إنْ لم أزُرْ رَبعَكم سَعياً على الحَدَقِ،
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
إنْ لم أزُرْ رَبعَكم سَعياً على الحَدَقِ، | فإنّ وديّ منسوبٌ إلى الملقِ |
تبتْ يدي إنْ ثنتني عن زيارتكمْ | بيضُ الصفاحِ، ولو سدتْ بها طرقي |
يا جِيرَة َ الحَيّ هَلاّ عادَ وصلُكُمُ | لمُدنَفٍ من خُمارِ الوَجدِ لم يُفِقِ |
لاتنكروا فرقي من بعدِكمُ، | إنّ الفراقَ لمشتقٌّ منَ الفرقِ |
لله ليلتنا بالقصرِ كمْ قصرتْ، | فظَلتُ مُصطبحاً في زِيّ مُغتَبِقِ |
وباتَ بدرث الدجى فيها يسامرني، | منادماً فيزينُ الخلقَ بالخلقِ |
فكَمْ خَرَقنا حِجاباً للعِتابِ بها، | وللعَفافِ حِجابٌ غيرُ مُنخرِقِ |
والصبحث قد أخلقتْ ثوبَ الدجى يدُه، | ولَيتَهُ جادَ للعُشّاقِ بالخَلَقِ |
أبلى الظّلامَ وماذا لو يَجودُ بهِ | على جفونٍ لطيبِ الغمضِ لم تذقِ |
ما أحسنَ الصّبَح لولا قُبحُ سرعَتِهِ، | وأعذبَ الليلَ لولا كثرة ُ الأرَقِ |
هَبّ النّسيمُ عِراقِيّاً، فشَوّقَني، | وطالما هبّ نجدياً فلم يشقِ |
فما تنقستُ، والأرواحُ سارية ٌ، | إلاّ اشتكتْ نسماتُ الريحِ من حرقي |
ذَرّ أيّها الصّبُّ تَذكارَ الدّيارِ، إذا | متعتَ فيها بعيشٍ غيرِ متسقِ |
فكم ضممتَ وشاحاً في الظلامِ بها | ما زادَ قلبَكَ إلاّ كَثرَة القَلَقِ |
فخلِّ تذكارَ زوراءِ العراقِ، إذا | جاءتْ نَسيمُ الصَّبَا بالمَنْدَلِ العَبِقِ |
فهذِهِ شُهُبُ الشّهباءِ ساطِعَة ٌ، | وهذهِ نسمة ُ الفردوسِ، فانتشقِ |
فتلكَ أفلاكُ سعدٍ لا يلوذُ بها | من ماردٍ لخفيّ السمعِ مسترقِ |
سماءُ مجدٍ بدا فيها، فزينها | نجمٌ تخرُّ لديهِ أنجمُ الأفقِ |
ملكٌ غدا الجودُ جزءاً من أناملِهِ، | فلو تكَلّفَ تَركَ الجودِ لم يُطِقِ |
أعادَ ليلَ الوَرى صُبحاً، وكم رَكضَتْ | جيادُه، فأرتنا الصبحَ كالغسقِ |
مُشَتَّتُ العَزمِ والأموالِ ما تَركتْ | يداهُ للمالِ شملاً غيرَ مفترقِ |
إذا رأى مالهُ قالتْ خزائنُهُ: | أفديك من وَلَدٍ بالثُّكلِ مُلتَحِقِ |
لولا أبو الفَتحِ نجمُ الدّينِ ما فُتحتْ | أبوابُ رِزقٍ علَيها اللّومُ كالغَلَقِ |
ملكٌ به اكتستِ الأيامُ ثوبَ بهاً | مثلَ اكتساءِ غُصونِ البانِ بالوَرَقِ |
تَهوَى الحروبُ مَواضيهِ، فإن ذُكرتْ | حنتْ، فلم ترَ منها غيرَ مندلقِ |
حتى إذا جردَتْ في الروعِ أغمدها | في كلّ سابغَة ٍ مَسرودَة ِ الحَلَقِ |
