تعاليتَ من فاتحِ خاتمِ
تعاليتَ من فاتحِ خاتمِ | عليمٍ بما كانَ مِن عالمِ |
فيا صفوة َ اللهِ من هاشِم | "تخيَّرك اللهُ من آدمِ |
وآدمُ لولاكَ لم يُخلقِ» | |
بك الكونُ آنسَ منهُ مجيئا | وفيكَ غدا لا بِه مُستضيئا |
لأنَّك مد جاء طَلقاً وضيئا | "بجبهتِه كنت نوراً مُضيئا |
كما ضاءَ تاجٌ على مِفرَقِ» | |
فمِن أجلِ نورِك قد قَرَّبا | إلهُ السما آدماً واجتبى |
نعم والسجودَ له أوجَبا | «لذلك إبليسُ لمَّا أبى |
سجوداً له بعدَ طَردٍ شُقي" | |
وساعة َ أغراهُ في إفكِه | بأكلِ الذي خُصَّ في تَركِه |
عصى فنجى بك من هُلكِه | «ومَع نوح إذ كنتَ في فُلكِه |
نجى وبمن فيه لم يَغرقِ" | |
وسارة ُ في ظِلِّك المُستطيل | غداة َ غدا حمُلها مستَحيل |
باسحاقَ بشَّرهاجبرئيل | «وخلَّل نورُك صلبَ الخليل |
فباتَ وبالنارِ لم يُحرَقِ» | |
حُملتَ بصلبِ أمينٍ أمين | إلى أن بُعثتَ رسولاً مُبين |
وهل كيف تُحمَلُ في المشركين | «ومنكَ التقلُّبُ في الساجدين |
به الذكرُ أفصحَ بالمَنطِقِ» | |
بَراكَ المهيمنُ إذ لا سماء | ولا أرضَ مدحوَّة ً لا فضاء |
ومُذ خُلِقَ الخلقُ والأنبياء | «سواكَ من الرسلِ في ايلياء |
مع الروحِ والجسمِ لم يلتقِ" | |
وكلٌّ رأى الله لم يُحذِه | عُلاكَ وعلمَكَ لم يُغذِه |
فنزَّه عهدَك عن نبذِه | «فجئت من الله في أخذِه |
لك العهدَ منهُم على موثِقِ» | |
صدعتَ به والورى في عماء | فخفَّت بمجِدكَ جُندُ السماء |
ورفَّ عليك لواءُ الثناء | «وفي الحشرِ للحمدِ ذاكَ اللِواء |
على غير رأسكِ لم يخفقِ" | |
وحينَ عرجتَ لأسنا مُقام | وأدناك منهُ إلهُ الأنام |
أصبتَ بمرقاكَ أعلى المرام | «وعن غرضِ القربِ منك السهام |
لدى قابِ قوسين لم تَمرُقِ" | |
وقِدماً بنوركِ لمَّا أضاء | رأت ظلمة ُ العدمِ الإنجلاء |
فمِن فضلِ ضوئك كانَ الضياء | "لقد رَمَقت بك عينُ العماء |
وفي غيرِ نورِك لم تَرُمقِ" | |
أضاءَ سناكَ لها مُبرِقا | وقابل مرآتَها مُشرِقا |
إلى أن أشاعَ لها رَونَقا | «فكنتَ لمرآتِها زَيبَقا |
وصفوُ المرايا مِن الزَيبقِ" | |
بك الأرضُ مدَّت ليوم الورود | وأضحت عليها الرواسي رُكود |
وسقفُ السمِا شيدَ لا في عَمود | "فلولاكَ لا نطمَّ هذا الوُجود |
مِن العدمِ المحصن في مُطبِق" | |
ولولاكَ ما كانَ خَلقٌ يَعود | لذات النعيمِ وذات الوَقود |
ولا بهما ذاقَ طعمَ الخُلود | "ولا شمَّ رائحة ً للوجود |
وجودٌ بعرنين مُستنشِق» | |
ولو لم تجدك لمولودِه | أباً أمُّ أركانِ موجودِه |
إذاً عَقُمت دونَ توليده | «ولولاكَ طفلُ مواليده |
بحجرِ العناصرِ لم يَبغَقِ» | |
ولولاك ثوبُ الدجى ما انسدل | ونورُ سراجِ الضُحى ما اشتعل |
ولولاك غيثُ السما ما نزل | «ولولاك رتقُ السموات والـ |
أراضي لك الله لم يفتِقِ" | |
