قَدِمْتَ قدومَ الغاديات السَّواجمِ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
قَدِمْتَ قدومَ الغاديات السَّواجمِ | فُبُوركتَ من دانٍ إلينا وقادم |
طلعتَ طلوعَ البدر في غاسق الدجى | على حالك من غيهب الليل فاحم |
وأقبلتَ إقبال السَّعادة ِ كلِّها | بأبلجَ وضّاح الأَسارير باسم |
تَحُفُّ بك الأَمْلاك من كلّ جانب | ويحجُبُك الفرسان من كلّ صارم |
فلم تبقِ ريقاً ماحلاً ما سقيته | فأخطبَ في خفضٍ من العيش ناعم |
متى شئتَ غادرت البلاد كأنّما | سقتها الغوادي ساجماً بعد ساجم |
وإنْ قلت لم تترك مقالاً لقائل | ولا تختشي في الله لومة لائم |
أتيتَ أتيَّ الغيثِ دونه | إذا کنهلَّ في أعلامها والمعالم |
وجئت بأبطال الرّجال تقودُها | أمائيلَ سيل العارض المتراكم |
إذا ائتمرتْ يوماً بأمركَ بادرتْ | إلى أمراك العالي بدار الضراغم |
تشكُّ صدور الدار عين رماحها | فهلْ كانت الخطيَّ سلكاً لناظم |
أعاريبُ ما دانَتْ لسكنى مدينة ٍ | ولا دَنَّسَتْ أَخلاقَها بالأَعاجم |
مطاعين في الهيجا مغاويرُ في الوغى | وقائِعهُمْ معلومة ٌ في الملاحم |
ولم يغنموا غير الفخار غنيمة ً | وما الفخر إلاّ من أجلِّ المقاسم |
لقد زرتَ منْ لو شكَّ أنْ لا تزوره | رآى عزَّه الموجود أضغاث حالم |
تشرَّفَ قومٌ أكرموكَ برغمهم | ومُيِّزتَ فيما بينهم بالعلائم |
لئنْ عدَّدوا توفيقك القومَ نعمة ً | فأنت بحمد الله فوق النعائم |
لهم بك فخرٌ ما بقيتَ لهم به | ولا فخر إلاّ منك يوماً بدائم |
وقمتَ بأَمرٍ لا يقوم بمثله | سواك وما كلٌّ عليه بقائم |
وقد نبتَ فينا بعد عيسى وبندر | منابَ الغوادي والليوث الضياغم |
وما هدم الله البناءَ الذي بهم | وأنتَ لهمْ بيتٌ رفيع الدعائم |
وما أخْلَفَتْ تلك النجومُ بصيّبٍ | من المُزْنِ مرجوٍّ بتلك المواسم |
فقد صُلْتَ حتى خافك الحتف نفسُهُ | وما استعصمَ المفراق منك بعاصم |
وبارزتَ حتى لم تجد من مبارزٍ | وصادَمْتَ حتى لم تجد من مصادم |
وأَرغَمْتَ آنافَ الخطوب فأدْبَرَتْ | بذلّة ِ مرغوم لعزّة ِ راغم |
فلم نَرَ من صرف الزمان محارباً | تنازله الأرزاء غير مسالم |
إذا كنتَ للمظلوم في الدهر ناصراً | فما صال الدهر صولة ظالم |
بسطتمْ يداً في بطنها نيل نائل | وفي ظهرها طول المدى لثم لاثم |
نشرتم بها أخبار كعب وحاتم | وقد طُويَتْ أخبارُ كعب وحاتم |
نزلتم على الشمّ الرعاف منازلاً | غواربَ أعلام العلى والمناسم |
رقيتم بأطرافِ العوالي معالياً | من المجد ما لا تُرتقى بالسلالم |
مَغانيكُمُ للوافدين مغانمٌ | فأكرمْ بهاتيك المغاني المغانم |
أرى الناس أفواجاً إلى ضَوْءِ نارِكُمْ | جثاثَ المطايا عاليات العزائم |
فمنْ معتفٍ يرجو سماحة سيّدٍ | ومن ضارع يرجو تعطُّفَ راحم |
نَعَمْ هذه للطارقين بيوتكم | بيوت المعالي والندى والمكارم |
غياثٌ لملهوفٍ وأمنٌ لخائفٍ | ومأوى ً لمأمونٍ ووِرْدٌ لحائم |
منازل لم ينزل بها غير ماجد | كريم السجايا من قروم أكارم |
وقد سُدْتُم السادات بأساً ونائلاً | بفضلٍ وإحسانٍ ورمحٍ وصارم |
فلا تحفلوا منبعد هذا بقاعدٍ | كما لم تبالوا إن قَعَدْتُم بقائم |
فلا يَحْسَبَنْ من لم ترعه سيوفكم | إطاعتكم عن ريبة ٍ حكمَ حاكم |
فلم تكُ إلاّ طاعة ً وتفضُّلاً | على من لكم من مثله ألف خادم |
فكان رضاه ما رضيتم لحزمه | وليس الذي يأبى رضاكم بحازم |
فلو قارعتكم منه يوماً قوارعٌ | لأَصْبَح منكم قارعاً سنَّ نادم |
رَأَتْ عينُه من بأسكم بعض رؤية | فكانت له إذ ذاك إيقاظ نائم |
إذ کستعظمت ما قد رأت وأراعها | جلال عظيم في الأمور العظائم |
وما قد رآى الراؤون آل محمد | نظيراً لكم في عصرها المتقادم |
وُجوهٌ كما لاح الصّباح مضيئة | وأيدٍ ولكن فوق أيدي الغمائم |
وبيضٌ حدادٌ جرِّدتْ بأكفِّكم | فأغمدتموها في الحشا والجماجم |
تنوح على القتلى غداة صليلها | نواحَ حمامٍ لا نواح الحمائم |
إذا ابتسمتْ والقرمُ تدمى كلومه | بَكَتْ بدمٍ قانٍ بتلك المباسم |
حميتَ بها أرضَ العراق وأهلهُ | وسوَّرْتُموها بالقنا والصوارم |
فدتك ملوكٌ لا يرجى نوالها | وما لاح منها برق جود لشايم |
قد کجتنبت هذي الملوك التي ترى | مطامع راجيها اجتنابَ المحارم |
أما والذي أعطاكَ ما أنتَ أهلهُ | وولاّك في الدنيا رقاب العوالم |
لو کنّي بك کستغْنَيْتُ عن سائر الورى | فَوِرْدي إذَنْ من بحريَ المتلاطم |
فما قلتُ بيتاً في سواك ولا جرى | به قلمي يوماً بمدح ابن آدم |
فعش سالماً واسلمْ لنا ولغيرنا | فما المجد إلاّ ما سَلِمتَ بسالم |