من نفخة ِ الصورِ أم من نفخة ِ الصورِ
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
من نفخة ِ الصورِ أم من نفخة ِ الصورِ | أحيَيتِ يا رِيحُ مَيتاً غَيرَ مَقبُورِ |
أم من شذا نسمة ِ الفردوسِ حينَ سرتْ | على بَليلٍ مِنَ الأزهارِ مَمطورِ |
أم روضِ رَشملَ أعدى عطرُ نفحتهِ | طَيَّ النّسيمِ بنَشرٍ فيهِ مَنشُورِ |
والرّيحُ قد أطلَقتْ فضلَ العِنان به، | والغصنُ ما بينَ تَقديمٍ وتأخيرِ |
في روضَة ٍ نُصِبتْ أغصانُها، وغدا | ذَيلُ الصِّبا بينَ مَرفوعٍ ومَجرورِ |
والماءُ ما بينَ مصروفٍ وممتنعٍ، | والظلُّ ما بينَ ممدودٍ ومقصورِ |
والرّيحُ تَجري رُخاءً فوقَ بَحرَتها، | وماؤها مطلقٌ في زيّ مأسورِ |
قد جمعتُ جمعَ تصحيحٍ جوانبُها، | والماءُ يجمعُ فيها جمعَ تكسيرِ |
والرّيحُ تَرقُمُ في أمواجِهِ شَبَكاً، | والغيمُ يرسمُ أنواعَ التصاويرِ |
والنّرجِسُ الغَضُّ لم تُغضَضْ نواظرُه، | فزَهرُهُ بينَ مُنغَضٍّ ومَزرورِ |
كأنّهُ ذَهَبٌ من فوقِ أعمِدَة ٍ | |
وقد أطعنا التصابي حينَ ساعدَنا | عصرُ الشبابِ بجودٍ غيرِ منزورِ |
إنّ الشّبابَ شَفيعٌ، نَشرُ بُردَتِهِ | من عِطرِ دارِينَ لا من عطرِ فَنصورِ |
وزامرُ القومِ يطوينا وينشرُنا | بالنّفخِ في النّاي لا بالنّفخِ في الصّورِ |
وقد تَرَنّمَ شادٍ، صوتُه غَرِدٌ، | كأنّهُ ناطِقٌ من حَلقِ شُحرُورِ |
شادٍ، أناملهُ ترضي الأنامَ له، | إذا شدا وأجابَ البمُّ بالزيرِ |
بشامخِ الأنفِ قَوّامٍ على قَدَمٍ، | يَشكو الصّبابة َ عن أنفاسِ مَهجورِ |
شدتْ بتصحيفهِ في العضد ألسنُه، | فزادَ نطفاً لسرٍّ فيهِ مَحصُورِ |
إذا تأبّطَهُ الشّادي وأذكَرَهُ | عصرَ الشبابِ بأطرافِ الأظافيرِ |
شَكَتْ إلى الصّحبِ أحشاهُ وأضلُعُه | قرضَ المقاريضِ أو نشرَ المناشيرِ |
بينما ترى خدهُ من فوقِ سالفة ٍ | كمنْ يشاورهُ في حسنِ تدبيرِ |
تَراهُ يُزعِجُهُ عُنفاً ويُسخِطُهُ | بضربِ أوتارهِ عن حقدِ موتورِ |
والراقصاتُ، وقد مالتْ ذوائبُها، | على خصورٍ كأوساطِ الزنانيرِ |
يخفي الردا سقمها عنا فيفضحها | عَقدُ البُنودِ وشدّاتُ الزّنانيرِ |
إذا انثنينَ بأعطافٍ يجاذبُها | مَوّارُ دِعصٍ من الكُثبانِ مَمطورِ |
رأيتَ أمواجَ أردافٍ قد التطمتْ | في لجّ بحرٍ بماءِ الحسنِ مسحورِ |
من كلّ مائِسَة ِ الأعطافِ من مَرحٍ، | مقسومة ٍ بينَ تأنيثٍ وتذكيرِ |
