رأى البرق مجتازا فبات بلا لب
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
رَأى البرْقَ مُجتازاً، فباتَ بلا لُبِّ، | وَأصْبَاهُ مِنْ ذِكْرِ البَخيلَةِ ما يُصْبي |
وَقَد عاجَ في أطْلالِها غيرَ مُمسِكٍ | لدَمْعٍ، وَلا مُصْغٍ إلى عُذّلِ الرّكبِ |
وَكنتُ جَديراً، حينَ أعرِفُ مَنْزِلاً | لآلِ سُلَيْمَى، أنْ يُعَنّفَني صَحبي |
عَدَتْنَا عَوَادي البُعْدِ عَنها، وَزَادَنا | بهَا كَلَفاً أنّ الوَداعَ عَلى عَتْبِ |
وَلمْ أكتَسِبْ ذنباً، فتَجزِيَني بهِ، | ولَمْ أجتَرِمْ ذَنْباً، فتَعتُبَ من جرماً |
وَبي ظَمَأٌ، لا يَمْلِكُ المَاءُ دَفْعَهُ، | إلى نَهْلَةٍ مِن رِيقِها الخَصِرِ العذْبِ |
تَزَوّدْتُ مِنها نَظرَةً لمْ تَجُدْ بها، | وَقد يُؤخَذُ العِلقُ المُمَنَّعُ بالغَصْبِ |
وَما كانَ حَظُّ العَينِ في ذاكَ مَذهَبي، | وَلكِنْ رَأيْتُ العَينَ باباً إلى القَلْبِ |
أُعيذُكِ أنْ تُمنَيْ بشكوَى صَبابَةٍ، | وَإنْ أكسبَتَنا منكِ عَطفاً على الصّبّ |
وَيُحزِنُني أنْ تَعرِفي الحُبّ بالجَوَى، | وَلَوْ نَفَعَتْنَا مِنْكِ مَعْرِفَةُ الحُبّ |
أبَيْتُ، على الإخُواّنِ، إلاّ تَحَنّياً، | يَلينُ لَهُمْ عِطفي، وَيَصفو لهمْ شُرْبي |
وَإنّي لأسْتَبقي الصّديقَ، إذا نَبَا | عَليّ، وَأهْنوَا مِنْ خَلائقه الجُرْبِ |
فَمَنْ مُبْلِغٌ عَنّي البَخيلَ بأنّني | حطَطتُ رَجائي منهُ عن مرْكبٍ صَعبِ |
وَأنّ ابنَ دينَارٍ ثَنَى وَجْهَ هِمّتي | إلى الخُلُقِ الفَضْفاضِ وَالنّائلِ النّهْبِ |
فَلَمْ أمْلَ إلاّ مِنْ مَوَدّتِهِ يَدي، | وَلا قُلْتُ إلاّ مِنْ مَوَاهِبِهِ حَسْبي |
لَقيتُ بهِ حَدّ الزّمانِ، فَفَلَّهُ، | وَقد يَثلِمُ العَضْبُ المُهنّدُ في العَضْبِ |
كَرِيمٌ، إذا ضَاقَ اللّئَامُ، فإنّهُ | يَضِيقُ الفضَاءُ الرّحبُ في صَدرِهِ الرّحبِ |
إذا أثْقَلَ الهِلْباجُ أحْنَاءَ سَرْجِهِ، | غَدا طِرْفُه يَختالُ بالمُرْهَفِ الضّرْبِ |
تَنَاذَرَ أهْلُ الشّرْقِ مِنهُ وَقَائِعاً، | أطاعَ لَها العاصُونَ في بلدِ الغَرْبِ |
لجَرّدَ نَصْلَ السّيفِ، حتّى تَفرّقَتْ | عن السّيفِ مَخضُوباً جُموعُ أبي حرْبِ |
فإنْ هَمّ أهْلُ الغَوْرِ يَوْماً بعَوْدَةٍ | إلى الغَيّ مِن طُغيانِهمْ، فهوَ بالقُرْبِ |
حَلَفتُ لقَد دانَ الأبيُّ، وَأُغْمِدَتْ | شَذاةُ عَظيمِ القوْمِ من عِظَمِ الخطبِ |
وَألزَمَهُمْ قَصْدَ السّبيلِ حِذارُهُمْ | لتِلْكَ السّوَافي مِنْ زَعازِعِهِ النُّكْبِ |
مُدَبِّرُ حَرْبٍ لمْ يَبِتْ عِنْدَ غِرّةٍ، | وَلمْ يَسرِ، في أحشائِهِ، وَهَلُ الرّعْبِ |
وَيُقْلِقُهُ شَوْقٌ إلى القِرْنِ مُعجَلٌ، | لدى الطّعنِ، حتّى يَسترِيحَ إلى الضّرْبِ |
أضَاءَتْ بهِ الدّنْيَا لَنَا بَعدَ ظُلمَةٍ، | وَأجْلَتْ لَنا الأيّامُ عَن خُلُقٍ رَطبِ |
وَما زَالَ عَبدُ الله يُكسَى شَمَائِلاً، | يَقُمنَ مَقامَ النّوْرِ في ناضِرِ العُشبِ |
فَتًى يَتَعالى بالتّوَاضُعِ جَاهداً، | وَيُعجَبُ منْ أهلِ المَخيلةِ وَالعُجبِ |
لَهُ سَلَفٌ من آلِ فَيرُوزَ بَرّزُوا | على العُجمِ، وَانقادتْ لهمْ حفلةُ العُرْبِ |
مَرَازِبَةُ المُلْكِ التي نَصَبَتْ بها، | مَنابِرَهُ العُظمَى، جَبابرَةُ الحَرْبِ |
يَكِبّونَ مِنْ فَوْقِ القَرَابيسِ بِالقَنَا، | وَبالبِيضِ تَلقاهمْ قِياماً على الرُّكْبِ |
لَهُمْ بُنيَ الإيوَانُ في عَهدِ هُرْمُزٍ، | وَأُحْكِمَ طَبعُ الخُسرُوَانيّةِ القُضْبِ |
وَدارَتْ بَنُو سَاسَانَ طُرّاً عَلَيهِمِ، | مَدارَ النّجومِ السّائرَاتِ على القُطْبِ |
مَضَوْا بالأكُفّ البيضِ أوْفَى من الحيا | بَلالاً، وَبالأحلامِ أوْفَى منَ الهَضْبِ |