهِ أنَاتُهُ، | وَرَاضَتْ صِعَابَ الحَادِثَاتِ تَجَارِبُهْ |
وأبيَضَ مِنْ آلِ النّبيّ، إذا احتَبَى | لساعَةِ عَفْوٍ، فالنّفُوسُ مَوَاهِبُهْ |
تَغَمّدَ بالصّفحِ الذُّنُوبَ وأسجَحَتْ | سَجاياهُ في أعدائِهِ وَضَرَائِبُهْ |
نَضا السّيفَ حتّى انقادَ مَن كانَ آبياً، | فَلَمّا استَقَرّ الحَقُّ شِيمَتْ مَضَارِبُهْ |
وَمَا زَالَ مَصْبُوباً على مَنْ يُطيعُهُ | بفَضْلٍ، وَمَنْصُوراً على مَنْ يُحَارِبُهْ |
إذا حَصَلَتْ عُلْيا قُرَيْشٍ تَنَاصَرتْ | مآثِرُهُ في فَخْرِهِمْ، وَمَنَاقِبُهْ |
لَهُ مَنْصِبٌ فيهِمْ مَكِينٌ مَكَانُهُ، | وَحَقٌّ عَلَيْهِمْ لَيسَ يُدفَعُ واجِبُهْ |
بكَ اشتدّ عظمُ الملكِ فيهمْ فأصْبَحَتْ | تَقِرُّ رَوَاسِيهِ، وَتَعْلُو مَرَاتِبُهْ |
وَقَدْ عَلِمُوا أنّ الخِلاَفَةَ لمْ تَكُنْ | لتَصْحَبَ إلاّ مَذْهَباً أنْتَ ذاهِبُهْ |