باكر تداماك بكأسِ العقارْ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
باكر تداماك بكأسِ العقارْ | فَقَد مَضى اللّيل وجاء النهار |
وداوني فيها وسارع بها | فإنَّ في الخمر دوائر الخمار |
أما ترى الورقاء قد غرَّدَتْ | في وَرَقِ الدوح وغنّى الهزار |
وکبتسمت للطلّ أزهارُه | وأدمع الطلّ عليها نثار |
وقد دَعَتْ للّهو أبناءها | أوقاتَ أيام السرور القصار |
فهاتها صرفاً وممزوجة | بين احمرار برزت واصفرار |
واملأ لنا أكبر أقداحها | فالله يعفو عن ذنوب كبار |
خذها بإعلان ولا تستَتِرْ | فما يطيب العيش بالاستتار |
وَعَدِّ عمّن لام من جهله | وعدَّها عاراً وليست بعار |
ما عرفَ الَّلذة َ من عافها | وقابل العاذل بالاعتذار |
وَخَلِّهِ واللوم في معزل | لا تصغ فيها لنهيق الحمار |
إذ يدّعي النُّسكَ ولا يهتدي | به وينعى بخراب الديار |
إنّ المرائين إذا استُكْشِفوا | وَجَدْتَهم شرَّ الأنام الشرار |
لو لم يجدْ شاربها لذَّة ً | وفي المسرات عليها المدار |
ماوعد الله بها المتقي | في جنّة الخلد ودار القرار |
يا مولعاً بالمُرد إنّي امرؤ | ما لي عن وجه الحبيب اصطبار |
إيّاك والإعراض عن غادة | في وجهها للحسن نور ونار |
كم ليلة ٍ زار حبيبٌ به | يشكو إلى المشتاق بُعد المزار |
جمعتُ فيها بين ما أشتهي | من غنجٍ أحوى وذات احورار |
أقسمُ بالعود وأوتاره | ونغمة ِ الناي وضرب الإطار |
ما لذَّة ُ سوى ساعة ٍ | في مجلسٍ يخلعُ فيه العذار |
يقضي به الماجنُ أوطاره | وكان مبناه على الاختصار |
إنَّ الخلاعاتِ لفي فتية | لم يلبسوا في الأنس ثوب الوقار |
تغنيهم الراح إذا أملقوا | كأنّها في الكأس ذوب النضار |
يا طالما قد زرت خمّارها | وقلت أنت اليوم ممَّن يزار |
فقام يجلوها كغصن النقا | يحمل في راحته الجلّنار |
حتى إذا استكفيتُ من شربها | لو شئتُ أدركت من الدهر ثار |
غفوتُ عن ذنب زمانٍ مضى | ما أحسنَ العفوَ مع الاقتدار |
هذا هو العيش ومن لي به | قبل کنقضاء العُمُرِ المستعار |
لا خيرَ في العيش إذا لك يكن | في ظلّ عبد الله عالي المنارْ |
ما جئته إلاّ وأبصرتني | أسحبُ من نعماه ذيل الفخارْ |
قيَّدَني في برِّه ماجدٌ | كأنّما أطلقني من أسار |
موفّق يسعى إليه الغِنى | من غير ما سعي وخوض الغمار |
لا يقتني المالَ ولم يدّخرْ | شيئاً ولا مالَ إلى الادّخار |
إنّي لأغنى الناس عن غيره | ولي إليه بالسرور کفتقار |
المنجزُ الوعدَ بلا منّة ٍ | ولم أكنْ من وعده بانتظار |
ما فارق الأُنسَ له طلعة | بل سار في خدمته حيث سار |
كم طائل قصَّر عن شأوه | ولاحقٍ ما شقَّ منه الغبار |
ومستميح نال ما يبتغي | منه وحاز العزّ والافتخار |
يروق كالصّمصام إفرنده | أبيض مثل السيف ماضي الغرار |
أمّا جميل الصنع منه فمن | شعاره أكرمْ به من شعار |
يركبُ في الجدِّ جوادَ المنى | إذ يأمنُ الراكبُ فيه العثار |
حديقة ُ الأفراح في ربعه | للمجتني منها شهيّ الثمار |
فلم أبلْ ما دمت خلاًّ له | ما كان من أمري ولا كيف صار |
وكلّ ما کستَطْيَبْته كائن | من طيِّب الذات كريم النجار |
من كابرٍ ينمة إلى كابرٍ | ومن خيار قد نمّته الخيار |
هم الزهيريّون زهر الرُّبا | والأنجمُ الزهر التي تستنار |
فهم أجلُّ الناس قدراً وهم | أعزُّ من تعرف في الناس جار |
فلا يمسّ السُّوء جاراً لهم | ما ذلَّ مَن لاذ بهم وکستجار |
يُوفُونَ بالعَهد ويَرْعَوْنَه | في زمنٍ لم يرعَ فيه الذمار |
ألا ترى كلّ کمرىء ٍ منهم | لنائل يرجى ونقعٍ مثار |
يلتمس المعروف من برِّهم | ويستفاض الجود فيض البحار |
من كلِّ معروفٍ بمعروفه | في كلّ قطرٍ من نداه قطار |
إذا دعته للوغى همّة ٌ | كان هو المقدام والمستشار |
تغدو رياضي فيه مخضرة ً | أشبهَ شيءٍ بکخضرار العذار |
أصلح شاني بأبي صالح | وأغتدي فيه نقيّ الأزار |
باهى بي الأزهار في روضها | فرحتُ أزهو مثل ورد البهار |
لا زلت في نور صباح الهنا | يا كوكباً لاح وبدراً أنار |