هبيه لمنهل الدموع السواكب
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
هَبيهِ لمُنْهَلّ الدّموعِ السّوَاكِبِ، | وَهَبّاتِ شَوْقٍ في حَشاهُ لَوَاعِبِ |
وَإلاّ، فَرُدّي نَظرَةً فيه تَعْجَبي | لِما فيهِ، أوْ لا تَحفِلي للعَجائِبِ |
صَدَدْتِ وَلم يَرْم الهوَى كَشحَ كاشحٍ، | وَبِنتِ وَلمْ يَدْعُ النّوى نَعبُ نَاعِبِ |
فَلا عارَ إنْ أجْزَعْ، فهَجرُكِ آل بي | جَزُوعاً، وَإنْ أُغْلَبْ، فحبُّكِ غالبي |
وَما كنتُ أخشَى أنْ تكون منيّتي | نَوَاكِ، وَلا جَدوَاكِ إحدى مَطالبي |
أما وَوُجُوهِ الخَيلِ، وَهيَ سَوَاهمٌ، | تُهَلْهِلُ نَقْعاً في وُجُوهِ الكتائِبِ |
وَغُدْوَةِ تَنّينِ المَشارِقِ، إن غَدا، | فَبَثّ حَرِيقاً في أقاصِي المَغارِبِ |
وِهَدّةِ يَوْمٍ لابنِ يُوسُفَ أسمَعَتْ | منَ الرّومِ ما بَينَ الصّفا فالأخاشِبِ |
لقَد كانَ ذاكَ الجأشُ جأشَ مُسالمٍ، | على أنّ ذاكَ الزّيّ زِيّ مُحَارِبِ |
مَفَازَةُ صَدْرٍ لوْ تَطَرّقَ لَمْ يَكُنْ | لِيَسْلُكَهَا فَرْداً سلَيْكُ المَقَانِبِ |
تَسرّعَ حَتى قال مَنْ شَهِد الوَغى: | لِقاءُ أعَادٍ أمْ لِقَاءُ حَبَائِبِ |
ظَللْنَا نُهَدّيهِ، وَقَدْ لَفّ عَزْمُهُ | مَدِينَةَ قِسْطَنْطِينَ، من كلّ جانبِ |
تلَبثْ، فَما الدّرْبُ الأصَمُّ بمُسْهَلٍ | إلَيْها، وَلا مَاءُ الخَلِيجِ بِنَاضِبِ |
وَصَاعِقَةٍ مِن كفه يَنْكفي بهَا | على أرْؤسِ الأقْرَانِ خَمْسُ سحائبِ |
يكادُ النّدَى منْها يَفِيضُ على العِدَى | مع السيف في ثِنْيَيْ قَناً وَقَوَاضِبِ |
أمَا وَابْنِهِ يوْمَ ابنِ عَمْروٍ لقد نهَى | عَنِ الدّينِ يوْماً مُكْفَهِرَّ الحَواجِبِ |
لوَى عُنُقَ السيْلِ الذي انحَطّ مُجْلِباً، | لِيَصْدَعَ كَهْفاً، في لُؤيّ بنِ غالِبِ |
وَقَدْ سارَ في عَمْرِو بنِ غُنمِ بنِ تغلِبٍ، | مَسيرَ ابنِ وَهْبٍ في عَجاجَةِ رَاسِبِ |
سَقَيْتَهُمُ كَأساً سَقاهُمْ ذُعافَهَا | كَنِيُّكَ في أولى السّنينَ الذّوَاهِبِ |
وَنَفّسْتَ عن نَفْسِ الظَّلومِ، وقد رَأتْ | مَنِيّتَها بَينَ السّيوفِ اللَوَاعِبِ |
مَنَنْتَ عَلَيْهِ، إذْ تَقَلّبَتِ الظُّبَى | عَلَيْهِ، وَزِيدَ مِنْ قَتيلِ وَهَارِبِ |
وَنهْنَهْتَ عنْهُ السْيفَ فارْتدّ نَصْلُهُ | كَلِيلَ الشّذا عَنْهُ حَرْونَ المضَارِبِ |
أتَغْلِبُ، ما أنْتُمْ لنا مِثْلَنا لَكُمْ، | ولا الأمْرُ فِيما بيْنَنا بِمُقارِبِ |
تُهِبّونَ نَكْبَاءً لَنا، وَرِيَاحُنَا | لَكُمْ أرَجٌ مِنْ شَمْألٍ وَجنائِبِ |
وكَأيِنْ جحَدتمْ، مِن أيادي محَمّدٍ، | كَوَاكِبَ دَجْنٍ مِن لُهىً وَمَوَاهِبِ |
وَمِنْ نائِلٍ مَا تدّعي مِثلَ صَوْبِهِ، | إذا جادَ، أكْبادُ الغَمامِ الصّوَائِبِ |
