نَصبَ العشقُ لعقلي شَركا
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
نَصبَ العشقُ لعقلي شَركا | مِن جعودٍ كم سبت ذا ولعِ |
ومِن الحظِ بقلبي فتكا | بسهامٍ ليتها لم تُنزعِ |
يا نَديميَّ على الوردِ الندي | مِن خدودِ الخرّدِ الغيدِ الكعابْ |
غَنّياني بِلعوبٍ بالعشيّ | ليس غيرَ العطر تدري والخضاب |
قد حوى مرشفُها العذبُ الشهي | شهدة ً قد لقّبوها برضاب |
أَطرِباني ودعا من نسكا | إنّما الجنة ُ تحتَ البرقعِ |
في محيّا ذاتِ قَدٍّ قد حكى | قمرَ التمِّ بأبهى مطلعِ |
عَلَّلاني برشُوفٍ ثغرُها | مرتوٍ خلخالُها، عطشى الوشاح |
غضة ِ الجيدِ، رهيفٍ خضرُها | لم تكن تبسم إلاّ عن أُقاح |
طَرقت زائرة ً تستُرُها | طرّة ٌ في ليلها تعمي الصباح |
بتُّ لا أجذبُها إلاّ اشتكى | خصرها ممّا تلوّى ولعي |
لفَّنا الشوقُ وقال احتبكا | بعناقٍ وبضّمٍ ممتعِ |
غادة ٌ قامتها الغصن الوريق | فوقها ريحانة ُ الفرعِ تَرِفّ |
صدغُها والخدُّ آسٌ وشقيق | فتروَّح وإذا شئتَ اقتطف |
خالُها والريقُ مسكٌ ورحيق | فتنشَّق وكما تَهوى ارتشفِ |
نصبت ألحاظُها مُعتركا | غير عُذريّ الهوى لم يجمع |
جفنُها في سيفهِ كم سفكا | من دمٍ لولا الهوى لم يَضِعِ |
معرَكٌ للشوقِ كم فيه مُقام | لأخي قلبٍ من الوجدِ صديع |
وبه كم قلَّبت أيدي الغرام | بين ألحاظِ الغواني مِن صريع |
ودعت حوراؤه: موتوا هيام | فلدينا أجرُكم ليسَ يضيع |
في سبيلِ الحبّ مَن قد هلكا | فمعي يُمسي ومَن يمسي معي |
كان في جنَّة ُ حسني مَلِكا | أين ما مدَّ يداً لم يمنعِ |
أقبلت سكرى ومِن خمرِ الصِبا | عَطَفتَها نشوة ُ الدَّلِّ عَليك |
تَسرقُ النظرة َ من عينِ الضِبا | وبلحظ فاترٍ ترنو إليك |
تخذت ماشطة ً كفَّ الصَبا | كلّما رَجّلت الجعدَ لدَيك |
نَثرت مِسكاً بذي البانِ ذكا | فسرت نفحتُّهُ في لَعلَع |
كم تستّرتُ بها فانهتكا | ذلك السترُ بطيب المضجع |
ونديمٍ لفظُه العذبُ الرخيم | كنسيمِ الورد في رقّته |
قبلَه ما خلتُ وُلدانَ النعيم | بعضُهم يُسرقُ من جَنتّهِ |
إنّما آنست يا قلبي الكليم | شُعلة ً بالكاسِ مِن وَجنتهِ |
لا تقل كيفَ من الكاس ذكا | جمرُ خديه معاً في أضلعي |
فذُكاً وهي تَحلُّ الفَلكا | أن تُقابَل بزجاجٍ تَلذعِ |
عَدِّ عن ذكرِك ربّاتِ الخدور | وأَعد لي ذكرَ أربابِ الحسب |
وأَدر راحَ التهاني والحبور | للندامى واطَّرح بنتَ العنب |
فصَبا الأفراحِ عن نَورِ السُرور | فتَّحت يا سعدُ أكمامَ الطرب |
والعُلى والمجدُ بشراً ضحِكا | في ختانٍ قال للشمسِ اطلعي |
إن يكن قطعاً ففيه اشتركا | بسرورٍ ليس بالمنقطع |
طاولُوا الشمَّ بني الشمِّ الرعان | والبسُوا الفخرَ على طولِ السنين |
ما أتمَّ المجدُ فيكم فالزمان | منكُم العليا به في كلِّ حين |
لم تلد إلاّ «غنياً» عن ختان | "وسليمٍ" عن زياداتٍ تشين |
كلُّهم في منبتِ العزّ زكا | وكطيبِ الأصل طيبُ المفرع |
من ترَى منهم تخله مَلكا | قد تراءى بشراً في المجمع |
لكم البُشرى ذوي الفخر الأغر | بسليلي أكرمِ الناسِ قبيل |
لستُ أدري أفهل أنتم أَسرّ | بَهما اليومَ أم المجدُ الأثيل |
وهل العلياءُ عيناها أقرّ | بهما أم عينُ ذي الرأي الأصيل |
مصطفى المعروف مَن لو مَلكا | حوزة َ الأقطارِ لم تتسع |
لأياديكم بها قد سمكا | مِن سماءٍ لعلاءٍ أرفع |
إن أقل: يا بدرَ مجدٍ زَهَرا | وبزعمي غاية َ المدحِ بَلغت |
قالَ لي البدرُ: كفاني مَفخرا | فبتشبيهك لي فيهم مَدحت |
أو أقل: يا بحر جودٍ زَخرا | قال لي البحر: لماذا بي سَخرت |
قستَ من لورام فخراً لا تكن | وكفى عنّي بُصغرى إصبع |
كم بها بخلَّ غيثاً فبكى | وغدا ينحبُ بالرعد معي |
واحداً في كلِّ فِضلٍ منفرد | بمزاياً في الورى لم تكنِ |
حلف الدهرُ به أن لا يلد | للعُلى مثلاً له في الزمن |
لا تخلها حِلفة َ لم تنعَقد | فَبِها استثنى له بالحسن |
ذاكَ من أُصعِدَ حتى أدركا | ذُروَة َ المجدِ التي لم تطلع |
كم من المجدِ سماءً سَمكا | لاح والشمس بها من مطلع |
ذو مزاياً سُقيتَها روضتُه | فارتوت بالعذبِ من ماءِ النُهى |
كمُلت عندَ المعالي نهضتُه | لو بها شاءَ إذاً حطَّ السُهى |
وهو الغيثُ ولكن ومضتُه | تُنبِت الشكرَ بمنهلّ اللهى |
مثلما ينبت طوراً حسكا | في عيونٍ حسداً لم تهجع |
أعينٌ ليت الكرى إن سَلَكا | بين جفنيها جَرى في الأدمع |