كأنّ في الشيزِ يمناها، إذا ضربتْ، | صبحٌ تَقَلقَلَ فيهِ قلبُ دَيجُورِ |
تَرعَى الضّروبَ بكَفّيها وأرجُلِها، | وتَحفَظُ الأصلَ من نَقصٍ وتَغييرِ |
وتعربُ الرقصَ من لحنٍ فتلحقهُ، | ما يلحقُ النحوَ من حذفٍ وتقديرِ |
وحاملُ الكأسِ ساجي الطرفِ ذو هيفٍ | صاحي اللّواحظِ يثني عِطفَ مَخمورِ |
كأنما صاغهُ الرحمنُ تذكرة ً | لمن يشككُ في الولدانِ والحورِ |
تظلمتْ وجنتاهُ، وهيَ ظالمة ٌ، | وطرفُهُ ساحرٌ في زِيّ مَسحورِ |
يُديرُ راحاً يَشُبُّ المَزجُ جُذوَتَها، | فلا يزيدُ لظاها غيرَ تسعيرِ |
ناراً بدتْ لكليمِ الوجدِ آنسها | من جانبِ الكأسِ لا من جانبِ الطورِ |
تَشعشَعتْ في يدِ السّاقينَ واتّقَدَتْ | بها زجاجاتُها من لطفِ تأثيرِ |
كأنها، وضياُ الكأسِ يحجبُها، | روحٌ من النارِ في جسمٍ من النورِ |
وللأباريقِ عندَ المزجِ لجلجة ٌ، | كنُطقِ مُرتَبِكِ الألفاظِ مَذعورِ |
كأنها، وهيَ في الأكوابِ ساكبة ٌ، | طيرٌ تزقُّ فراخاً بالمناقيرِ |
أمستْ تحاولُ منّا ثأرَ والدِها | ودوسَهُ تحتَ أقدامِ المَعاصيرِ |
فحينَ لم يبقَ عقلٌ غيرَ معتقلٍ | أقامَ يَقرَعُ فيها سِنّ مَغرُورِ |
أجلتُ في الصحبِ ألحاظي فكم نظرتْ | ليثاً تُعَفّرُهُ ألحاظُ يَعفُورِ |
من كلّ عينٍ عليها مثلُ تالئِها | مكسورة ٍ ذاتِ فتكٍ غيرِ مكسورِ |
أقولُ، والراحُ قد أبدتْ فواقعها، | والكأسُ يَنفُثُ فيها نَفثَ مَصدورِ |
أسأتَ يا مازجَ الكاساتِ حليتها، | وهلْ يتوجُّ ياقوتٌ ببلورِ |
وقائِلٍ إذ رأى الجَنّاتِ عالية ً، | والحورَ مقصورة ً بينَ المقاصيرِ |
الجوسقَ الفردَ في لجّ البحيرة ، والـ | ـصرحَ الممردَ فيهِ من قوايرِ |
لمن ترى الملكَ بعدَ اللهِ؟ قلتُ لهُ | مَقالَ مُنبَسطِ الآمالِ مَسرورِ |
لصاحبِ التّاجِ والقَصرِ المَشيدِ ومَن | أتى بعدلٍ برحبِ الأرضِ منشورِ |
فقال: تعني به كسرى ؟ فقلتُ له: | كسرى بنُ أُرتُقَ لا كسرى بنُ سابورِ |
الصالحُ الملكُ المشكورُ نائلهُ، | وربّ نائلِ ملكٍ غيرِ مشكورِ |
مَلْكٌ، إذا وفّرَ النّاسُ الثّناءَ لهُ | أمستْ يداهُ بوفرٍ غيرش موفورِ |
مَحبوبَة ٌ عندَ كلّ النّاسِ طَلعَتُهُ، | كأنما عوجلتْ منهُ بتكويرِ |
لا تَفخَرُ الشّمسُ إلاّ أنّها لَقَبٌ | لهُ، وشبهٌ لهُ في العزّ والنورِ |
