نؤمِّل أنْ يطول بنا الثَّواء
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
نؤمِّل أنْ يطول بنا الثَّواء | ونَطْمعُ بالبقاء ولا بقاء |
وتُغرينا المطامعُ بالأماني | وما يجري القضاءُ كما نشاء |
تحدِّثنا بآمالٍ طوالٍ | وليسَ حديثها إلاّ افتراء |
وإنّ حياتنا الدنيا غرورٌ | وسعيٌ بالتكلّف واعتناء |
نُسَرُّ بما نُساءُ به ونشقى | ومن عَجَبِ نُسَرُّ بما نساء |
ونضحك آمنين ولو عقلنا | لحقَّ لنا التغابن والبكاء |
إلامَ يَصُّدنا لَعِبٌ ولهو | عن العظة التي فيها ارعواء |
وتنذرنا المنون ونحن صمٌّ | إذا ما أسمع الصمَّ الندراء |
وأيَّة لذَّة في دار دنيا | تلذُّ لنا وما فيها عناء |
ستدركنا المنيَّة ُ حيث كنا | وهلْ ينجي من القدر النجاء |
ظهرنا للوجود وكلُّ شيء | له بدءٌ لعمرك وانتهاء |
لئنْ ذهبت أوائلنا ذهاباً | فأوَّلُنا وآخرنا سواء |
نودّع كلَّ آونة حبيباً | يعزُ على مفارقه العزاء |
فما يأتي الزمان له بثانٍ | إلى حيث السعادة والشقاء |
ولو يفدى فديناه ولكنْ | أسيرُ الموت ليس له فداء |
مَضَتْ أحبابنا عنّا سراعاً | إلى الأخرى وما نحن البطاء |
وما قلنا وقد ساروا خفافاً | إلى أينَ السُرى ومتى اللقاء |
بمن فيه المدائحُ والرثاء | لما استوفى حقوقَهُم البكاء |
متى تَصفو لنا الدنيا فنَصفو | ونحنُ -كما ترى - طين وماء |
فهذا السقم ليس له طبيبٌ | وهذا الداء ليس له دواء |
فقدنا لا أباً لك من فقدنا | فحلَّ الرُّزءُ إذ عظمَ البلاء |
وبعد محمَّد إذ بان عنا | على الدنيا وأهليها العفاء |
لقد كانت به الأيام تزهو | عليها رونق ولها بهاء |
وكان الكوكب الهادي لرشد | يضلُّ الفهم عنه والذكاء |
وكان العروة الوثقى وفاءً | لمن فيه المودة والإخاء |
فيأوي من يضام إلى علاه | ويعصِمُه من الضَّيم الإباء |
علا أقرانه شرفاً ومجداً | كما تعلو على الأرض السماء |
عصاميُّ الأبوَّة والمعالي | له المجدُ المؤثَّل والسناء |
وما عقدت يدٌ إلاّ عليه | إذا عُدَّ الكرامُ الأتقياء |
سقاك الوابل الهطّال قبراً | ثوت فيه المروءة والسخاء |
وحيّاك الغمام بمستهلٍ | يصوب فترتوي الهيم الظِماء |
قد کستُودِعْتَ أكرَم من عليها | فأنتَ لكلّ مكرمة وِعاء |
وقد واريت من لو كان حيّاً | لضاقَ بفضله الواقي الفضاء |
وقد أُفْعِمتَ من كرم السجايا | وطيّبها كما فُعِمَ الإناء |
فأصبحَ منك في جنات عدن | بدار الخلد لو كشفَ الغطاء |
مضى فيمن مضى وكذاك نمضي | وغايتنا -وما نبقى - الفناء |
فما يأتي الزمان به بثانٍ | إلى الدنيا ولا تَلِدُ النساء |
فقدناك ابنَ عثمانٍ فَقُلنا | فَقَدْنا الجودَ وانقطع الرجاء |
ستبكيكَ الأيامى واليتامى | وترثيك المكارم والعلاء |
وكنتَ علمتَ أنَّك سوف تمضي | ويبقى الحمدُ بعدك والثناء |
فما قصَّرتَ عن تقديم خير | تنالُ به المثوبة ُ والجزاء |
تفوزُ ببرك الآمال منا | ويرفع بالأكفِّ لك الدُّعاء |
إذا وافَت إلى مغناك فازت | ذوو الحاجات واتصل الحباء |
رزقتَ سعادة الدارين فيها | وإنْ رغِمَت عداك الأشقياء |
لوجه الله ما أنْفَقْتَ لا ما | يراد به افتخارٌ واقتناء |
قضيتَ وما انقضى كمدي وحزني | عليك وما أظنُّ له انقضاء |
يذكرنيكَ ما وافى صباحٌ | وما أنساك ما وافى مساء |
وما قَصُرَتْ رجال بني زهير | وفيك لها اقتفاء واقتداء |
بنيتَ لهم على العَيُّوق نجماً | وشيِّد بالعلى ذاك البناء |
بدور مجالسٍ وأسودُ غيلٍ | إذا الهيجاءُ حان بها اصطلاء |
شفاءٌ للصدور بكلّ أمرٍ | إذا مرضت وأعياها الشفاء |
وخيرُ خليفة الماضين عنا | سليمانٌ وفيه الاكتفاء |
وقاسم من زكا أصلاً وفرعاً | وما في طيب عنصره مِراء |
إذا زكتِ الأصول زكتْ فروع | فطاب العود منها واللّحاء |
هو الشمسُ التي بزغتْ ضياءً | فلا غربت ولا غرب الضياء |
أعزِّيه وإنْ عَزَّيْتُ نفسي | |
عليه رحمة وسجالُ عفوٍ | من الرحمن ما طلعت ذكاء |