مدرسة دار الدعوة والإرشاد
مدة
قراءة المادة :
50 دقائق
.
دروس سنن الكائنات
محاضرات علمية طبية إسلامية للدكتور محمد توفيق صدقي
(5)
الفرق بين الهواء الداخل إلى الرئتين والخارج منهما:
الهواء الداخل إلى الرئتين تركيبه عين تركيب هواء الجو أعني هكذا:
أكسجين ... ...
...
...
...
...
...
...
...
20.96 في المائة [1] نيتروجين ...
...
...
...
...
...
...
...
...
79 في المائة غاز حامض الكربونيك (وهو غاز ثاني أكسيد الفحم) ...
0.04 في المائة بخار الماء ...
...
...
...
...
...
...
...
...
كمية مختلفة وحرارة هذا الهواء تختلف باختلاف الجهات والأوقات وغير ذلك. أما الهواء الخارج من الرئتين فتركيبه كما يأتي: أكسجين ...
...
...
...
...
...
...
...
16.03 في المائة نيتروجين ...
...
...
...
...
...
...
...
79 في المائة غاز ثاني أكسيد الفحم ...
...
...
...
...
...
4.40 في المائة بخار الماء ...
...
...
...
...
...
...
...
الهواء مشبع به الحرارة ...
...
...
...
...
...
...
...
...
كحرارة الجسم فيُفْهَم من ذلك أن النيتروجين لا تتغير كميته لعدم حاجة الجسم إليه من طريق التنفس؛ فيذوب في الدم كما يذوب في الماء، ولا عمل له في الجسم مطلقًا، وفائدة النيتروجين في الهواء تخفيف مقدار الأكسجين فيه، فإننا إذا استنشقنا أكسجين خالصًا احترق جسمنا بسرعة كبيرة، ونحف، واحتجنا إلى مقادير عظيمة من الطعام لتعويض هذا النقص الكبير، فلذا اقتضت الحكمة الإلهية تخفيفه بالنيتروجين نعم إن النيتروجين ضروري لتركيب جميع الخلايا؛ ولكنه يصل إلى الجسم في الطعام، وفي الشراب (كاللبن) لا بطريق التنفس - كما قلنا -. أما الأكسجين الداخل مع الهواء فكميته أكثر من كمية الخارج معه، لأنه يتحد مع هيموجلوبين الكريات الحمراء، ويدور مع الدم فإذا وصل إلى أنسجة الجسم جذبته إليها، واتحدت به وهذا ما يسمى (بالاحتراق الداخلي) أو (التنفس الداخلي) اللازم لحياة الجسم. وإذا اتحد الأكسجين مع أجزاء الجسم تولدت مواد أخرى بقاؤها ضار بالجسم، فتدور مع الدم لتفرزها الأعضاء المختصة بذلك كالكليتين، والجلد في البول والعرق. ومن هذه المواد الناشئة من الاحتراق الداخلي غاز ثاني أكسيد الفحم، والماء وهذا هو السبب في زيادة غاز ثاني أكسيد الفحم، والماء في الهواء الخارج من الرئتين. وقد وجد علماء الفسيولوجيا أن الهواء الخارج من الصدر يشتمل أيضًا على بعض مواد نيتروجينية عضوية؛ ولكنهم لم يكتنهوا إلى الآن ماهيتها، ولا تركيبها وهي السبب في رداءة رائحة هواء الغرف المسكونة، وإذا تنفسها الإنسان مرة أخرى أضر بصحته ضررًا بليغًا يفوق ضرر استنشاق القليل من غاز ثاني أكسيد الفحم؛ فإن هذا الغاز لا يفسد تركيب أي جزء من أجزاء الجسم؛ ولكنه إذا ملأ الجو مات الانسان اختناقًا لعدم وجود الأكسجين فيه. المواد المختلطة بالهواء: ويوجد في الأهوية الفاسدة - غير ذلك أيضًا - مواد أخرى غازية ضارة بالإنسان ضررًا بليغًا، ومن أهمها الهيدروجين المكبرت، وهو الذي يتولد من المراحيض وغيرها، وهذا الغاز يفسد الدم، ويضر بالجسم أيضًا. وكذلك أول أكسيد الفحم فإنه سام جدًّا، وهو يتولد من الاحتراق الناقص للفحم ويوجد في الهواء أيضًا ميكروبات، وذرات مختلفة من التراب، والمعادن، والفحم وغير ذلك، فالميكروبات تحدث أمراضًا عديدة في الجسم الإنساني، وتلك الذرات تحدث أيضًا نزلات شعبية، والتهابات رئوية مزمنة. لهذا كله يجب أن يكون الهواء