ألمْ تَسْكُنوا في ظِلّهِ فَتُصَادِفُوا | إجَارَةَ مَطْلُوبٍ، وَرَغْبَةَ طالِبِ |
ألمْ تَرِدُوهُ، وَهْوَ جَمٌّ، فلمْ تَكُنْ | غُرُوبُكُمُ في بَحْرِهِ بِغَرَائِبِ |
وَيُحجَبُ فيكُمْ عَبْدُهُ، وَهْوَ بارِزٌ | تُناجُونَهُ بالعِيّن، من غيرِ حاجِبِ |
وَيغدو عليكم، وَهْوَ كاتِبُ نَفْسِهِ، | وَنِعْمَتُهُ تَغدو على ألْفِ كاتِبِ |
لأقْشَعَ عن تِلكَ الوُجوهِ سَوَادَهَا، | وَأمْطَرَ في تِلكَ الأكُفّ الشّوَاحِبِ |
بَلى، ثَمَّ سَيْفٌ ما يُجاوِزُ حَدُّهُ | ظُلامَةَ َظلامٍ، ولا غَصْبَ غاصِبِ |
لَهُ سُخطُكُمْ، وَالأمرُ في دونهِ الرّضَا، | وَرَغْبَتُكُمْ في فَقْدِ هَذي الرّغائِبِ |
يَدُ الله كانتْ فَوْقَ أيديكُمُ، الّتي | أرَدْنَ بهِ ما في الظّنونِ الكَوَاذِبِ |
فَجَاءَ مجيءَ الصّبْحِ، يجْلو ضبابه، | منَ البٍعي، عنْ وَجْهٍ رَقيقِ الجوَانبِ |
يُزجّي التّقى، من هَدْيِهِ وَاعتِلائِهِ، | سَكِينَةَ مَغْلُوبٍ، وَأوْبَةَ غالِبِ |
أسألَ لكُمْ عْفْواً رأيتم ذُنوبَكُمْ | غُثاءً عَلَيْهِ، وَهْوَ مِلءُ المَذانبِ |
وَلمْ يَفتْرِصْ منكُمْ فَرَائِصَ أهدفَتْ | لِبَطْشَةِ أظْفَارٍ لَهُ، وَمَخالِبِ |
وَقدْ كان فيما كانَ سُخطاً لِساخِطٍ، | وَهَيْجاً لمُهْتاجِ، وَعَتْباً لِعاتِبِ |
وفي عَفْوِهِ، لوْ تَعْلَمونَ، عُقوبَةٌ، | تُقَعْقِعُ في الأعرَاضِ، إنْ لمْ يُعاقِبِ |
ولوْ داسكُمْ بالخيْلِ دَوْسةَ مُغْضبٍ، | لَطِرْتُمْ غُباراً فوْق خُرْسِ الكَتائِبِ |
نَصَحْتُكُمُ، لوْ كان للنّصْحِ مَوضِعٌ | لَدى سامعٍ عن موْضِعِ الفهم غائبِ |
نَذيراً لكُمْ مِنْهُ بشيراً لَكُمْ بِهِ، | وَمَا ليَ في هاتَيْنِ قَوْلَةُ كاذِبِ |
فَإنْ تَسألوهُ الحرْبَ يسمحْ لكُمْ بها | جَوَادٌ، يَعُدُّ الحَرْبَ إحدى المكاسبِ |
رَكوبٌ لأعْنَاق الأمورِ، فإن يَمِلْ | بكُمْ مَذهَبٌ يُصْبِحْ كثيرَ المذاهِبِ |
مَشَى لَكُمُ مَشْيَ العَفَرْنَى، وَأنْتُمُ | تَدِبّونَ مِن جهْلٍ دَبيبَ العَقارِبِ |
إلى صامِتِيّ الكيْدِ، لوْ لمْ تكُنْ لهُ | قَريحَةُ كَيْدٍ لاكتفى بالتّجارِبِ |
عَلِيمٌ بمَا خَلْفَ العوَاقبِ، إنْ سرَتْ | رَوِيّتُهُ فَضْلاً بما في العوَاقِبِ |
وَصَيْقَلُ آراءٍ، يبِيتُ يَكُدُّهَا، | وَيَشْحَذُها شَحْذَ المُدى للنّوَائِبِ |
يُحَرِّقُ تحريق الصّوَاعِقِ ألْهِبَتْ | برَعدٍ، وَينقضُّ انقضاضَ الكواكبِ |
لَقِينا هِلالَ البُطْحِ سَعْداً لدى أبي | سَعيدٍ، وَرَيْبَ الدّهْرِ ليْس بِرَائِبِ |
شَدَدْنَا عُرَى آمالِنَا وَظُنونِنَا | بأجْوَدِ مَصْحُوبٍ، وَأنجَدِ صَاحِبِ |
تدارَكَ شمْلَ الشعرِ، وَالشعرُ شارِدُ الـ | ـشّوَارِدِ، مَرْذولٌ، غرِيبُ الغَرَائِبِ |
فَضَمّ قَوَاصِيهِ إلَيْهِ تَيَقّناً | بِأنّ قَوَافِيهِ سُلُوكُ المَناقِبِ |