لَعَلّ لَيالي الرّبوَتَينِ تَعودُ،
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
لَعَلّ لَيالي الرّبوَتَينِ تَعودُ، | فتشرقَ من بعدِ الأفولِ سعودُ |
ويُخصِبَ رَبُع الأنسِ من بعدِ مَحلِه، | ويُورِقَ من دَوحِ التّواصُلِ عُودُ |
سقَى حلباً صوبُ العهادِ، وإن وهتْ | مَواثيقُ من سُكّانِها وعُهودُ |
وحيا على أعلى العقيقة ِ منزلاً، | عُيونُ ظِباءٍ للأُسودِ تَصيدُ |
إذا ما انتضتْ فيه اللحاظُ سيوفها، | فإنّ قُلوبَ العاشقينَ غُمودُ |
رددنا بهِ بيضَ الصفاحَ كليلة ً، | فصالَتْ علَينا أعيُنٌ وقُدودُ |
فللهِ عيشٌ بالحبيبِ قضيتهُ، | فُوَيقَ قُوَيقٍ، والزّمانُ حَميدُ |
بظَبيٍ من الأتراكِ في رَوضِ خَدّهِ | غَديرُ مياهِ الحُسنِ فيهِ ركُودُ |
تَمَلّكتُهُ رِقّاً، فكانَ لحُسنِهِ، | هو المالكُ المولى ، ونحنُ عبيدُ |
فكنتُ ابنَ همامٍ، وقد ظفرتْ يدي | بهِ، ودمشقٌ في القِياسِ زَبيدُ |
إلى أن قضى التفريقُ فينا قضاءهُ، | وذلكَ ما قد كنتُ منهُ أحيدُ |
فغيب بدراً يَفضحُ البدرَ نُورُه، | وغصناً يميتُ الغصنَ حينَ يميدُ |
وقد كنتُ أخشَى فيه من كيدٍ حاسِدٍ، | ولم أدرِ أنّ الدهرَ فيهِ حسودُ |
فيا من يراهُ القلبُ، وهو محجبٌ، | وتوجدهُ الأفكارُ، وهو فقيدُ |
إذا كنتَ عن عيني بعيداً، فكلُّ ما | أُسَرُّ بهِ، إلاّ الحِمامَ، بَعيدُ |
وما نابَ عنكَ الغَيرُ عندي، وقلّما | ينوبَ عن الماءِ القراحِ صعيدُ |
إذا كنتُ في أهلي ورهطي ولم تكنْ | لديّ، فإنّي بَينَهمْ لوَحيدُ |
وإن كنتَ في قفرِ الفلاة ِ مقرَّباً | إليّ، فعيشي في الفلاة ِ رغيدُ |
ولو كنتَ تشرى بالنفيسِ بذلتهُ، | ولو أنّ حَبّاتِ القلوبِ نُقودُ |
ولكنّ من أودى هواكَ بلبهِ | مُريدٌ لما أصبَحتُ منكَ أُريدُ |
جلوتَ له وجهاً وَقَداً مُرَنَّحاً، | وفرعاً وفرقاً وافرٌ ومديدُ |
فشاهدَ بدراً فوقَ غصنٍ يظلُّهُ | دُجًى ، لاحَ فيهِ للصّباحِ عَمُودُ |
أقولُ، وقد حَقّ الفِراقُ، وأحدقتْ | من التركِ حولي عدة ٌ وعديدُ |
وقد حجَبَ الظَّبْيَ الرّقيبُ، وأقبَلتْ | تُمانعُني دونَ الكِناسِ أُسودُ |
وتَنظُرُني شَزراً، من السُّمرِ والظُّبَى ، | نَواظرُ إلاّ أنّهنّ حَديدُ |
لكَ اللهث من جانٍ عليّ برغمهِ، | ومتهمٍ بالغدرِ، وهوَ ودودُ |
ومَن باتَ مَغصوباً على تَركِ صُحبتي | بنزعِ مريدِ الأنسِ، وهوَ مريدُ |
معطَّلَة ٌ بينَ السّلُوّ لفَقدِهِ، | وقَصرُ غَرامي في هَواهُ مَشيدُ |
ولم يَبقَ إلاّ حسرَة ٌ وتذكّرٌ، | وطيفٌ يُرى في مَضجَعي، فيرودُ |
جَزَى اللَّهُ عنّي الطّيفَ خيراً، فإنّهُ | يعيدُ ليَ اللذات حينَ يعودُ |
سرى من أعالي الشامِ يقصدُ مثلهُ، | ونحنُ بأعلى ماردينَ هجودُ |
فَقضّيتُ عَيشاً، لو قَضيناهُ يَقظَة ً، | لَقامَتْ علَينا للإلَهِ حُدودُ |
وبرقٍ حكى ثغرَ الحبيبِ ابتسامُهُ، | تألقَ وهناً، والرفاقُ رقودُ |
