يا دهرُ ما شئتَ فاصنع هان ما عظما
مدة
قراءة القصيدة :
8 دقائق
.
يا دهرُ ما شئتَ فاصنع هان ما عظما | هذا الذي للرزايا لم يدع ألما |
رزءٌ تلاقت رزايا الدهر فاجتمعت | فيه فهوّن ما يأتي وما قدما |
ما بال امُّ الليالي فيه قد حملت | فليتها وأبا أيامها عقما |
لقد تحكَّم في الدنيا فنال بها | من النواظر والأحشاء ما احتكما |
عجَّت ولا كعجيج الموقرات به | وهل تلام وهذا ظهرُها انقصما |
مضى الذي طبقتها كفُّه نعماً | فطبقتها الليالي بعده نقما |
الآن غودرت الآمال حائمة ً | وأين في الدهر منها من يبل فما؟ |
وقبَّة ُ المجد قد مالت ولا عجبٌ | فإنَّ أثبت أركان العُلى انهدما |
فلينتظم مأتماً عمرُ الزمان لمن | بالصالحات جميعاً عمرُه انتظما |
ولتحتلب عينها الدنيا لمن يدُه | كانت حلوبة جودٍ تقتل الأزما |
وكيف تسأمُ من دمعٍ تتابعه | ومن متابعة النعماء ما سئما |
في الكف ما زرعت حسن الرجاء له | إلا وأمطرها من كفّه كرما |
يا آخذاً كلَ قلبٍ في ملامته | دع الملام وشاطرني الدموعَ دما |
واقرع بلومك سمعَ الدهر حيث أتى | برنَّة ٍ تركته يشتكى الصمما |
طويتَ من يستظلُّ المعدمون به | فليت يا دهرُ قسراً ظلُّك انعدما |
هل يعلم الزمنُ الغدّار لا علما | ماذا به هجم المقدارُ لا هجما؟ |
فأيُّ رزءٍ بأيِّ الناس يكبر في | صدر الأنام سوى هذا الذي دهما؟ |
أفي ذوي الحلم فالثاوي زعيمُهم | أم في بني العلم فالثاوي أبو العلما؟ |
أم في الأنام جميعاً فالذي افتقدوا | هو الذي جمعت أبراده الأُمما؟ |
بل كلُّ ميتٍ له ثلمٌ بحوزته | لكنَّ في موته الإسلام قد ثلما |
قام النعيُ على "دار السلام"له | فقلت بعدك ليت الكون ما سلما |
ما زال بشرُك بالعفين ملتمعاً | حتى تحوَّل في أحشائهم ضرما |
وإن بكتك فلا منٌّ عليك لها | بماء جودك جاري جفنها انسجما |
هذه الدموع بقايا ماء عيشهم | من فضل ما كنت توليهم عليك همي |
إن لم تفض بك عن وجدٍ نفوسهم | فسوف بعدك من قربٍ تفيض ظما |
يا راحلاً ولسانُ الحال ينشده | وللمقال لسانٌ بالأسى انعجما |
واهاً "أبا المصطفى " ماذا يقول فمي | وما البلى منك أبقى للجواب فما |
الموت حتمٌ وإن كان المنى لك أن | تبقى ولو جاوزت أيامُك الهرما |
لكن أتقضى بحيث الشمُّ راغمة ٌ | من أزمة ٍ لم تدع في معطس شمما |
هلاّ بقيت لها في هذه السنة الـ | ـشهباء تحفظ من أمجادها الحرما |
أحين فيها اقشعر العام وانبعثت | غبراء أمحلت الغيطان والأكما |
تمضى وتتركها في عام مسغبة ٍ | فمن لها وإلى مَن تشتكي القحما |
أوقتُ موتك هذا والورى حشدت | هذي الخطوب عليها والبلا ارتكما؟ |
وددت يومك لم يجرِ القضاءُ به | لو كان للوح أنْ يستوقف القلما |
حتى تُفرِّج غمّاءَ الجدوب كما | فرَّجت من قبلها أمثالها غمما |
