ذكرتُ على النّوى عهد التّصابي
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
ذكرتُ على النّوى عهد التّصابي | فأشجاني وهيَّجَ بعضَ ما بي |
وشوَّقني معالم كنتُ فيها | بأنعم طيبِ عيشٍ مستطاب |
فبتُّ أحنُّ من شوق إليها | كما حنَّ المشيبُ إلى الشباب |
سقى تلك الديار وساكنها | مُلِثُّ القَطر منهلّ الرباب |
فكم ظبيٍ هنالك في كناسٍ | ينوب بفتكه عن ليث غاب |
بنفسي من أفدّيه بنفسي | ويعذب في تجنّبه عذابي |
ولي قلبٌ تَوَقَّدَ في التهابٍ | ولي دمع توالى بکنسكاب |
وليلٍ طال بالزفرات منّي | ولم يقصر لحزني واكتئابي |
وكم همٍ أساءَ إلى فؤادي | وطال مع الزمان به عتابي |
وأزعجني عن الأحباب بينٌ | وبالبينِ أنزعاجي واظطرابي |
تعلِّلُني بموعدها الأماني | وما التعليل بالوعد الكذاب |
وتطمعني بما لا أرتجيه | وهل أرجو شراباً من سراب |
وما فَعَلَتْ بأصحابي المنايا | فأَبْقَتْني وقد أَخَذَتْ صحابي |
وما لي من أُنيب إليه يوماً | إذا ما عضّني يوماً بناب |
وما كتبتْ يداي له كتابا | ولكن كان في أمِّ الكتاب |
أَذاقَنِي النّوى حلواً ومرّاً | وجرعني الهوى شهداً بصاب |
أطوِّف في البلاد وأنتحيها | فما أغنى کجتهادي في الطّلاب |
وأيَّة ُ قفرة لم أَرْمِ فيها | ولم أزعجْ بمهمهها ركابي |
لبستُ غبارها وخرجت منها | كما آستُلَّ الحُسام من القراب |
ولم ألغْ مقام العزِ إلاّ | بعد القادر العالي الجناب |
وما نلنا المنى في السّعي حتّى | نَزَلْنَا في منازله الرِّحاب |
كريم طيب الخلاق برٍّ | بيوم الجود أندى من سحاب |
فما سُئِل النّدى والجودَ إلاّ | وأسرعَ بالثواب وبالجواب |
إذا ما أُبْت بالنَّعماء عنه | حَمِدْتُ بفضله حُسنَ المآب |
أو کنتَسَبَ کنجذابٌ من قلوب | فما لسواه ينتسبُ انجدابي |
فيا بدرَ الجمال ولا أماري | |
سَأشكرُ فضلَك الضّافي وأدعو | لمجدك بالدعاء المستجاب |
على نعمِ بجودك قد أفيضتْ | ولا ترجو بها غير الثواب |
وممّا سرَّني وأزالَ همّي | دُنُوِّي من جنابك وکقترابي |
ولم أَبْرحْ أهيمُ بكلّ وادٍ | وأقْرَعُ في ثنائك كل باب |
وأرغَبُ عن سواك بكل حالٍ | وأطْمَعُ في أياديك الرغاب |
ولم تبرح مدى الأيام تدعى | لكشف الضر أو دفع المصاب |
أصاب بما حباك به مشيرٌ | مشيرٌ بالحقيقة والصواب |
وولاّك العمارة إذ تولى | أمورَ الحكم بالبأس المهاب |
فقمت مقامه بالعدل فيها | وقد عمرتها بعد الخراب |
وذلَّلتَ الصّعاب وأنتَ أحرى | وموصوف بتذليل الصعاب |
فلا يحزنك أقوال الأعادي | فما جَزِعَتْ أسُودٌ من كلاب |
لقد حلَّقتَ في جوّ المعالي | فكنتَ اليومَ أمنعَ من عقاب |
عَلَوْتَ بقَدْرِك العالي عليهم | كما تعلو الجبال على الرّوابي |
وما ضاهاك من قاصٍ ودانٍ | بعدل الحكم أو فصل الخطاب |
وحزتَ مكارم الأخلاق طرّاً | ومنها جئت بالعجب العجاب |
ألا يا سيّدي طال اغترابي | فرخِّصْ لي فَدَيْتُك بالذهاب |
فأرجعُ عنك مُنَقَلِباً بخير | وأحمدُ من مكارمك انقلابي |
وأنظم فيك طول العمر شكراً | كما انتظم الحباب على الشراب |
وليس يهمُّني في الدهر همٌّ | وفيك تَعَلُّقي ولك کنتسابي |
فمن شوقٍ إلى وطنٍ وأهلٍ | غوتُ اليومَ ذا قلب مذاب |
ومن مرضٍ اقاسيه ووجدٍ | رضيتُ من الغنيمة بالإياب |