أجل من عُلى ً ما خلتُ يرقاه فادحُ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أجل من عُلى ً ما خلتُ يرقاه فادحُ | هلالُ المعالى طوحتّه الطوائحُ |
ومن حيث لا تعلو يدُ الدهر أهبطت | إلى اللحد نجمَ الفخر فالدهر كالح |
تناوله من أفق مجدٍ لعزَّة ٍ | قد انحسرت عنها العيونُ الطوامح |
فمطلعه في مشرق المجد مظلمٌ | ومغربه في موضع اللحد واضح |
لحى الله يوماً قد أراني صباحه | تباريحَ وجدٍ للحشا لا تبارحُ |
به صاح ناعيه فأشغلت مسمعي | وقد مضَّ في قعر الحشا منه صائحُ |
وهمَّت جفوني بالبكا فملكتها | على الدمع أرجو الكذب والصدق لائح |
وقلتُ لمن ينعاه إذ جدَّ باسمه | بنوح تبيَّن باسم من أنت نائح |
بفيك الثرى لا تُسم في النعى جعفراً | فيوشك أن تجتاحَ نفسي الجوائح |
فلما أبى إلا التي تشعبُ الحشا | وإلا التي تبيضُّ منها المسائح |
جمعتُ فؤادي وانطويتُ على الجوى | على حرقٍ ضاقت بهنَّ الجوانح |
أعاذلتي عنّى خذي اللومَ جانباً | فلا أدمعي ترقى ولا الوجدُ بارح |
فلم ينسفح من عيني الدمعُ وحده | ولكنَّ كليِّ مدمعٌ منه سافح |
أصبراً وذا إنسانُ عينيَ أطبقت | على شخصه أجفانهنَّ الضرايح |
قد استلَّه من عيني الدهر بعدما | تخيلتُ أن الدهر لي عنه صافح |
بكفٍ له مدَّت إلى َّ بهيئة ٍ | بدت وهي فيها كفُّ خلٍ يصافح |
ومرَّت على وجهى فقدَّرتُ أنه | يلاطفني في مَرِّها ويمازح |
وما خلتُه يا شلَّها الله أنه | بها لسواد العين منّي ماسح |
فأطبقتُ عيني وهي بيضاءُ من عمى ً | وإنسانها حيث اشتهى الدهرُ طائح |
بمن عن ضياء العين يعتاض طرفها | فيغدو عليه وهو للجفن فاتح |
لتجرِ الليالي حيث شاءت بنحسها | فما عندها فوق الذي أنا نائح |
وماذا تريني بعدَها في مُدى الأسى | يداً لفؤادي سعدُها وهو ذابح |
أقول لركبٍ أجمعوا السيرَ موهناً | وقد نشطت للكرخ فيهم طلايح |
أقيموا فواقي ناقة ٍ من صدورها | لاودعكم ما استحفظته الجوانح |
خذوا مهجتي ثم انضحوها عقيرة ً | على جدثٍ دمعُ البلى فيه ناضح |
وقولوا لأيدٍ أحدرت فيه جعفراً | ولم تدرِ ماذا قد طوته الصفائح |
لأحدرت من قلب المكارم فلذة ً | قد انتزعتها من حشاها الفوادح |
فغير جميلٍ بعده الصبرُ للورى | ولا عيشهم لولا محمدُ صالح |
فتى الحلم لا مستثقلاً لعظيمة ٍ | تخفُ لها الأحلامُ وهي رواجح |
تدرَّع من نسج البصيرة قلبه | أضاة أسى ً لم تدّرعها الجحاجح |
وصابرها دهياء في فقد جعفرٍ | يكافح منها قلبُه ما يكافح |
ونهنه فيه زفرة عدن فوقها | حوانيَ من عبد الكريم الجوانح |
تعرّض فيها حادثُ الدهر منهما | لصليَّن من نابيهما السمُّ راشح |
ونصلين لا تمضى بيوم كريهة ٍ | مضاءهما يومَ الخصام الصفائح |
ورمحين سل قلبَ الكواشح عنهما | بما منهما في القلب تلقى الكواشح |
تجده كليماً وهو أعدلُ شاهدٍ | على جرحه والجرحُ لاشك فادح |
تسربلتها يا دهرُ شنعاءَ وسمها | لوجهك ما عمَّرت بالخزي فاضح |
عمى ً لك هل عينٌ تبيتُ وطرفها | لإنسانها بالشر أزرقُ لامح؟ |
أفق أيَّ وقتٍ فيه منك لجعفرٍ | تُفرغُ كفٌّ ليته منك طائح |
وقد شغلت في كلِّ لمحة ناظرٍ | يديك جميعاً من أبيه المنائح |
فتى ً يجد الساري على نوره هدى ً | ولو ضمَّه فجٌّ من الأرض نازح |
كأنَّ المحيّا منه والليل جانحٌ | «سهيل» لأبصار المهبّينَ لائح |
تجاوز "هادى " مجده كاهل السهى | إلى حيث ما لحظ الكواكب طائح |
وأمسى حسيناً وجه جدواه للورى | على حين وجه الدهر في الخلق كالح |
وأصبح معنى فخره مصطفى العلى | وكلٌّ لأن يقفو محمدَ صالح |
فتى في صريح المجد يُنمى لمعشرٍ | أكفُّهم أنواءُ عرف دوالح |
مضيئون ضوء الأنجم الشهب للورى | فأزجههم والشهب كلٌّ مصابح |
على أول الدهر استهل نداهم | فسالت به قبل الغيوث الأباطح |
ومدَّ أبو المهديَّ فيه أناملاً | رواضعها صيد الملوك الجحاجح |
جرت بالنمير العذب عشر بحارها | وكل بحار الأرض عذب ومالح |
فما للندى في آخر الدهر خاتم | سواه ولا في أول الدهر فاتح |