يا أيها الملكُ المنصورُ طائرهُ، | ومَنْ أياديهِ كالأطواقِ في عُنُقي |
أحيَيتَ بالجُودِ آثارَ الكِرامِ، وقد | كانَ النّدَى بعدَهم في آخرِ الرّمَقِ |
لو أشبهتكَ بحارُ الأرضِ في كرمٍ، | لأصبحَ الدرُّ مطروحاً على الطرقِ |
لو أشبهَ الغيثُ جوداً منكَ منهمراً | لم يَنجُ في الأرضِ مَخلوقٌ من الغَرقِ |
كم قد أبَدتَ من الأعداءِ مِن فِئَة ٍ | تحتَ العَجاجِ، وكم فرّقتَ من فِرَقِ |
رويتَ يومَ لقاهم كلَّ ذي ظمإٍ | في الحربِ حتى حِلالَ الخيلِ بالعَرَقِ |
ويومَ وقعَة ِ عُبّادِ الصّليبِ، وقد | أركَبَتهم طَبقاً في البِيدِ عَن طَبَقِ |
مزقتَ بالموصلِ الحدباءِ شملهمُ | في مأزقٍ بوميضِ البيضِ ممتزقِ |
بكلّ أبيَضَ دامي الحَدّ تَحسبُهُ | صبحاً، عليه دمُ الأبطالِ كالشفقِ |
آلَى على غمِدِهِ ألاّ يُراجِعَهُ | إلاّ إذا عادَ مُحمَرّاً مِنَ العلَقِ |
فاستَبشَرتْ فِئَة ُ الإسلامِ، إذْ لمَعتْ | ذِكراً، إذا قَبَضَ اللَّهُ الأنامَ بَقي |
وأصبحَ العدلُ مرفوعاً على نشزٍ، | لمّا وَليتَ، وباتَ الجَورُ في نَفَقِ |
كم قد قطعتُ إليكَ البيدَ ممتطياً | عَزماً إذا ضاقَ رَحبُ الأرض لم يَضِقِ |
يدلني في الدّجى مهري ويؤنسني | حدُّ الحسامِ، إذا ما باتَ معتنقي |
والليلُ أطولُ من عذلِ العذولِ على | سمعي، وأظلمُ من مرآهُ في حدقي |
أُهدي قَلائِدَ أشعارٍ فرائِدُها | درٌّ نهضتُ بهِ من أبحرٍ عمقِ |
يضمها ورقٌ لولا محاسنُهُ | ما لقبوا الفضة َ البيضاءَ بالورقِ |
نظَمتُها فيكَ دِيواناً أزُفُّ بهِ | مَدائِحاً في سِوى عَلياكَ لم تَرُقِ |
ولو قصدتُ بهِ تجديدَ وصفكمُ | لكانَ ذلكَ مَنسوباً إلى الحُمُقِ |
ومثلها عددُ الأبيات في النسقِ | |
لم أقتَنِعْ بالقَوافي في أواخِرِها، | حتى لَزِمتُ أواليها، فلَمْ تَعُقِ |
ما أدركَتْ فُصَحاءُ العُربِ غايَتَها | قَبلي، ولا أخذُوا في مِثلِها سَبَقي |
جرتْ لتركضَ في ميدانِ حومتها | قومٌ فأوقفتهم في أولِ الطلقِ |
فليحسنِ العذرُ في إيرادهنَّ، إذا | رأيتَ جريَ لساني غيرَ منطلقِ |
فلوْ رأتْ بأسكَ الآسادُ لاضطربتْ | بهِ فَرائِصُها من شِدّة ِ الفَرَقِ |
يا آلَ أرتقَ! لولا فيضُ جودكمُ | لَدامَ خَرقُ المَعالي غَيرَ مُرتَتِقِ |
لقد رفعتمْ بإسداءِ الجميلِ لكم | ذكراً، غذا قبضَ اللهُ الأنامَ بقي |
لا زالَ يَهمي على الوُفّادِ نائِلُكُم، | بوابلٍ مِن سَحابِ الجَودِ مُندَفِقِ |