دَبّتْ عَقارِبُ صُدغِهِ في خَدّهِ،
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
دَبّتْ عَقارِبُ صُدغِهِ في خَدّهِ، | وسعى على الأردافِ أرقمُ جعدهِ |
وبَدا مُحَيّاه، ففَوّقَ لَحظُهُ | نبلاً يذودُ بشوكه عن وردهِ |
صنمٌ أضلَّ العاشقينَ، فلم يروا، | مُذْ لاحَ، بُدّاً مِن عِبادة ِ بُدّهِ |
ما بينَ إقبالِ الحياة ِ ووصلهِ | فرقٌ، ولا بينَ الحمامِ وصدهِ |
ظبيٌ من الأتراكِ ليسَ بتارِكٍ | حُسناً لمَخلوقٍ أتَى من بَعدِهِ |
غَضُّ الحَيا، قَحلُ الوَدادِ، كأنّما | نهلتْ بشاشة ُ وجههِ من ودهِ |
حملَ السلاحَ على قوامٍ مترفٍ، | كادَ الحريرُ يؤدهُ من إدهِ |
فترى حَمائلَ سَيفِهِ في نَحرِهِ، | أبهَى وأزهَى من جَواهرِ عِقدِهِ |
من آلِ خاقانَ الذينَ صغيرهم | في سَرجِهِ، وكأنّهُ في مَهدِهِ |
جعلوا ركوبَ الخيلِ حَدّ بُلوغهم، | هو للفتَى منهم بلوغُ أشدّه |
فإذا صغيرهمُ أتَى متخضباً | بدَمِ الفوارِسِ قيلَ: بالِغُ رُشدِهِ |
سيّانِ منهم في الوَقائِعِ حاسِرٌ | في سَرجِهِ، أو دارعٌ في سَردِهِ |
من كلّ مسنونِ الحسامِ كلحظه، | أو كلّ معتدلِ القناة ِ كقدّهِ |
ومُخَلَّقٍ بدَمِ الكُماة ِ كأنّما | صبغتْ فواضلُ درعه من خدّهِ |
ومقابلٍ ليلَ العجاجِ بوجههِ، | فكأنّما غشّى الظّلامَ بضِدهِ |
ومواجهٍ صدرَ الحسامِ ووجههُ | يُبدي صِقالاً مثلَ ماءِ فِرِنِدِهِ |
يَلقَى الرّماحَ بنَهدِهِ وبصَدرِهِ، | والمرهفاتِ بصدرهِ وبنهدهِ |
وإذا المنية ُ شمرتْ عن ساقها | غَشِيَ الهِياجَ مُشَمِّراً عن زَندِهِ |
قرنٌ يخافُ قرينهُ من قربهِ، | أضعافَ خَوفِ مُحبّهِ من بُعدِهِ |
يبدو، فيزجرهُ العدوُّ بنحسهِ | خَوفاً، ويَزجُرُه المحبُّ بسَعدِهِ |
يردي الكماة َ بنبلهِ وحسامهِ: | ذا في كنانتهِ، وذا في غمدهِ |
حتى إذا لَقيَ الكَميَّ مُبارِزاً | شغلتهُ بهجة ُ حسنهِ عن ردهِ |
ما زلتُ أجهدُ في رياضة ِ خلقهِ، | وأحولُ في هذا العتابِ وجدهِ |
حتى تَيَسّرَ بعدَ عُسرٍ صعبُهُ، | وافتَرّ مَبسِمُ لَفظِهِ عن وَعدِهِ |
وأتى يسترُ سالفيهِ بفرعهِ، | حذراٍ، فيحجبُ سبطها في جعدهِ |
وغدا يزفُّ من المدامة ِ مثلَ ما | في فيهِ من خمرِ الرضابِ وشهدهِ |
لاعَبتُهُ بالنّردِ، ثَمّ، وبَينَنا | رَهنٌ قد ارتضَتِ النّفوسُ بعَقدِهِ |
حتى رأيتُ نقوش سعدي قد بدتْ، | ويَديّ قد حلّتْ تَشْشدَرَ بَندِهِ |
فأجلُّ شطرنجي هنالكَ بعتهُ | بأقلّ ما أبدَتهُ كَعبَة ُ نَردِهِ |
ولقد أروحُ إلى السّرورِ وأغتدي، | وأقيلُ في ظِلّ النّعيمِ وبَردِهِ |
وأعاجِلُ العِزّ المُقيمَ، ولم أبِعْ | نقدَ المسرة ِ والهناءِ بفقدهِ |
حتى إذا ما العزُّ قلصَ ظلهُ، | ما إن يُغَيِّبُ رأيَهُ عن رُشدِهِ |
أخمدتُ بالإدلاجِ أنفاسَ الفلا، | وكحَلتُ طَرفي في الظّلامِ بِسُهدِهِ |
بأغرّ أدهمَ ذي خجولٍ أربعِ، | مُبيَضُّها يَزهو على مُسوَدِّهِ |
خلعَ الصباحُ عليهِ سائلَ غرة ٍ | منهُ، وقمّصَه الظّلامُ بجِلدِهِ |
فكأنّهُ لمّا تَسَرْبلَ بالدّجَى ، | وطىء َ الضّحى فابيضّ فاضلُ بردهِ |
قَلِقُ المِراحِ، فإن تَلاطَمَ خَطوُه | ظنّ المطاردُ أنهُ في مهدهِ |