أشار ربُّك إرسال العذاب بها | لمّا جنوها ذنوباً تهتك العصما |
ففيِّض الماء من أنهارها وطوي | بالموت شخصك عنها والحيا انعدما |
مشت بنعشك أهلُ الأرض تحمله | فخفَّ حتى كأن لم يحملوا علما |
وما دروا رفعته من كرامته | أهل السماء على أكتافها عظما |
لم يرفعوا قدماً إلا وقد وضعتْ | من قبلهم غرُّ أملاك السما قدما |
كأنَّ نعشك محمولٌ به ملكٌ | وخلفه العالمُ الأعلى قد ازدحما |
ساروا بها وسماءُ الدمع ترسلها | لك النواظرُ مدراراً ولا سأما |
وهبَّ حين التقى ماءُ العيون على | أمرٍ نزا منه قلب الموت واضطرما |
فكنت «نوحاً» وكان الفلك نعشك والـ | ـطوفانُ فائرَ دمعٍ أغرق الأُمما |
إنْ يحملوك على علمٍ فما حملوا | إلا الركانة والأخطارَ والهمما |
أو يدفنوك على علمٍ فما دفنوا | إلا المحاسنَ والأخلاق والشيما |
أو ينفضوا الكفَّ من تربٍ به دفنوا | ميتاً فتربُك بالأفواه قد لثما |
كأنَّ قبرك فوق الأرض نجمُ سما | أو أنه في ثراه حلَّ نجمُ سما |
يا نازلاً حيث لا صوتي يلمُّ به | عليك أمُّ المعالي جزَّت اللمما |
واستوقفت بحشاها الركب في جدثٍ | يجود كفك لا بالغيث قد وسما |
نادت بشجوٍ خذو لي في حقائبكم | حشاشة ً ملئت من وجدها سقما |
قفوا بها واعقروها وانضحوا دمها | على ثرى ً أمس قد واروا به الكرما |
وقفت بعدك و"الزوراء" أنشدها | أين الذي كان للاّجين معتصما؟ |
وأين من يزهر النادي بطلعته | للزائرين ويجلو عنهم الغمما؟ |
ومن بني لقرى الأضياف دارُ عُلى | عمادُها الفخر فيه طاولت إرما |
ومن تُردُّ جميع المشكلات له | إذا القضية أعيا فصلُها الحكما |
وأين للشتوة الغبراء مَن كرماً | ما قطَّب العام إلا ثغرهُ ابتسما؟ |
وأين مَن كان للعافين يلحفها | جناحَ رحمته ما دهرُه أزما؟ |
لا فرق ما بين أقصاها إذاً نسباً | عنه وما بين أدناه له رحما |
وأين مَن ليتامى الناس كان أباً | في بره قد تساوت كلُهم قسما؟ |
في فقد آبائها لليتم ما عرفت | لكنها عرفت في فقده اليُتما |
أحببت في الله كتمان الصنيع ولا | يزداد إلا ظهوراً كلما كتما |
من كان يحلف أن لم يعتلق أبداً | إثمٌ ببردك لم يخث ولا أثما |
ألا وقتك حشا العافين صائبة ً | ولا وقاءً إذا رامي القضاء رمى |
وهو توفّيك شكر المنعمين وقد | طوَّقت حياً وميتاً جيدها نعما؟ |
بالأمس وجهك يستسقى الغمامُ به | واليوم قبرُك تستسقى به الديما |
وكنت ريَّ صداها فاستنبت لها | من ولدت بحاراً للندى فعما |
فأين مثلك تلقى الناسُ ذا كرمٍ | ومنك في حالة ما فارقوا الكرما؟ |
يا غائباً ما جرت في القلب ذكرتُه | إلا ترقرق دمعُ العين وانسجما |
لا غرو أن يعقد الإسلامُ حوزته | جميعها مأتما يورى الحشا ضرما |
فالثاكل الدينُ والمثكولُ شخصك والـ | ـناعي الهدى والمعزِّي خاتمُ العلما |