إنْ همَّ بالجودِ لم تنظرْ عزائمُهُ | في فعلهِ بين تقديمٍ وتأخيرِ |
يلقاكَ قبلَ العطا بالبشرِ مبتدئاً | بسطاً، وبعدَ العطايا بالمعاذيرِ |
رأتْ بنو أرتقٍ نهجَ الرشادِ بهِ، | وليسَ كلُّ زنادٍ في الدّجى يوري |
برأيِهِ انصَلَحتْ آراءُ مُلكِهِمُ، | كأنهمُ ظفروا منهُ بإكسيرِ |
كم عُصبَة ٍ مُذ بَدا سُوءُ الخِلاف بِها | بادتْ بصارمِ عزمٍ منهُ مشهورِ |
سعوا إلى الحربِ، والهاماتُ ساجدة ٌ، | والبيضُ ما بينَ تهليلٍ وتكبيرِ |
مشَوا كمشي القَطا، حتى إذا حمَلوا | ثِقلَ القُيودِ مَشوا مشيَ العَصافيرِ |
يا باذِلَ الخيلِ في يومِ الغُلُوّ بها، | وما أتينَ بسعيٍ غيرِ مشكورِ |
إن كانَ زهوَة ُ كسرى بالألوفِ فكمْ | وهَبتَ من عَدَدٍ بالألفِ مَجذورِ |
أو كانَ بالجَوسقِ النّعمانُ تاه، فكم | من جوسقٍ لكَ بالشعبينِ معمورِ |
في كلّ مستصعبِ الأرجاءِ ممتنعٍ | تبنى القناطرُ فيهِ بالقناطيرِ |
لو مَرّ عادُ بنُ شَدادٍ بجَنّتِهِ | |
لا غروَ إن جُدتَ للوُفّادِ قاصدَة ً | إليكَ تطوي الفلا طيَّ الطواميرِ |
إن تسعَ نحوكَ من أقصى الشآمِ، فقد | سعَتْ إلى الملكِ المَنصورِ من صُورِ |
فاسعَدْ بعيدٍ بهِ عادَ السَرورُ لَنا، | وعادَ شانيكَ في غَمٍّ وتَكديرِ |
صُمّتْ بصَومِكَ أسماعُ العُداة ِ، وكم | قلبٍ لهم منكَ بالإفطارِ مَفطورِ |
أدعوكَ دعوة َ عبدٍ وامقٍ بكمُ، | يا واحدَ العَصرِ، فاسمَع غيرَ مأمورِ |
لا أدّعي العُذرَ عن تأخيرِ قَصدِكُمُ، | ليسَ المحبّ على بعدٍ بمعذورِ |
بل إن غدا طولُ بعدي عن جنابكمُ، | ذَنبي العَظيمَ، فهذا المدحُ تَكفيرِي |
لولاكمُ لم يكنْ في الشعرِ لي أربٌ، | ولا برزتُ بهِ من خزنِ تامورِ |
فضيلة ٌ نقصتْ قدري زيادتُها، | كالاسمِ زادَتْ بهِ ياءٌ لتَصغيرِ |
لكنّني لم أُهِنْ، حِرصاً، نَفائسَها | كمُرخصِ الشّعرِ في مدحِ ابنِ منصورِ |
مكانة ُ النفسِ منّي فوقَ مكنتِها، | من النُّضارِ، وقَدري فوقَ مَقدورِ |
لكنْ تأخرَ بي عَصري، وقدّمَ مَن | قد كان قَبليَ في ماضي الأساطيرِ |
كأنني من رغومِ الهندِ أوجبَ لي | علوَّ مرتبتي إفراطُ تأخيري |
فاستَجلِ بِكَر قَريضٍ لا صَداقَ لها | سِوى القَبولِ ووُدٍّ غيرِ مَكفورِ |
على أبي الطيبِ الكوفيّ مفخرُها، | إذ لم أضعْ مسكَها في مثلِ كافورِ |
رقتْ لتعربَ عن رقّي لمجدكمْ | حباً، وطالتْ لتمحو ذنبَ تقصيري |