ففيك السماءَ علينا بَنى | وذي الأرضَ مدَّ فراشاً لنا |
فلولاك ما انحَفَظت تحتنا | "ولولاك مارفعَت فوقنا |
يدُ الله فسطاطَ إستبرق» | |
ولا كانَ بينهما من ولوج | لغيثٍ تحمَّل ماءً يموج |
ولا انتظمَ الأرض ذات الفروج | «ولا نثَرت كفُّ ذات البروج |
دنانيرَ في لوحِها الأزرق" | |
ولا سيَّر الشهبَ ذات الضياء | بنهرِ المجرَّة ِ ربُّ العَلاء |
ولا يُنش نوتيُّ زنجِ المسَاء | «ولا طافَ من فوقِ موج السماء |
هلالٌ تقوَّس كالزورقِ" | |
ولولاك وشيُ الرياض اضمحل | ولا طرَّز الطلُّ منه حُلَل |
وفيهنٌ جسمُّ الثرى ما اشتمَل | "ولولاك ما كلَّلت وجنة الـ |
ـبسيطة أيدي الحيا المُغدِق" | |
ولولاك ما فلَّت الغاديات | بأنملِ قطرٍ نواصي الفَلاة |
ولا الرعدُ ناغى جنينَ العضات | "ولا كَست السحب طُفل النبات |
من اللؤلؤ الرطبِ في بُخنُق" | |
ولا صدغُ آسٍ بدى في رُبى | على وردِ خدٍّ غَدا مُذهَبا |
ولا ربَّحت قدَّ غصنٍ صَبا | «ولا اختال نبتُ رُبى ً في قبا |
ولا راحَ يَرُفل في قرَطقِ" | |
أفضتَ نطاقَ نَدى ً دافِقات | بها اخضرَّ غَرسُ رَجا الكائنات |
فلولاك ما سالَ وادي الهبات | «ولولاك غصنُ نَقى المكرمات |
وحقِّ أياديك لم يُورِق» | |
لك الأرضَ أَنشأَ علاَّمها | وقد نُصبت لك أعلامُها |
فلولاك لم ينخفِض هامُها | «وسبعُ السمواتِ أجرامُها |
لغير عروجكِ لم تُخرَق» | |
ولولاك يُونسُ ما خُلِّصا | من الحوتِ حين دعا مُخلِصا |
وعيسى لمّا أبرءَ الأبرصا | "ولولاك مثعنجرٌ بالعصا |
لموسى بن عمرانَ لم يُفلق» | |
ولا يومُ حربٍ على الشركِ فاظ | بسيفِ هدى ً مستطيرَ الشُواظ |
ولا أنفس الكفر أضحت تفاظ | «ولولاك سوقُ عكاظِ الحفاظ |
على حوزة الدين لم يَنفُق» | |
بحبلِ الهدى كم رقابٍ رَبَقت | وكم لبني الشركِ هاماً فَلَقت |
وكم في العُروجِ حجاباً خرقت | "وأسرى بك الله حتى طرقت |
طرائق بالوهمِ لم تُطرَق» | |
لقد كنت حيثُ تَحير العقول | بشأوِ عُلى ً ما إليه وصول |
فأنزلك الله هادٍ رسول | "ورقّاك مولاك بعد النزول |
على رفرفِ حُفَّ بالنَمرق» | |
لك الله أنشا من الأُمهات | كرائم ما مثلها مُحصنات |
ومذ زُوِّجت بالكرامِ الهداة | «بمثلك أرحامها الطاهرات |
مِن النُطفِ الغُّر لم تَعلُق» | |
لحقتَ وإن كنت لم تَعنِق | بشأوٍ به الرسلُ لم تعلِق |
وأحرزتَ قِدماً مدى الأسبق | «فيا لاحقاً قطُّ لم يُسبَق |
ويا سابقاً قطُّ لم يلحق" | |
خُلقتَ لدين الهُدى باسطا | لنا، وبأَحكامه قاسِطا |
وحيثُ صعدَتُ عَلى ً شاحطا | "تصوَّبتَ من صاعدٍ هابطا |
إلى صلبِ كلِّ تقيٍّ نقي» | |
هبطَت بأمرِ العليِّ الودود | إلى عالمٍ عالم بالسعود |
ونوُرك سامٍ لأعلى الوجود | "فكان هبوُطك عينَ الصعود |
فلا زلتَ مُنحدراً ترتقي" |