أرمي الحصَى من حافِرَيه بمِثلِهِ، | وأروعُ ضوءَ الصبحِ منه بصدهِ |
وأظلٌّ في جوبِ البلادِ كأنني | سيفُ ابنِ أُرتُقَ لا يَقَرُّ بغِمدِهِ |
الصالحُ الملكُ الذي صلحتْ به | رتبُ العلاءِ ولاحَ طالعُ سعدهِ |
ملكٌ حوَى رتبَ الفخارِ بسعيهِ، | والملكَ إرثاً عن أبيهِ وجدهِ |
مُتَسهِّلٌ في دَستِ رُتبَة ِ مُلكِهِ، | مُتَصَعِّبٌ من فوقِ صَهوَة ِ جُردِهِ |
فإذا بَدا مَلأَ العُيونَ مَهابَة ً؛ | وإذا سخا ملأَ الأكفّ برفدهِ |
كالغيثِ يولي الناسَ جوداً بعدما | بَهَرَ العُقولَ ببَرقِهِ وبرَعدِهِ |
فالدّهرُ يُقسِمُ أنّهُ مِنْ رِقّة ِ، | والموتُ يَحلِفُ أنّهُ من جُندِهِ |
والوَحشُ تُعلِنُ أنّها من رَهطِهِ، | والطّيرُ تدعو أنّها من وَفدِهِ |
نَشوانُ من خَمرِ السّماحِ، وسُكرُه | |
يا ابنَ الذي كفَلَ الأنامَ كأنّما | أوصاهُ آدَمُ في كِلاية ِ وُلدِهِ |
المالكُ المنصورُ، والملكُ الذي | حازَ الفَخارَ بحَدّه وبجِدّه |
أصلٌ بهِ طابتْ مآثرُ مجدكمْ، | والغُصنُ يَظهَرُ طيبُهُ من وَردِهِ |
بذَلَ الجَزيلَ على القَليلِ من الثّنا، | وأتيتُ تنفقُ في الورى من نقدهِ |
وهو الذي شغلَ العدوّ بنفسهِ | عنّي، كما شغَلَ الصّديقَ بحَمدِهِ |
وأجارني إذ حاولتْ دميَ العدى ، | ورأتْ شفاءَ صدورها في وردهِ |
مِن كلّ مَذاقٍ تَبَسّمَ ثَغرُهُ، | وتوَقّدتْ في الصّدرِ جُذوة ُ حِقدِهِ |
ولذاكَ لم يَرَني بمنظَرِ شاعِرٍ | تَبغي قَصائدُهُ جَوائزَ قَصدِهِ |
بل بامرىء ٍ أسدَى إليهِ سَماحة ً | نعماً، فكانَ المدحُ غاية َ جهدهِ |
ودَرى بأنّ نِظامَ شِعري جَوهرٌ، | وسواهُ نحرٌ لا يليقُ بعقدهِ |
ولقد عهدتُ إلى عرائسِ فكرتي | أنْ لا تزفّ لمنعمٍ من بعدهِ |
لكنّكَ الفَرعُ الذي هوَ أصلُهُ، | شرَفاً، ومجدُكَ بضعة ٌ من مَجدِهِ |
ونجيهُ في سرهِ، ووصيهُ | في أمرهِ، وصفيهُ من بعدهِ |
وإلَيكَ كان المُلكُ يَطمَحُ بعدَه، | يَبغي جَواباً لو سمَحتَ برَدّهِ |
فتركتهُ طوعاً، وكنتَ ممكناً | من فَكّ مِعصَمِ كَفّهِ عن زَندِهِ |
وشَددتَ أزرَ أخيكَ يا هارونَهُ، | لمّا توَقّعَ منكَ شَدّة َ عَضْدِهِ |
حتى أحاطَ بنو الممالكِ كلها، | علماً بأنّكَ قد وَفَيتَ بعَهدِهِ |
سمحتْ بك الأيامُ، وهيَ بواخلٌ، | ولربما جادَ البخيلُ بعمدهِ |
وعدَ الزّمانُ بأن نَرى فيكَ المُنى ، | والآنَ أوفَى الزمانُ بوعدهِ |
للَّهِ كمْ قَلّدتَني مِن مِنّة ٍ، | والقَطرُ أعظمُ أن يُحاطَ بعدّهِ |
وعلمتَ ما في خاطري لك من ولا، | حتى كأنكَ حاضرٌ في ودهِ |
إن كان بعدي عن علاكَ خطية ً، | قد يغفرُ المولى خطية َ عبدهِ |
بعدُ الوفيّ كقربهِ، إذْ ودُّه | باقٍ كما قربُ الملولِ كبعدهِ |
مدحي لمجدك عن ودادٍ خالصٍ، | وسِوايَ يُضمِرُ صابَهُ في شَهدِهِ |
إذْ لا أرومُ بهِ الجزاءَ لأنهُ | بحرٌ أنزهُ غلتي عن وردهِ |
لا كالذي جعلَ القريضَ بضاعة ً، | متَوقّعاً كَسبَ الغِنى من كَدّهِ |
فاستَجلِ دُرّاً أنتَ لُجّة ُ بَحرِهِ، | والبَسْ ثَناءً أنتَ ناسجُ بُردِهِ |
يَزدادُ حُسناً كُلّما كرّرتَهُ، | كالتبرِ يظهرُ حسنهث في نقدهِ |