غمضت بغتة ً جفونُ الفناءِ
مدة
قراءة القصيدة :
7 دقائق
.
غمضت بغتة ً جفونُ الفناءِ | فوق إنسانِ مقلة العلياءِ |
وله نقبّت بغاشية الحزن | محيّا الدنيا يدُ النكباء |
حمّلت وقر عبئها كاهلَ الدهـ | ـر فأمسى يرغو من الإعياء |
نكبة ٌ لم تدعْ جليداً على الوجـ | ـد ولا صابراً على اللأواء |
ليت أمّ الخطوب تعقمُ ماذا | أنتجت بغتة من الأرزاء؟ |
ولدت حين عنَّست هرماً ما | لم تلدْ مثله بوقت الصباء |
فأصابت يداه في حرم المجدِ | فؤادَ العليا بسهم القضاء |
فقضت نحبها، وغيرُ عجيبٍ | قد اُصيبت بأرأس الأعضاء |
يا صريعَ الحمام صلى عليك | الله من نازلِ بربع الفناء |
وسقى منه تربة ً ضمنت جسمَـ | ـك غيث الغفران والنعماء |
فحقيرٌ نوءُ الجفون وما قد | رُ جفون السحاب والأنواء |
أين عيس المنون فيك استقلت | بالحصيف المضفّر الآراء |
ذهبت في معرس السفرِ جوداً | وروى حوَّم الأماني الظماء |
نعم ربُّ النديِّ حلماً إذا النكـ | ـباءُ طارت بحوبة الحلماء |
نعم ربُّ الحجى إذا أكل الطيـ | شُ حجى الحازمين في اللأواء |
نعم ربُّ الندى إذا كسع الشولُ | بأغبارِها عيالَ الشتاء |
نعم ربُّ القِرى إذا هبَّت الريـ | ـح شمالاً في الشتوة الغبراء |
نعم ربُّ الجفان ليلة َ يُمسى | بضياهنَّ مقمرُ الظلماء |
يا عفاء الأنام شرقاً وغرباً | دونكم فاحتبوا بثوب العفاء |
واقصروا أعينَ الرجاء قنوطاً | مَن إليه تمتدُّ في البأساء؟؟ |
وانحبوا عن حريق وجدٍ لمن كا | ن عليكم أحنى من الآباء |
"يستقلُ الحبا لكم إن وفدتم | ولو المشرقان بعضُ الحباء» |
لو بكته عيونكم وأفضن الأ | بحرُ السبع والحيا في البكاء |
لم تفوّه معشارَ ما قد أفاضت | لكم راحُ كفه البيضاء |
رحّلوا العيسَ قاصدين ضريحا | فيه ما فيه من على َ وسخاء |
واعقروا عنده وجلَّ عن العقر | قلوباً مطلولة السوداء |
جدثٌ ماء عيشكم غاض فيه | فانضحوا فوقه دمَ الأحشاء |
حلَّ فيه من قد كفى آدماً في | غيث جدواه عيلة الأبناء |
«ليت شعري أنّى دنا الموت منه | وهو في ربع عزّة ٍ قعساء» |
«هل أتاه مسترفداً حين أعطى | ما حوته يداه للفقراء» |
ودَّت المكرماتُ أن تفتديه | ببينها الماجد الكرماء |
هم مكانُ الجفون منها ولكن | هو في عينها مكان الضياء |
وهم في الحياة موتى ولكن | هو ميتٌ يعدّ في الأحياء |
فحبا نفسَه الردى إذ أتاه | مستميحاً يمشي على استحياء |
بعد ما عاشت العفاة زماناً | من نداه في أسبغ النعماء |
علمت فقرَها إليه ولم تعلم | إليه الردى من الفقراء |
ياعقيدي على الجوى كبر الخطـ | ـبُ فاهون بالدمعة البيضاء |
أجرِ من ذوب قلبك الدمعة الحمـ | ـراء حزناً في الوجنة الصفراء |
عودُ صبري من اللحا قد تعرّى | فانبذ الصبرَ لوعة ً في العراء |
إن تلسني عن ظلمة الكون لمّا | حُلن أنوارَ أرضه والسماء |
فهو أَثوابُ ليل حزن دجاه | طبّق الخافقين بالظلماء |
قد خفقن النجوم منه بجنحٍ | سامَ أنوارَهن بالإطفاء |
ولبدر الغبراء حال أخوه | بدرُ أهل الغباء والخضراء |
وإلى الشمس قد نعوه فماتت | جزعاً من سماع صوت النعاء |
وله غصَّ بالمصاب ولمّا | يتنفس حتى قضى ابن ذُكاء |
وقف المجد ناشداً يومَ أودى | شاحبَ الوجه كاسف الأضواء |
هل ترى صالحاً على الأرض لما | غاب فيها المهديُّ بدر العلاء |
قلت خفّض عليك من عظم الأمـ | ـر ونهنه من لوعة البرحاء |
ليس إلا محمدٌ صالحٌ يوجد | في الأرض من بني حواء |
