حيتكَ سارقة ُ اللحاظ من الظِبا
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
حيتكَ سارقة ُ اللحاظ من الظِبا | تجلو المدامَ فحيّ ناعمة َ الصِبا |
جاءتكَ تبتَسمُ والبنان نقابُها | فأرتكَ بدراً بالهلال تنقّبا |
وكأنّها هي حين زَفَّت كأسها | شمسٌ تزفّ من المدامة ِ كوكبا |
عقدت على الوسط النطاقَ مفوَّفاً | ولوت على الخصر الوشاحَ مذهّبا |
أحبب إليك بها عشيقة َ مُغرمٍ | راض العواذلُ شوقَه فتصعبّا |
هي تلك لاعبة ُ العشاء ومن لها | ألفت بناتُ الشوقِ قلبك ملعبا |
أمسيتَ منها ناعماً بغريرة ٍ | بنسيم ريّاها تعطَّرت الصَبا |
ونديمة ٍ لك لو تغنّى باسمها | حجر لرقَّصه غناها مطربا |
سكبت بكأس حديثها من لفظها | راحاً ألذَّ من المدام وأعذبا |
وترنّمت هزجاً فأطربَ لحنُها | قُمريَّ مائسة َ الأراكِ فطرَّبا |
فكأَنما علمت بعرس المصطفي | فشدت غِناً لابن الأراكة ِ أطربا |
في ليلة ٍ طابت فساعة ُ أُنسها | لم تلق عمر الدهر منها أطيبا |
وَفدَ السرورُ بها لمغنى أصيدٍ | كرماً يحيي الوافدين مُرحّبا |
شملت مسرتَّه البريّة كّلها | إذ كان في كلّ النفوس محبّبا |
فكأَنَّ عُرس المصطفى فيه الورى | كلّ محمدُ صالحٍ أَن يطربا |
قد عاد مغربُها يهنّي شرقَها | فيه ومشرقُها يهنّي المغربا |
فرحوا وحقّ لهم به أن يفرحوا | من حيثُ أنَّ الدهر فيه أغربا |
في الشيب جاء به سروراً لم يجىء | في مثله مُذ كان مقتبلُ الصِبا |
هو في الأنام صنيعة ٌ مشكورة | للدهر ما صحبوا لِساناً معربا |
للكرخ ناعمة َ الهبوب تحمّلي | منّي سلاماً من نسيمك أطيبا |
وصلي إلى بيت قد انتجع الورى | منه جناباً بالمكارم مُعشبا |
بيت على الزوراء يقطر نعمة َ | فكأَنّه بالغيث كان مطنّبا |
قولي إذا حييتِ فيه بالرضا | فسواكِ منه هيبة َ لن يقربُا |
بشراكَ بسّامِ العشيّ بفرحة ٍ | ضَحكت بها الدنيا إليك تطرُّبا |
وجلا عليك اليمنَ فيها طلعة َ | غرّاء ساطع سعدها لن يغربا |
فاسعد بقرّة ناظريك فقد غدا | في عُرسه المجدُ المؤثّلُ معجبا |
أمقيلَ مَن لبس الهجير تغرُّباً | ومعرّسَ السارين تنزِعُ لغّبا |
عجباً لهذا الدهر يصحب بُخلَه | ولجود كفّك ليس يبرح مُصحَبا |
ويرى جبينك كيفُ يشرقُ لِلندى | كرماً ويغدو الوجه منه مقطَّبا |
أرحبتَ للأضياف دارة َ جفنة ٍ | من دارة القمر الوسيعة أرحبا |
وحملت عبء بني الزمان ولو به | يُعنى أبوهم لاستقالك مُتعبا |
وأما ومجدك خلفة ً لو لم يكن | للعالمين سجالُ جودك مشربا |
نَزَف اغترافُهم البحارَ وبعدها | ترك اعتصارهمُ الغمائمِ خُلّبا |
فمتى تقوم بحارُها وقطارُها | لهم مقامك ما جرت وتصبَّبا |
يفدي أناملكَ الرطيبة مُعجبٌ | في يبس أنملة ٍ بعذلك أسهبا |
لو مسَّ وجه الأرض يبسُ بنانه | لرأيته حتى القيامة مُجدبا |
عذبت مذاقة "لا" بفيه لبخله | وبفيك طعمُ «نعم» غدا مستعذبا |
فأزدادَ حتّى في مَعيشة نفسهِ | ضيقاً وَللوفّاد زدتَ ترحّبا |
تسع الزمانَ بجود كفّك باسماً | ويضيق صدر الدهر منك مقطَّبا |
لورعتَ مُهجة نفسه وَزحمته | لفطرتها وَحطمتَ منه المنكبا |
وَلقد جَريت إلى العلاء بهمة ِ | لم ترض عالية المجرّة مركبا |
حلَّقت حيث الطرف عنك مقصرٌ | فصعدت حيث النجم عنك تصوبّا |
شهدت قناة المجد أنك صدرُها | وَعدا أخيك غدا الأماجدُ أكعبا |
ما قمت يوم الفخر وحدك موكباً | إلاّ وقام به مثالُك موكبا |
أصبحت منتسباً لغرِّ أماجدٍ | ودَّت لهم شهب السما أن تُنسبا |
هم أيكة الشرف التي منها الورى | ثمرُ السماحة ما اجتنوه مرجّبا |
طابت أرُومتها العريقة في العُلى | وسقت مكارمها ثراها الطّيبا |
وكفى بجودك وهو أعدلَ شاهدٍ | يصف الذي من جودها قد غيبا |
ولقد تحقّقتُ اسمَ غادية الحيا | فوجدت معناه نداك الصيّبا |
وأجلت فكري في اسم أنفاس الصَبا | فإذا به خُلق الرضا قد لقّبا |
سيماءُ عزِّك في أسرَّة وجهه | لله أنت فهكذا مَن أنجبا |
زّينت أُفق الفخر منك بكوكبٍ | ما كان أزهره بفخرك كوكبا |
فالشمس قد ودَّت وإن هي أعقبت | قمرَ السماءِ نظيره أن تُعقبا |
قد غاض فيضُ ابن الفرات لجوده | إذ كان أغزرَ من نداه وأعذبا |
لا تطر كعباً واطوِ حاتم طيء | وانشر مكارمه تجدها أغربا |
وارتك له معناً على ما فيه من | كرمٍ فمعنٌ لو رآه تعجّبا |
ودع الخصيب فلو تملّك ملكه | الهادي لجاد به لفرد أتربا |
الجامع الحَمد الذي لم يجتمع | والواهبُ الرفدَ الذي لن يُوهبا |
خلقتَ أدرَّ من السحائب كفُّه | بل أُنشأت منها أعمَّ وأخصبا |
هو خير من ضمَّت معاقدُ حبوة ٍ | وأخوه فخراً خير من عَقد الحُبا |
طلعا طلوعَ النيرين فما رأى | أُفقُ المكارم مُذ أنارا غيهبا |
فعُلاهما في المجد أبعدُ مرتقى | ونداهما للوفد أقربُ مطلبا |
أبقيّة َ الكرم الذين سواهم | لم يتخذ تهجُ المكارم مذهبا |
لا زلتم في نعمة ٍ ومسرَّة ٍ | مادام ظهر الأرض يحمل كبكُبا |