دَقّ شَوّالُ في قَفَا رَمضانِ،
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
دَقّ شَوّالُ في قَفَا رَمضانِ، | وأتَى الفطرُ مؤذناً بالتهاني |
فجَعَلنا داعي الصَّبوحِ لدينا | بدلاً من سحورهِ والأذانِ |
وعزلنا الإدامَ فيهِ ولذنا | بقنانٍ مصفوفة ٍ وقيانِ |
ونحَرنا فيهِ نحورَ زِقاقٍ، | وضرَبنا بهِ رِقابَ دِنانِ |
واسترحنا من التراويحِ واعتضـ | ـنا بخفقِ الجنوكِ والعيدانِ |
فالمَزاميرُ في دُجاهُ زمُورٌ، | والمَثاني مَثالِثٌ ومَثاني |
كلَّ يوم أروحُ فيهِ وأغدُو | بَينَ حُورِ الجِنانِ والوِلدانِ |
لا تراني، إذا رأيتَ نفيَّ الـ | ـخدِّ أثني طرفي إلى لحياني |
مَنظَرُ الصّومِ مع تَوَخّيهِ عندي | مَنظَرُ الشّيبِ في عيونِ الغَواني |
ما أتاني شعبانُ من قبلُ إلاّ | وفُؤادي من خَوفِهِ شعبانِ |
كيفَ أستشعرُ السرورَ بشهرٍ | زَعَمَ الطّبّ أنّهُ مَرَضانِ |
لا تتمُّ الأفراحُ إلاّ إذا عا | دَ سَنا بَدرِهِ إلى نُقصانِ |
فيهِ هجرُ اللذاتِ حتمٌ وفيهِ | غيرُ مستحسنٍ وصالُ الغواني |
وقبيحٌ فيهِ التنسكُ إلاّ | بَعدَ ستّينَ حِجّة ً وثَماني |
فاسقني القهوة َ التي قيلَ عنها | إنّها من شرائطِ الشّيطانِ |
خندريساً تكادُ تفعلُ بالعقـ | ـلِ فعلِ النعاسِ بالأجفانِ |
بنتُ تِسعِينَ تُجتَلى في يَدَي بنـ | ـتِ ثلاثٍ وأربعٍ وثمانِ |
كلّما زادَتِ البَصائِرُ نَقصاً | خَطَبُوها بوافِرِ الأثمانِ |
شَمسُ راحٍ تُريكَ في كل دورٍ | بدورِ السقاة ِ حكمَ قرانِ |
ذاتُ لطفٍ يظنها من حساها | خلقتْ من طبائعِ الإنسانِ |
سيّما في الخَريفِ، إذا بَرَدَ الظّـ | ـلّ وصَحّ اعتدالُ فَصلِ الزّمانِ |
وانتشارُ الغيومِ في مبدأِ الفصـ | ـلِ، وشَمسُ الخريفِ في الميزانِ |
وبساطُ الأزهارِ كالوَشْيِ، والغَيْـ | ـمُ كثَوبٍ مُجَسَّمٍ من دُخانِ |
في رِياضِ الفَخْرِيّة ِ الرّحبَة ِ الأكـ | ـنافِ ذاتِ الفنونِ والأفنانِ |
فوقَ فرشٍ مبثوثة ٍ وزرابـ | ـيّ عتاقٍ وعبقريّ حسانِ |
صَحّ عندي بأنّها جَنّة ُ الخُلـ | ـدِ، وفيها عَينانِ نَضّاخَتانِ |
وكأنّ الهِضابَ بِيضُ خُدُودٍ | ضَرّجَتها شَقائِقُ النّعمانِ |
وكأنّ المِياهَ دَمعُ سرورٍ، | وكأنّ الرّياحَ قَلبُ جَبانِ |
وشموسُ المدامِ تشرقُ والصحـ | ـبُ بظلّ الغَمامِ في صيوانِ |