في التقى والصلاح والزهد والخشـ | ـية والنسك بل وحسن الرجاء |
هي في العالمين أجزاء لكن | هو كلٌّ لهذه الأجزاء |
وبيوم المعاد لو لقَى الخلـ | ـقَ بأعماله إلهُ السماء |
كان حقاً أن يعدم النار إذ ليس | نصيبٌ للنار في الأتقياء |
ليس ينفكّ للجميل قريباً | وبعيداً عن خطة الفحشاء |
ومهاباً له على أعين الدهر | قضى الكبرياءَ بالإغضاء |
وبليغاً قد انتظمن معانيـ | ـه بسلك الإعجاز للبلغاء |
وفصيحاً بنطقه يخرس الدهـ | ـرَ فما قدرُ سار الفصحاء |
فارسُ المشكلات إن ندبوه | لبيان المقالة العوصاء |
فهو من غرِّ لفظه يطعن الثغـ | ـرة َ منه بالحجة البيضاء |
واحدُ الفضل ماله فيه ثانِ | غير عبد الكريم غيث العطاء |
بعقود الثناء فخراً تحلّى | وتحلَّت به عقودُ الثناء |
الذكيُّ الذي إذا قمتَ أهلَ الـ | ـفضل فيه كانوا من الأغبياء |
والمصلّى للمجد خلف أخيه | في سباق الأشباه والنظراء |
ضربا في العُلى بعرقٍ كريمٍ | واحدٍ دون سائر الأكفاء |
ينتمي كلُّ واحدٍ منهما عنـ | ـد انتساب الأبناء للآباء |
للكرام الأكفِّ تحسب فيهنَّ | يذوب الغمامُ يوم السخاء |
معشرُ المجد، شيعة الشرف البا | ذخ، بيضُ الوجوه خضر الفِناء |
قد حباهم محمدٌ بجميل الـ | ـذكر إذ كان صالح الأنباء |
يقظُ القلب في حياطة دين اللّـ | ـه حتى في حالة الإغفاء |
ذو يمين بيضاء لم تتغيَّرْ | بأثام البيضاء والصفراء |
يا عليماً يصيب شاكلة الغيـ | ـب بتسديد أسهم الآراء |
وكظيماً للحزن يطوى حشاه | جلداً فوق زفرة ٍ خرساء |
لك ذلّت عرامة الدهر حتى | لك أمسى يُعدُّ في الوصفاء |
ملكت رقّه يمينك فالعا | لم من رقّه من العتقاء |
ولئن قد أساء فالعبدُ للمو | لى مسيءٌ جهلاً بغير اهتداء |
أنتَ أطلقت أسر أعوامه الغبـ | ـر من الجدب بالندى والسخاء |
فجنى ما جنى ، وغير عجيبٍ | إنما السوء عادة الطلقاءِ |
ولئن كان مسخطاً لك بالأمـ | ـسِ بهذي المصيبة الصّماء |
فلك اليوم في محمدٍ الندب | الرضا عنه فهو أعلى الرضاء |
ذو محيّاً كالبدر يقطر منه | مثل طلّ الأنداء ماءُ الحياء |
وعلاءٍ هي السماءُ، مساعيـ | ـه نجومٌ لألاؤها بالضياء |
ومزاياً لم أرض نظميَ فيها | ولو أنَّي نظمتُ شهبَ السماء |
أو فمُ الدهر كنتُ فيه لساناً | ناطقاً ما بلغتُ بعض الثناء |
دون أحصائها الكلامُ تناهى | فغدت مستحيلة الأحصاء |
تيَّمت قلبه حسانُ المعالي | بهواهنَّ، لا حسانُ الظباء |
وعلى الخلقَ خلقُه فاض بالبشـ | ـر فأزرى بالروضة الغنّاء |
خُلقٌ شفَّ، فالهواء كثيفٌ | عنده إن قرنته بالهواء |
أرضعته العلاءُ ثدياً وثدياً | رضِع المصطفى ابنُ أمِّ العلاء |
فهما في الزمان يقتسمان الـ | ـفخرَ دون الورى بحظٍ سواء |
ألفت نفسُه السماحَ فتيّاً | بُوركا من فتوة ٍ وفتاء |
وحوى الفضلَ يافعَ السنّ لمّا | فات شوطَ المشايخ العظماء |
يا رحابَ الصدور في كل خطبٍ | وثقالَ الحلوم عند البلاء |
لن تضلوا السبيلَ والبدرُ هادٍ | لكم في دجنَّة الغمّاء |
وأخوه محمدٌ حلمكم فيه | حسينَ رأسٍ لدى النكباء |
ولكم أوجهٌ بكل مهمٍّ | ليس منها يحول حسنُ الثناء |
ونفوسٌ إذا التقت بالرزايا | غير مضعوفة القوى باللقاء |
وكملس الصفا قلوبٌ لدى الخطـ | ـب بها رنَّ مقطعُ الأرزاء |
إن أسمكم حسنَ الأسى ولأضعا | ف أساكم تضمَّنت أحشائي |
فلكم بعضكم ببعضٍ عزاءٌ | ولنا فيكم جميل العزاء |