باتت تروِّحني بنشرِ عبيرها
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
باتت تروِّحني بنشرِ عبيرها | بيضاءُ تطوي النّيرينِ بنُورِها |
وجلت عليَّ مدامة َ بمفاصلي | منها وجدتُ فُتورَ عين مُديرِها |
ورأيتُ شُعلة خذٍّها في كأسها | قد أوجستها مهجني بضميرها |
وغدت تفاكهني عشيَّة أقبلت | بفنونِ دلٍّ بتُّ طوعَ غُرورها |
فرَنت بناظرتي عقيلة ِ رَبربِ | بَكرت تربعُ إلى بِطافِ غديرها |
ودنت إليَّ وأسفرت عن وجنة ٍ | حسداً تموت الشمسُ عند سفورها |
وصفت لعيني في بدايعِ حسنِها | خورَ الجنانِ فحلتُها من حورها |
ثم انثنت خجلاً تصدُّ بمقلة ٍ | سرقت من الآرام لحظَ غريرها |
وتبسَّمت سرّاً فأومضَ بارقٌ | لعذيب مبسمها قضى بسرورها |
فأضاءَ ليلة َ وصلِها حتّى غدت | لا فرقَ بين عشيِّها وبُكورها |
فتغيّرت خوفَ الرقيبِ، لعلمها | بمكانِها منّي، يشي لغيورها |
فتسترت بظفائرٍ لو تحتها | سرت الكواكبُ ما اهتدت لمسيرها |
باتت ترفرفُ بين أنفاسِ الصَبا | وتضوعُ بين ورودِها وصُدورِها |
حتّى لقد حَمِلت شذاً من عرفِها | أشفقت تعرفه الورى بعبيرها |
فوددتُ أقطع كفَّ ما شطة ِ الصبا | كي لا ترجِّل شعرها بمرورها |
ولئن ظننتُ على النسيم بها فلا | عجبٌ ولو وافى بوقتِ هجيرها |
فبمقلتي لو لم أخف إنسانَها | لحجبتُها عن لحظِ عينِ سميرها |
وكذبتُ ما في العين إنسانٌ ولا | في العالمينَ صغيرِها وكبيرها |
من أين إنسانٌ لعيني غيرُها | والناس غير أبي الحسينِ أميرها |
ألها أميرٌ في البلاغة ِ غيره | وبها تشير إليهِ كفُّ مشيرها |
ولئن إليه غدَت تشيرُ فإنّها | ما أدركتهُ بفكرِها لقصورِها |
بل عين فكرتِها رأت إنسان عـ | ـين زمانه في نوره لا نورها |
فرأت مناقبَ منه «فاروقيّة » | ما أن تزيّنتِ السما بنظيرها |
ومآثراً "عُمرّية َ" بقليلها | كثرت عداد الشهبِ لا بكثيرها |
وخلائقاً رشفت سُلافَتها الورى | فغدت بها سَكرى ليومِ نشورها |
هيهاتَ بنتُ الكرمِ منها إنّها | بنتُ المكارمِ قد ذكت بعبيرها |
محلوبة ً من كرمِها مشمولة ً | بنسيمِها ممزوجة ً بنميرها |
نَفَحت بعارفة ٍ عليَّ خطيرة ٍ | قَدْ أفحمت منّي لسانَ شكورها |
باتت لديَّ ولست أكفرها يداً | ما للغمامِ يدٌ بفيضِ غَزيرها |
جَذَبت بضبعي فارتقيت بها على | هامِ المجرّة رافلاً بجيرها |
فلو أن أعضائي تحوَّل ألسناً | تثني عليه إلى انقطاعِ دهورها |
بقصائدٍ حبَّاتُ قلبي لفظها | وسواد أحداقي مداد سُطورها |
ما كنتُ أبلغ شكرَه فيها ولو | أنَّي ملأَت الكونَ في تحريرِها |
أم كيف أشكرهُ الصنيعة َ بالثنا | ومتى يقومُ حقيره بخطيرها |
مع أنّه مُفضٍ لما لا يَنتهي | ومن الأُمورِ به ارتكاب عسيرها |
فالحقُّ فيه أن أُحبِّر مِدحة ً | أشكره في أُخرى على تَحبيرِها |
إذ من معادن فضلِه نظَّمتُها | وبه اهتديتُ إلى التقاطِ شذورها |
هو ذاك مُنتجع الفصاحة ِ مُجتنى | ثمرِ البلاغة ِ مُستمِدُّ غزيرها |
ربُّ القوافي السائراتِ بحيثُ لم | يقطع نهاية َ سيرِها ابنُ أثيرها |
وكميُّ مِزبرة ٍ ترى لُسُنَ الضُبا | خُرساً إذ نطقت بآيِ زَبورها |
لو شاءَ يوماً ساق أرواحَ العِدى | صِلَة لموصولِ الردى بصريرها |
مَن عن لسانِ الروحِ أصبحَ ناطقاً | لا عن لسان لَبيدها وجَريرها |
بزواهرٍ نَجمتْ فأطفأ ضوؤها | شُعَلَ النجوم الزُهرِ عند ظهورها |
وكأَنَّما طبعت بمرآة ِ السما | بدلَ الكواكبِ شكلهنَّ بنورها |
لم يُنشها إلاّ عقوداً، ناثراً | لنظيمها، أو ناظماً لنَثيرها |
مِدحاً يُفضلهنَّ ما بين الورى | لنذيرها الهادي وآلِ نذيرها |
حيثُ القوافي ما برحن فواركاً | لم تُمنح الشعراءُ غير نُفورها |
واليومَ قد صارت طروقَة فحِلها | منه وقرَّ نفارُها بمصيرها |
مسكت خُطام قيادها يده وهُم | لم يَمسكوا إلاّ خطام غرورها |
وله ذكور اللفظِ دون إناثِها | ولهم إناثُ اللفظِ دون ذكورها |
لا زالَ منها ناظماً ما لم يدع | فضلاً لأولها ولا لأخيرها |