الإحسان إلى الجار
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
"الجار قبل الدار.." مقولة شائعة بين الناس، وعلى قدر الجار يكون ثمن الدار، والجار الصالح من السعادة .فضل الإحسان إلى الجار في الإسلام:
لقد عظَّم الإسلام حق الجار، وظل جبريل عليه السلام يوصي نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم بالجار حتى ظنَّ النبي أن الشرع سيأتي بتوريث الجار: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى طننت أنه سَيُورِّثه» (صحيح أبي داود:5152)، وقد أوصى القرآن بالإحسان إلى الجار: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ..} [ النساء :36].
وانظر كيف حض النبي صلى الله عليه وسلم على الإحسان إلى الجار وإكرامه:
«...ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره» ( صحيح مسلم :47)، بل وصل الأمر إلى درجة جعل فيها الشرع محبة الخير للجيران من الإيمان ، قال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه» (صحيح مسلم:45)، والذي يحسن إلى جاره هو خير الناس عند الله: «خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره» (صحيح الترمذي:1944).
من هو الجار؟
الجار هو مَن جاورك، سواءٌ كان مسلمًا أو كافرًا، وأما حد الجوار فقد تعددت أقوال أهل العلم في بيان ذلك الحد، ولعل الأقرب -والعلم عند الله- أن ما تعارف عليه الناس أنه يدخل في حدود الجوار فهو الجار، والجيران يتفاوتون من حيث مراتبهم، فهناك الجار المسلم ذو الرحم، وهناك الجار المسلم، والجار الكافر ذو الرحم، والجار الكافر الذي ليس برحم، وهؤلاء جميعًا يشتركون في كثير من الحقوق ويختص بعضهم بمزيد منها بحسب حاله ورتبته.
من صور الجوار:
يظن بعض الناس أن الجار هو فقط من جاوره في السكن، ولا ريب أن هذه الصورة هي واحدة من أعظم صور الجوار، لكن لا شك أن هناك صورًا أخرى تدخل في مفهوم الجوار، فهناك الجار في العمل، والسوق، والمزرعة، ومقعد الدراسة، وغير ذلك من صور الجوار.
من حقوق الجار: لا شك أن الجار له حقوق كثيرة نشير إلى بعضها، فمن أهم هذه الحقوق:
1- رد السلام وإجابة الدعوة : وهذه وإن كانت من الحقوق العامة للمسلمين بعضهم على بعض، إلا أنها تتأكد في حق الجيران لما لها من آثار طيبة في إشاعة روح الألفة والمودة.
2- كف الأذى عنه:
نعم فهذا الحق من أعظم حقوق الجيران، والأذى وإن كان حرامًا بصفة عامة فإن حرمته تشتد إذا كان متوجهًا إلى الجار، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من أذية الجار أشد التحذير وتنوعت أساليبه في ذلك، واقرأ معي هذه الأحاديث التي خرجت من فم المصطفى صلى الله عليه وسلم: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن.
قيل: مَنْ يا رسول الله؟ قال: مَن لا يأمن جاره بوائقه» (صحيح الترغيب:2550)، ولما قيل له: "يا رسول الله! إن فلانة تصلي الليل وتصوم النهار، وفي لسانها شيء تؤذي جيرانها.
قال: «لا خير فيها، هي في النار »" (السلسلة الصحيحة:369/1).
«لا يدخل الجنة مَن لا يأمن جاره بوائقه» (صحيح مسلم:46).
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه أذى جاره، فقال: «اطرح متاعك في الطريق، ففعل؛ وجعل الناس يمرون به ويسألونه.
فإذا علموا بأذى جاره له لعنوا ذلك الجار، فجاء هذا الجار السيئ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو أن الناس يلعنونه، فقال صلى الله عليه وسلم: فقد لعنك الله قبل الناس» (الترغيب والترهيب:321/3).
3- تحمل أذى الجار:
وإنها والله لواحدة من شيم الكرام ذوي المروءات والهمم العالية، إذ يستطيع كثير من الناس أن يكف أذاه عن الآخرين، لكن أن يتحمل أذاهم صابرًا محتسبًا فهذه درجة عالية: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ..} [المؤمنون:96].
ويقول الله تعالى: {..وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى:43].
وقد ورد عن الحسن رحمه الله قوله: "ليس حُسْنُ الجوار كفّ الأذى، حسن الجوار الصبر على الأذى".
4- تفقده وقضاء حوائجه:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما آمن بي من بات شبعانًا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم» (صحيح الترغيب:2561)، وإن الصالحين كانوا يتفقدون جيرانهم ويسعون في قضاء حوائجهم، فقد كانت الهدية تأتي الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيبعث بها إلى جاره، ويبعث بها الجار إلى جار آخر، وهكذا تدور على أكثر من عشرة دور حتى ترجع إلى الأول، ولما ذبح عبد الله بن عمر رضي الله عنهما شاة، قال لغلامه: "إذا سلخت فابدأ بجارنا اليهودي"!، وسألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منكِ بابًا»" (صحيح البخاري :6020).
5- ستره وصيانة عرضه:
وإن هذه لمن أوكد الحقوق، فبحكم الجوار قد يطَّلع الجار على بعض أمور جاره، فينبغي أن يوطن نفسه على ستر جاره مستحضرًا أنه إن فعل ذلك ستره الله في الدنيا والآخرة، أما إن هتك ستره فقد عرَّض نفسه لجزاء من جنس عمله: {..وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46]، وقد كان العرب يفخرون بصيانتهم أعراض الجيران حتى في الجاهلية، يقول عنترة:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي *** حتى يواري جارتي مأواها
وأما في الإسلام فيقول أحدهم:
ما ضـر جاري إذ أجاوره *** ألا يـكــون لبـيـته ســــتـر
أعمى إذا ما جارتي خرجت *** حتى يواري جارتي الخدر
وأخيرًا فإننا نؤكد على أن سعادة المجتمع وترابطه وشيوع المحبة بين أبنائه، لا تتم إلا بالقيام بهذه الحقوق وغيرها مما جاءت به الشريعة ، وإن واقع كثير من الناس ليشهد بقصور شديد في هذا الجانب حتى إن الجار قد لا يعرف اسم جاره الملاصق له في السكن، وحتى إن بعضهم ليغصب حق جاره، وإن بعضهم ليخون جاره ويعبث بعرضه وحريمه، وهذا والله من أكبر الكبائر، سئل النبي صلى الله عليه وسلم: "أي الذنب أعظم؟ عدَّ من الذنوب العظام: «أن تزاني حليلة جارك» (صحيح مسلم 86).
نسأل الله أن يعيننا والمسلمين على القيام بحقوق الجوار..
وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
ماهر السيد