فاسقني صرفها، فإنّ جديدَ الـ | ـغَيمِ يَدعُو إلى عَتيقِ الدّنانِ |
بينَ فرشٍ مبثوثة ٍ وزرابـ | ـيٍّ رِياضٍ وعبقَرِيٍّ حِسانِ |
في ظِلالٍ على الأرائِكِ منها، | والدّوالي ذاتِ القُطوفِ الدواني |
فانتَهِزْ فُرصَة َ الزّمانِ فليسَ الـ | ـمَرءُ من جَورِ صَرفِهِ في أمانِ |
وتمتع، فإنّ خوفكَ منها | سُوءُ ظَنٍّ بالواحِدِ المَنّانِ |
فرَضعنا دَرّ السّرورِ وظَلنا | في أمانٍ من طارقِ الحدثانِ |
شملتنا من ناصر الدين نعمى | نصَرتنا على صُروفِ الزّمانِ |
عمرَ المالكُ الذي عمرَ الجو | دَ، وقد كانَ داثرَ البُنيانِ |
المَليكُ الذي يَرَى المنّ إشرا | كاً بوصفِ المهينِ المنانِ |
والجوادُ السمحُ الذي مرجَ البحـ | ـرينِ من راحتَيهِ يَلتَقيانِ |
ملكٌ يعتقُ العبيدَ من الر | قّ ويشري الأحرارَ بالإحسانِ |
فلباغٍ عَصاهُ حُمرُ المَنايا، | ومَزايا رَصّعنَ دُرّ المَعاني |
ولباغي نَداهُ بِيضُ الأماني | |
لذتُ حبّاً بهِ، فمَدّ بضَبعَـ | ـيّ وأغلى سِعري، وأعلى مَكاني |
وحَباني قُرباً، فأصبَحتُ منهُ | مثلَ هارون من فتى عِمرانِ |
يا أخا الجودِ ليسَ مثلكَ موجو | داً، وإن كانَ بادياً للعيانِ |
أنتَ بَينَ الأنامِ لَفظَة ُ إجما | عٍ عليها اتفاقُ قاصٍ ودانِ |
ولكَ الرتبة ُ التي قصرتْ دو | نَ عُلاها النّيرانُ والفَرقَدانِ |
والحسامُ الذي إذا صلتِ البيـ | ـضُ وصَلّتْ في البَيضِ والأبدانِ |
قامَ في حَومة ِ الهِياجِ خَطيباً | قائلاً: كلّ مَن علَيها فانِ |
واليَراعُ الذي يَزيدُ بقَطعِ الـ | ـرأسِ نطقاً من بعد شقّ اللسانِ |
لم يمسّ التّرابَ نَعلاكَ إلاَّ | حسَدَتهُ مَعاقِدُ التّيجانِ |
شِيَمٌ لم تكُنْ لغَيرِكَ إلاَّ | لمَعالي شَقيقِكَ السّلطانِ |
جَمَعَ اللَّهُ فيكُما الحُسنَ والإحـ | ـانَ إذ كنتما رضيعيْ لبانِ |
وتجارَيتُما إلى حَلَبَة ِ المَجـ | ـدِ، فوافيتما كمهريْ رهانِ |
ثم عاضدتهُ، فكنتُ لهُ عيـ | ـناً وعَوناً في كلّ حَربٍ عَوانِ |
فتهنّ بالعيدِ السعيدِ، وإن كا | نَ لكلّ الأنامِ منهُ التّهاني |
ليسَ لي في صفاتِ مجدكَ فخرٌ، | هيَ أبدتْ لنا بديعَ المعاني |
كلّما أبدَعَتْ سَجاياكَ مَعنًى ، | نظَمَتْ فِكرَتي وخَطّ بَناني |
لا تسمني بالشعرِ شكرَ أياديـ | ـكَ، فما لي بشكرِهنّ يدانِ |
لو نظمتُ النجومَ شعراً لما كا | فَيتُ عن بَعضِ ذلكَ الإحسانِ |