المستنشق نقيًّا من كل ما تقدم، فلا يكثر فيه أكسيدا الفحم الناشئان من أنفاس الحيوانات والنباتات ليلاً، ومن اشتعال النيران، ويجب أن يكون هواء الأمكنة المسكونة بعيدًا عن المراحيض دائم التجدد، معرضًا للشمس؛ فإنها تقتل كثيرًا من ميكروباته بعيدًا عن الأتربة والمصانع التي تثير غبارًا من المعادن وغيرها. سنة الله في الأكسجين والكربون: ولا يتوهم القارئ - مما سبق - أن كمية الأكسجين في الهواء آخذة في النقص شيئًا فشيئًا بسبب التنفس، وبسبب النيران، فإن الله تعالى وضع لذلك سنة حكيمة بها يبقى الأكسجين في الهواء إلى ما شاء الله، وذلك بأن جعل الورق الأخضر لجميع النبات يحلل (بتأثير أشعة الشمس فيه) غاز ثاني أكسيد الفحم، فيمتص منه الفحم، ويُخْرِج الأكسجين، وهذا الفحم باتحاده مع عناصر أخرى تتركب منه أخشابها، وما فيها من صموغ، وسكر، وزيوت، وغير ذلك؛ فكأن الفحم الخارج من الإنسان، وغيره من الحيوانات ضروري للأشجار، فإذا أكل الإنسان شيئًا من هذه الأشجار عاد إلى جسمه، ثم يحترق فيه؛ فيخرج في الهواء؛ فيعود إلى الشجر، وهكذا كالدائرة. وبحركة الرياح (وهى ناشئة من اختلاف درجة حرارة الهواء) ، وبتماوج ذراته، وانتشارها توجد حركة دائمة في هواء الأرض؛ فتبعثر الأكسجين، وتنشره في جميع الجهات، ولولا ذلك لماتت الحيوانات التي في البقاع الخالية من الأشجار. ومن الخطأ العظيم تغطية الوجه أثناء النوم، وكذلك غلق منافذ الغرفات مع وجود أشخاص فيها، أو مصابيح وغيرها؛ فإن ذلك قد يقتل الإنسان. أما ثاني أكسيد الفحم المتكون من الاحتراق الداخلي؛ فإنه يوجد في الدم لا ذائبًا فيه، بل متحدًا مع عنصر الصوديوم بصورة كربونات الصوديوم، أو بيكربونات الصوديوم؛ فإذا وصل هذان الملحان إلى الرئتين خرج من البيكربونات ثاني أكسيد الفحم بطريق الإكسوسموز، ومما يساعده في خروجه الخلايا المبطنة للحويصلات الرئوية؛ فتفرزه وسبب حصول الإكسوسموز هو نقصان كمية ثاني أكسيد الفحم في الهواء، كما أن السبب في دخول الأكسجين من الهواء في الدم هو أيضًا قلة الأكسجين في الدم عنها في الهواء، وقبل دخول الأكسجين للدم يذوب في الرطوبة التي تغطي جدران الحويصلات الرئوية ومنها يدخل للدم، ويجب أن لا يتوهم القارئ أن كل الهواء الذي في الحويصلات الرئوية يخرج منها أثناء الشهيق فالواقع أنه يخرج جزء منه، ويبقى جزء آخر، وبطريقة الانتشار يسرع أكسجين الهواء إلى الداخل لكثرته، وغاز ثاني أكسيد الفحم إلى الخارج لكثرته أيضًا - كما سبق بيانه -. ثقل غازات الهواء: من تأمل في تركيب الهواء، والفرق بين درجات ثقل غازاته وجد أن النيتروجين من أخفها، وغاز ثاني أكسيد الفحم من أثقلها، فلذا يتكاثر هذا الغاز الأخير بقرب سطح الأرض وفى الحفر، وكلما ارتفع الإنسان نقصت كمية هذا الغاز، وزادت كمية النيتروجين، ولذا كثيرًا ما سمعنا بموت أشخاص هبطوا إلى أماكن منخفضة كالآبار وغيرها. أما الأكسجين فلكونه أثقل من النيتروجين يكثر في الهواء المجاور للأرض، ويقل في جو السماء، يشعر بذلك من توقل (صعَّد) في جبل عالٍ، أو حلَّق في الجو بطيارة. وأعظم علو أمكن للإنسان أن يصل إليه في القباب الطيارة، أو المناطيد، أو الجبال هو 8838 مترًا، أما الصعود بعد ذلك فيؤدي إلى هلاك الإنسان، إما لنقص الأكسجين، أو لانفكاك غازات الدم منه فتَحْدُث أعراضٌ خطرة، ويتعسر التنفس، أو يتعذر بسبب نقص كمية الأكسجين نقصًا عظيمًا فلا يحدث الإندوسموز.
