كانَ الزمانُ بلقياكم يمنينا،
كانَ الزمانُ بلقياكم يمنينا، | وحادِثُ الدّهرِ بالتّفريقِ يَثنينا |
فعندما صدقتْ فيكم أمانينا، | أضحَى التّنائي بَديلاً مِن تَدانينا |
ونابَ عن طيبِ لقيانا تجافينا | |
خِلنا الزّمانَ بلُقياكم يُسامِحُنا | لكيْ تزانَ بذكراكم مدائحُنا |
فعندما سمحتْ فيكم قرائحُنا | بِنتُم وبِنّا فَما ابتَلّتْ جَوانحُنا |
شَوقاً إليكُم ولا جَفّتْ مآقينا | |
لم يُرضِنا أن دَعا بالبَينِ طائرُنا، | شَقُّ الجُيوبِ، وما شُقّتْ مرائرُنا |
يا غائبينَ ومأواهم سرائرُنا، | تَكادُ حينَ تُناجيكُم ضَمائرُنا |
يقضي علينا الأسَى لولا تأسينا | |
حمدتُ أيّام أُنسٍ لي بكم سَعِدتْ، | وأسعَدتْ إذ وَفتْ فيكم بما وَعدتْ |
فاليومَ إذ غِبتمُ، والدّارُ قد بعُدتْ، | حالتْ لفقدكمُ أيامُنا فغدتْ |
سوداً، وكانتْ بكم بيضاً ليالينا | |
فزنا بنيلِ الأماني من تشرفِنا، | بقربكم، إذا برينا من تكلفنا |
حتى كأنّ اللّيالي في تصَرفنا، | إذا جانبُ العيشِ طلقٌ من تألفِنا |
ومَورِدُ اللّهوِ صافٍ من تَصافينا | |
كم قد وردنا مياهُ العزّ صافية ً، | وكم عَللَنا بها الأرواحَ ثانيَة ً |
إذْ عينُها لم تكن بالمنّ آنية ً، | وإذ هصرنا غصونَ الأنسِ دانية ً |
قطوفها، فجنينا منهُ ماشينا | |
يا سادة ً كانَ مغناهم لنا حرما، | وكانَ رَبعُ حَماة ٍ للنّزيلِ حِمَى |
كم قد سَقيتم مياهَ الجودِ ربّ ظمَا | ليسقِ عهدكمُ عهدُ الغمامِ فما |
كنتم لأرواحِنا إلاّ رياحينا | |
هل يعلمُ المسكرونا من سماحهمُ | برشفِ راحِ النّدى من كأسِ راحهمْ |
أنا لبِسنا الضّنا بعدَ التماحهمُ، | من مبلغُ الملبسينا بانتزاحهمُ |
ثوباً من الحزنِ لا يبلي ويبلينا | |
إذا ذكرنا زَمانا كان يُدرِكُنا، | بالقُربِ منكم، وفي اللّذاتِ يُشرِكُنا |
لا نَملِكُ الدّمعَ والأحزانُ تملكُنا؛ | إنّ الزمانَ الذي قد كان يضحكُنا |
آناً بقربكُم قد صارَ يبكينا | |
نعى المؤيد قومٌ لودروا ووعوا، | أيَّ الملوكِ إلى أيّ الكِرام نعَوا |
أظنّهُ، إذ سقانا الودَّ حينَ سعَوا، | غِيظَ العِدى من تَساقينا الهوى فدعَوا |
بأن نغصّ، فقالَ الدهرُ آمينا | |
لمّا رأوا ما قَضينا من مَجالِسِنا، | وسِبطَ أنسٍ رأينا من مَجالِسِنا |
دعوا لنفجعَ في الدّنيا بأنفسِنا، | فانحلّ ما كانَ معقوداً بأنفسِنا |
وانبَتَّ ما كانَ مَوصولاً بأيدينا | |
أينَ الذينَ عَهِدْنا الجودَ يُوثِقُنا | في رَبعِهم، ولهم بالشّكرِ يُنطِقُنا |
وكان فيهم بهم منهم تأنقنا، | وقد نكونُ وما يُخشَى تَفَرّقُنا |
فاليومَ نحنُ، وما يرجَى تلاقينا | |
يا غائبين، ولا تخلو خواطرنا | من شَخصِهم وإن اشتاقتْ نواظرُنا |
واللَّهِ لا يَنقَضي فيكم تَفكّرُنا، | لا تحسبوا نأيكم عنّا يغيرُنا |
إنْ طالَ مَا غَيّرَ النّأيُ المُحّبينا | |