يعلمُ عينيّ البكا، وهوَ إلفُها | وإن كانَ دَمعي ما علَيهِ مَزيدُ |
كما علمتْ صوبَ الحيا، وهو عالمٌ، | يدُ الصّالحِ السّلطانِ، كيفَ يَجودُ |
مليكٌ، إذا رامَ الفخارَ سمتْ بهِ | إلى الفخرِ آباءٌ لهُ وجدودُ |
إذا جادَ فالبِيدُ السّباسبُ أبحرٌ؛ | وإنْ صالَ، فالشمُّ الشواهقُ بيدُ |
سَماحٌ لهُ تحتَ الطِّباقِ تَحَذّرٌ، | وعزم لهُ فوقَ الشدادِ صعودُ |
لياليهِ بيضٌ عندَ بذلِ هباتهِ، | وأيّامُهُ، عندَ الوَقائِع، سُودُ |
يُرنّحُهُ سَمعُ المَديحِ تكرّماً، | وإنّ لَبيداً عندَهُ لبَليدُ |
وقَفتُ، وأهلُ العَصرِ تَنشُرُ فضلَه، | ويسألني عن مجدهِ، فأعيدُ |
فقالوا: له حُكمٌ؛ فقلتُ: وحِكمة ٌ؛ | فقالوا: له جَدٌّ؛ فقلتُ: وجُودُ |
فقالوا: له قَدْرٌ؛ فقلتُ: وقُدرَة ٌ؛ | فقالوا: له عَزمٌ؛ فقلتُ: شَديدُ |
فقالوا: له عَفوٌ؛ فقلتُ: وعِفّة ٌ؛ | فقالوا: له رأيٌ؛ فقلتُ: سَديدُ |
فقالوا: له أهلٌ؛ فقلتُ: أهِلّة ٌ؛ | فقالوا: له بَيتٌ؛ فقلتُ: قَصيدُ |
من القوم في مَتنِ الجِيادِ وِلادُهُمْ، | كأ،ّ متونَ الصافناتِ مهودُ |
غيوثٌ لهم يومَ الجيادِ من الظبَى | بروقٌ، ومن وطءِ الجهادِ رعودُ |
أيا ملكاً لو يستطيعُ سميهُ | تَحَمُّلَهُ ما خالَفَتَهُ ثَمُودُ |
دعيتَ لملكٍ لا يؤودكَ حفظهُ، | وإن كانَ ثِقلاً للجِيالِ يَؤودُ |
فقَوّمتَ زَيغَ الحقّ، وهوَ مُمَنَّعٌ، | وقُمتَ بعِبْءِ المُلكِ، وهوَ شَديدُ |
وسَهّدتَ في رَعيِ العِبادِ نَواظِراً، | بها النّاسُ في ظلّ الأمانِ رُقودُ |
وأحيَيتَ آثارَ الشّهيدِ بنائِلٍ | معَ الناسِ منهُ سائقٌ وشهيدُ |
فَيا لكَ سيفاً في يَدَيْ آلِ أُرتُقٍ، | يدافعُ عن أحسابهمْ ويذودُ |
ويا حاملَ الأثقالِ، وهيَ شدائدٌ، | ويا مُتلِفَ الأموالِ، وهيَ جُنودُ |
لكَ اللهُ قد جزتَ الكواكبَ صاعداً، | إلى الغاية ِ القصوى ، فأينَ تريدُ |
يُهَنّيكَ بالعيدِ السّعيدِ مَعاشِرٌ، | ولي كلَّ يومٍ من هنائكَ عيدُ |
ولو أنّ عيدَ النّحرِ نَحرٌ مُجَسَّمٌ | غدا فيكَ مدحي، وهو فيهِ عقودُ |
ولولا هواكم ما سرتْ لي مدحة ٌ، | ولا شاعَ لي بينَ الأنامِ قَصيدُ |
ولما جلوتُ المدحَ، وارتحتُ للندى ، | ورحنا، وكلٌّ في الطلابِ مجيدُ |
قصدنا المعاني، والمعالي، فلم أزلْ | أجيدث بأشعاري، وأنتَ تجودُ |
يقولونَ لي: قد قلّ نهضكَ للسرَى ، | وما علموةا أنّ النوالَ قيودُ |
فقلتُ: مللتُ السيرَ مذ ظفرتْ يدي | بأضعافِ ما أختارُهُ وأُريدُ |
لدى ملكٍ كالرمحِ أمّا سنانهُ | فَماضٍ، وأمّا ظِلُّهُ فمَديدُ |
تبنه لي، والعزُّ عنيّ راقدٌ، | وقامَ بنَصري، والأنامُ قُعودُ |
فيا قبلة َ الجودِ التي لبني الرجَا | رُكُوعٌ إلى أركانِها وسُجُودُ |
ليهنكَ ملكٌ لا يزالُ مخيماً | لدَيكَ، وذِكرٌ في الأنامِ شَريدُ |
لئن بتَّ محسودَ الخصالِ، فلا أذى ً، | كذا من غدا في الناسِ، وهو فريدُ |
إذا عَمَّ نورُ البَدرِ في أُفقِ سَعدِهِ، | فَما ضَرَّهُ أن السّماكَ حَسودُ |