إلى العزّ خوري يا نياقي وأنجدي
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
إلى العزّ خوري يا نياقي وأنجدي | ويا همَّتي قومي إلى المجد واقعدي |
فلا عزّ حتى أترك النوق ترتمي | بنا وجياد الخيل تكدم باليد |
عليها من الفتيان كلُّ مجرَّدٍ | من الضيَّم أمضى من حسامٍ مجرَّد |
يذود الكرى عن مقلة طمحت به | إلى شيم برق من فخار وسؤدد |
تعوّد أنْ لا يشرب الماءَ بالقذى | ولم ترض نفس المرء ما لم تعودّ |
فجرَّدَها مثلَ القسيّ حوانياً | لقطع الفياقي فدفداً بعد فدفد |
يبيت الدجى ما بين نوم مشرد | لفقدان من يهوى ودمع مبدّد |
يعالج همّاً بين جنبيه للعلى | ويَحْسِرُ عن باعٍ لأروع أصيد |
رفضت الهوى بالكرخ واللّهو بالدمى | وأعرضت عن بيض من الغيد خرّد |
وراح كعين الديك صفواً تديرها | نظيرة قدّ البانة المتأوّد |
مورّدة في الكأس بعد مزاجها | كأنْ مزجت من ماء خدٍّ مورّد |
تعاطيتها صرفاً ينمُّ أريجها | عليها فما استغنيتُ عن ريق أغيد |
وما كان باقي الليل إلاّ كأنه | على خدق الآفاق آثارُ إثمد |
ذكرتك يا ظمياءُ والنار في الحشا | ولولاك تلك النار لم تتوقد |
وإني إذا مضّت بقلبي مضاضة | من الوجد داريت الأسى بالتجلّد |
وما سرت عمّن سرت إلاّ لمطلب | أسُرّ به صحبي وأكبت حُسَّدي |
وأصفر ذي وجهين من غير علَّة ٍ | يروح كما راح اللئيم ويغتدي |
على وجهه من خالص اللؤم شاهد | متى استشهدتهُ رؤية العين تشهد |
وشيبة سوءٍ أنبت الله شعرها | على عارضي وغدٍ ومستجهلٍ ردي |
أعرّفه فضلي ويعلمُ أنَّني | أنا الشمس لا تخفى على عين أرمد |
فهاتيك أخباري وتلك قصائدي | لها -نشرُ طيّ الذكر في كلّ مورد- |
تمزق أعراض اللئام كأنها | تصول عليها بالحسام المهنّد |
يروح عليها القوم عن نفثاتها | بها السُّمُّ مدحورٌ بخزي مؤبّد |
تسير بها الركبان شرقاً ومغرباً | فمن منشدٍ يشدو بها ومغرّد |
تركت لكم ـ أعيان بغدادَ ـ منزلاً | تجور عليه النائبات وتعتدي |
ففيم مقامي عندكم ظامىء الحشا | ولا أنا بالواني ولا بالمقيّد |
وإنّي عزيز النفس لو تعرفونني | ولي بيتكم ذل الأسير المصفّد |
تمنَّون إذ تعفون عن غير مذنب | فتّبت يداً مغوٍ لكم غلَّ من يد |
ظلمتم عباد الله حين رفعتم | أرذال قومٍ من خبيثٍ ومن ردى |
وما البصرة الفيحاء من بعد فعلكم | بها غير أطلال ببرقة ثهمد |
رفعتم على السادات منها أراذلاً | لهم في حضيض الذل أسوأ مَقْعَدِ |
فعلتم كما تبغون لا فعلَ منصفٍ | وقلتم ولا عن رأي هادٍ ومرشد |
هَبوا أنّكم لا تتقوها مآثما | فهلاّ اتقيم من ملام المفنَّد |
بذلت لكم نصحي وما تجهلونه | ولكن لما في النفس من مترصّد |
فقوضت والتقويض عن مثل أرضكم | إذا لم يطب عيشي ويعذب موردي |
وقلت لعيسي أخذك الجد بالنوى | وإيّاك بعد اليوم أن تتبغددي |
فأوردتها نهر المجرّة والعلى | تحدثني أنْ قرّبِ السيرَ وأبعد |
فما أربى من بعد فهدٍ وبندر | من البصرة الفيحاء غير محمد |
نجيب ابن أنجاب الزهير الذي به | أفاخر جمعَ الأكرمين بمفرد |
فتى القوم من يأوي إلى ظل بيته | يعِشْ عيشة من فضله لم تنكد |
فيا أيها الظامي وتلك شريعة | من الجود فاصدر حيثما شئت أوْ رِدِ |
رفيع عماد المجد مستمطر الندى | أخو المنهل الصافي وذو المنهل الندي |
وما حَمَلَتْهُ غيرُ أمٍّ نجيبة ٍ | وإن كان من قوم أغرّ ممجد |
لئن قلّد النعماء من كان منعماً | فما غيره: في الناس كان مقلدي |
تسبّب بالإحسان للحمد والثنا | ومن يتسبب للمحامد يُحْمَد |
إذا نلت منه اليوم سابغ نعمة | ترقّبت أمثالاً لها منه في غد |
على سنن الماضيين من غرّ قومه | بآبائه الغرّ الميامين يقتدي |
هم القوم يروون المكارم عن أب | وجد عريق سيّداً بعد سيد |
تسودهم نفس هناك أبيّة | فكانوا إذنْ ما بين نسرٍ وفرقد |
وهزَّتهُمُ يوم الندى أريحيّة | كأنْ شربوا من كأس صهباء صرخد |
تطرّبهم سجع الصوارم والقنا | بيوم الوغى لا ما ترى أمُّ معبد |
إذا أوعدوا الطاغين بالبأس أرهبوا | وإنْ أحسنوا الحسنى فعن غير موعد |
كرام إذا استمطرت وبل أكفّهم | أراقَتْه وبلاً من لجين وعسجد |
يقال لمن يروي أحاديث فضلكم | أعدْ واستعد ذكر الكرام وردّد |
ألذُّ من الماء النمير ادّكارهم | على الكبد الحّرى من لحائم الصدي |
سقاهم وحيّاهم بصيبه الحيا | وجادهم من مبرق المزن مرعد |
فكم تركوا في المادحين أخا ندى ً | قديم العلى يسعى الممجد ممجّد |
إذا هم لا تثنيه عن عزماته | إلى المجد يوماً حيرة المتردد |
يرى رأيه ما لا ترى عين غيره | وبالرأي قد يهدى المضلّ فيهتدي |
ومن لا بسٍ بردَ الأبوة كلما | تقادم قالت نفسه ويك جدّد |
بنوها ولكن بالسيوف معالياً | فكانت ولكن مثل طود موطد |
وكم بذلوا من أنفسَ المال ما غلا | فلم يرغبوا إلاّ بذكر مخلّد |
فهذا ابن عثمان المهذب بعدهم | يشيد على ذاك البناء المشيّد |
فلا زال محفوظ الجناب ولا رمى | له غرضاً إلاّ بسهم مسدد |