إنّا، وإن زادَنا تَفريقُنا غُلَلاً، | إلى اللّقا، وكسانا بعدكم عِلَلاً |
لم نَدعُ غَيرَكمُ سُؤلاً، ولا أملاً، | واللهِ ما طلبتْ أرواحُنا بدلاً |
منكم، ولا انصرفتْ عنكم أمانينا | |
إذا ذكرتُ حِمَى العاصي ومَلعَبِهِ، | والقَصرَ والقُبّة َ العُليا بمَرقَبِهِ |
أقولُ، والبرقُ سارٍ في تلهبهِ: | يا ساريَ البرق غادي القصرَ فاسقِ بهِ |
من كان صَرفَ الهَوى والوُدّ يَسقينا | |
يا غاديَ المزنِ إن وافيتَ حلتَنا | على حَماة َ، فجُد فيها محَلّتَنا |
واقرَ السلامَ بها عنّا احبتنا، | ويا نسيمض الصَّبا بلغْ تحيتنا |
مَن لو على البُعدِ مُتنا كانَ يُحيينا | |
سلطانُ عصرٍ إلهُ العرشِ بوأهُ | من المعالي، وللخيراتِ هيأهُ |
براهُ زيناً، وممّا شانَ برأهُ، | ربيبُ مُلكٍ كأنّ اللَّهَ أنشَأهُ |
مِسكاً، وقَدّرَ إنشاءَ الوَرى طينا | |
نحنُ الفداءُ لمن أبقَى لنا خلفاً، | من ذكرهِ، وإن ازددنا به أسفاً |
وإن نكن دونَ أن يُفدى بنا أنفاً، | ما ضرّ إن لم نكن أكفاءهُ شرفاً |
وفي المَوَدّة ِ كافٍ من تَكافينا | |
يا مَن يَرى مَغنَمَ الأموالِ مَغرَمة ً | إن لم يُفِدْ طالبي جَدواهُ مَكرُمة ً |
إنّا، وإن حُزتَ ألقاباً مكَرَّمة ً، | لَسنا نُسَمّيكَ إجلالاً وتَكرِمة ً |
وقدرُكَ المُعتَلي عن ذاكَ يُغنينا | |
كم قد وصفتَ بأوصافٍ مشرفة ٍ، | في خطّ ذي قلمٍ أو نطقِ ذي شفة ٍ |
فقَد عَرفناكَ منها أيَّ مَعرِفَة ٍ، | إذا انفَرَدتَ وما شُورِكتَ في صِفة ٍ |
فحسبنا الوصفُ إيضاحاً وتبيينا | |
خلّفتَ بعدَكَ للدّنيا وآمِلِها | نجلاً يسرّ البرايا في تأملِها |
فلم تقل عنك نفسٌ في تململها: | يا جنة َ الخلدِ أبدلنا بسلسلِها |
والكوثرِ العذبِ زقوماً وغسلينا | |
كم خلوة ٍ هزنا للبحثِ باعثُنا، | فليسَ يؤنسنا إلاذ مباحثنا |
فاليَومَ أُخرِسَ بالتّفريقِ نافثُنا، | كأنّنا لم نبتْ، والوصلُ ثالثُنا |
والدهرُ قد غضّ من أجفانِ واشينا | |
ولَيلَة ٍ قد حَلا فيها تَنادُمُنا، | والعزُّ يكنفنا، والسعدُ يقدمنا |
ونحنُ في خَلوَة ٍ، والدّهرُ يَخدُمُنا، | سرينِ في خاطرِ الظلماءِ يكتمنا |
حتى يكادُ لسانُ الصبحِ يفشينا | |
للَّهِ كم قد قضَينا منكمُ وطراً، | قد كان عيناً فأمسَى بعدكم خبرا |
لا تَعجَبوا إن جعلنا ذكرَكم سمراً، | إنّا قَرأنا الأسَى يومَ النّوى سُوَراً |
متلوة ً، واتخذنا الصبرَ تلقينا | |
كم من حَبيبٍ عَدَلنا مع تَرحّلِهِ، | إلى سِواهُ، فأغنى عن تأمّلِه |
وصعبِ وردٍ عدلناهُ بأسهلِهِ، | أما هواكَ، فلم يعدَل بمنهلِهِ |
شُرْباً وإن كانَ يَروينا، فيُظمينا | |
تشكو إلى اللهِ نفسٌ بعَ ما لقيتْ | غبّ النعيمِ الذي من بعدِه شقيتْ |
فَيا سَحاباً بهِ كلُّ الوَرى سُقِيتْ: | عليكَ منّى سَلامُ اللَّهِ ما بقيَتْ |
صَبابَة ٌ منكَ تُخفيها وتُخفينا |