«محمدٌ حسنٌ» نظم الثناء له | فقلَّ في سلك تقواه من انتظما |
سقت ضريحك من جدواك واكفة ٌ | وطفاءُ ترضع درّاً ما الحيا فطما |
أعيذ قلبك أن يهفو به حذرٌ | على المكارم أو يغدو لها وجما |
طب في ثرى الأرض نفساً لا النديُّ خلا | من الوفود ولا عهدُ الندى انصرما |
قامت مقامك فيه فتية ٌ ضربتْ | على السماء لها علياؤها خيما |
وكيف يُظلمُ ربعٌ من عُلاك به | "أبو الأمين" سراجٌ يكشف الظلما |
بقية ٌ من أبيك «المصطفى » رفعت | به علاه وفيه مجدُه دعما |
أحبَّ قربك واستبقاه خالقُه | ركناً تطوف به الآمالُ مستلما |
وأنت يا حرم المجد المنيف عُلى ً | لا راعك الدهر واسلم للعُلى حرما |
إنْ يوحشنَّك ما من بدرك انكتما | فليؤنسنَّك من نجميه ما نجما |
لولا ابنه «المصطفى » للجود قلت شكت | من بعد إنسانها عينُ الرجاء عمى |
ندبٌ به فتح المعروفُ ثانية ً | من بعدما بأبيه أولاً حتما |
مَن يلقهِ قال هذا في شمائله | "محمدٌ صالحٌ" أن يغتدى علما |
حلوُ الخلائق في جيل لهم خلقٌ | لو مازج الكوثر الخلديَّ ما طعما |
ما شاهدتْ عظماءُ الأرض هيبته | إلا وطأطأت الأعناق والقمما |
والمشتري الحمدَ والأشرافُ أكسبها | لجوهر الحمد أغلاها به قيما |
من لو يجود لعافٍ في نقيبته | لم يقرع السنَّ في آثارها ندما |
لو قال قومٌ نرى بالجود مشبهه | لقلتُ هاتوا وعدُّوا العرب والعجما |
أستغفرُ الله إنْ شبَّهت أنمله | بالقطر منسجماً والبحر ملتطما |
نعم حكاه أخوه مَن به ظهرت | مخائلٌ من أبيه تفضح الديما |
"محمدٌ" وكفى أن الزمان لنا | عن منظرٍ حسنٍ منه قد ابتسما |
إذا بدا سمت الألحاظ ترمقه | تخاله بهلال العيد ملتثما |
من لفظه العذب إن شئت التقط درراً | أو فاقتطف زهراً أو فاقتبس حكما |
فاهتف بمن مات من أهل العلاء وقل | لولا الردى لا افتضحتم فاشكروا الرجما |
قد أطلع المجدُ في أفق العُلى قمراً | يا فرحة الشهب لو تغدو له خدما |
أمات نشر مساعيه مساعيكم | حتى انطوت مثلكم تحت الثرى رمما |
فلو رآه "زهير" في شبيبته | إذاً لفدّاه واختار الفدا هرما |
من دوحة ٍ ما نمت إلا الغصون عُلى ً | وكل غصنٍ بماء المكرمات نما |
كارم لها الغيث واستشهد لها بندى | الجواد ثم ارو كيف الغيث قد لؤما |
وفاخر البدرَ في لألاء غرَّته | وحكّم الشرف الوضاح والعتما |
واصدع بنجم العُلى "الهادي" بطلعته | دجى همومك واستكشف به الغمما |
ومن «أمين» الندى فاعقد يديك على | أوفى البريَّة في أوفى الندى ذمما |
يا اسرة المجد لا زلتم باسرتكم | عقداً على نحر هذا الدهر منتظما |
صبراً بني الحلم إنَّ الحلم منزلة ٌ | حتى لمن منكم لم يبلغ الحلما |
وحسبكم «مصطفى » العلياء فهو لكم | نعم الزعيمُ به شمل العُلى التأما |