أتراكَ تعرفُ عِلتي وشفَائي
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أتراكَ تعرفُ عِلتي وشفَائي | يا داءَ قلبي في الهوى ودوائي |
ما رقَّ قلبك لي كأن شكايتي | كانت لمسمع صخرة ٍ صمّاء |
والشوق برّح بي وزاد شجونَه | يا شدَّ ما ألقى من البرحاء |
عجباً لمن أخذ الغرامُ بقلبه | أنّى يعد به من الأحياء |
هل يعلم الواشون أن صبابتي | كانت بلحظ مها وجيد ظباء |
وتجرُّعي مضضَ الملام من التي | حلت عقيب الجزع في الجرعاء |
لم يحسن العيش الذي شاهدته | من بعد ذات الطلعة الحسناء |
فمتى أبلُّ صدى ً بمرشف شادن | نقص العهود ولا وفى لوفائي |
وجفا وملّ أخا الهوى من بعد ما | كنا عقيدي ألفة ٍ وإخاء |
ونأى بركب الظاعنين عشية | أشكو طعان الصعدة السمراء |
وأجيبُ سائلَ مهجتي عن دائها | دائي هواك فلا بليت بدائي |
لم يدر واللمس الممنع طبّه | أن الدواء بمقتضى الأدواء |
عُج يا نديم على الكؤوس ميمِّماً | وأدر عليَّ سلافة الصهباء |
وأعد حديثَك لي بذكر أحبة ٍ | أين الركابُ وأينَ ذاك النائي |
مرت بنا أخبارهم فكأنها | أرَجُ الصبّا عن روضة غناء |
وتحاكمتْ بي في الهوى أشواقُهم | فقضى عليَّ الحبُّ أيَّ قضاء |
لو كنت أدري غدركم بمحبكم | ما كنتُ أمكنكمْ على أحشائي |
لامَ النصيحُ فما سمعتُ ملامه | وصددتُ عنه لشقوتي وعنائي |
ما كان أرشدني إلى سبل الهوى | لو أنني أصغي إلأى النصحاء |
كيف المنازلُ بعد ساكنة الحمى | عهدي بها قمريَّة الأرجاء |
لما وقفت على منازلها ضحى ً | حَيَّيتُها بتحيَّة ِ الكرماء |
عَادتنيَ الأيّام في سُكانها | كعداوة الجُهَّال للعلماء |
هل أصبح الدهر الخؤون معاندي | أم كانت الأيام من خصمائي |
إني أصون الشعر لا بخلاً به | عن أن يذل بساحة اللؤماء |
أن كنت تثني بالجميل على امرىء | فعلى جميلٍ أبي الثناء ثنائي |
أعيى المناضلَ والمناظرَ فارتقت | علياؤه قدراً على العلياء |
متوقد مثل الضرام فطانة | وبلطف ذاك الطبع لطف الماء |
فتبلّجت منه شموس فضائلٍ | ظهرت على الدنيا بغير خفاء |
وعلت على أفهامنا ألفاظه | فتمثَّلت بكواكب الجوزاء |
تلك الرويّة والسجيّة لم تزل | أقمار أفقٍ أو نجوم سماء |
كم قد أفيضت من يديه لنا يدٌ | شكراً لهاتيك اليد البيضاء |
إيْ والذي جعل العلى من مجده | فرح الصديق وغمَّة الأعداء |
شمنا بوارق نائل من سيله | متتابع الإحسان بالآلاء |
هيهات يحكي جوده صوب الحيا | والغيث موقوف على الأنواء |
بحر إذا التمس المؤمِّلُ ورده | فاضت عليه زواخر الأنداء |
إن قيل في الزوراء أصبح قاطناً | فاعلم بأنَّ المجدَ في الزوراء |
نشرت علومك في البلاد جميعها | كالصبُّح إذ ملأ الفضا بضياء |
ولك الذّكاءُ كأنما برهانه | يكسو سناه تبلّج ابن ذكاء |
ونظرتَ في الأشياء نظرة عارف | حتى عرفت حقائق الأشياء |
وكشفت من سر العلوم غوامضاً | فيهن كانت حيرة الحكماء |
أجريت حكم الله بين عباده | فعلتْ بحكمك راية الإفتاء |
وكأنما يوحى إليك فقد بدت | لك معجزات النظم والإنشاء |
فعلت لك الأقلام في مهج العدى | ما تفعل الأبطال في الهيجاء |
خرسٌ إذا أنطقتها بأنامل | أخرستَ فيها ألسن الفصحاء |
أبكيتها فتضاحكت لبكائها | روضُ الفضائل لا رياض كبار |
فإذا مدحت مدحت غير مراهن | فيها وغير معرض لرياء |
فاهنأ بهذا العيد إنك عيده | يا فرحتي دون الورى وهنائي |
وأجزْ عبيدك في رضاك فإنه | ـ وأبيك ـ غاية ُ مطلبي ورجائي |
لا زلت منفرداً بما أدَّيته | من رفعة ٍ وفضيلة وعلاء |