زِدْ على ذلك أنه إذا عاش الإنسان بضع دقائق في ذلك المكان المرتفع حصل له نزف من الأنف، أو الرئتين، أو غيرها لقلة ضغط الهواء الجوي على جسم الإنسان، ولتعلم أن الصعود إلى نحو 5000 مترًا لا يوافق جمهور الناس حتى المتعودين لذلك من سكان الجبال. أما ارتفاع هواء الجو فلا يقل عن 300 كيلو متر التنفس الصناعي: إذا بطل تنفس الإنسان بسبب ما كاستنشاق الكلوروفورم، أو الغرق في الماء أو استنشاق غازات الاحتراق، أو غير ذلك مما يبطل التنفس أمكن إعادة الحياة إلى المصاب بطريقة (التنفس الصناعي) ، واستعمال المنعشات، ونحوها بشرط ألا تكون المدة قد طالت، وأن لا تكون أنسجة الجسم قد بدأ فيها أقل شيء من الفساد. أما طريقة التنفس الصناعي فهي أن تزيل كل ما أمكنك إزالته مما قد يوجد في مجاري التنفس، كالماء في الغريق - مثلاً - بأن تقلب المصاب على وجهه، وترفع رجليه إلى أعلا، ثم تضعه على مكان عالٍ لتتمكن منه، وتخفض رأسه، وتخرج لسانه بشدة بمقبض (جفت) ، أو نحوه، ثم تمسك بعضديه، وتجذبهما إلى أعلى رأسه، ثم تخفضهما إلى جنبيه، وتضغط بهما على صدره، ويستحسن أن يساعدك شخص آخر في ذلك الوقت؛ بأن يضغط على بطنه أيضًا ليرتفع الحجاب الحاجز فيحصل الشهيق بسبب ذلك، أما الزفير فإن الذي يحدثه هو جذب الذراعين المذكور هنا، ويتكرر هذا العمل في الدقيقة الواحدة نحو خمس عشرة مرة، ولا يصح اليأس من عودة الحياة إلا بعد مضي نحو ساعة على الأقل، وفي أثناء هذا العمل تُوضَع خرق مبتلة بالماء الحار على القلب، أو يُنَبَّه الحجاب الحاجز بالضرب بمثل المنشفة على قسم المعدة، وينشق المصاب (كبسول الأميل نيتريت) ويحقن بالأستركنين، أو الأثير، أو غيرهما تحت الجلد، ويُحْقَن بجزء من الخمر، أو الكحول في الشرج إلى غير ذلك؛ فإذا فعلت جميع هذه الأشياء باستمرار عادت الحياة - غالبا - خصوصًا إذا كانت ضربات القلب موجودة، ومن أحسن المستنشقات في ذلك الوقت غاز الأكسجين، إن وجد. *** جهاز الهضم مقدمة في الغدة: قبل البدء في الكلام على هذا الجهاز ينبغي أن نبدأ بتعريف كلمة (الغدة) لشدة الاحتياج إليها فيما سيأتي: تطلق هذه الكلمة على ثلاثة أنواع من أجزاء الجسم: (1) الغدة اللمفاوية: وهي عبارة عن شيء كعقدة مركبة من عدة كريات تشبه كريات الدم البيضاء يمسك بعضها بجانب بعض مادة تسمى بالمنسوج الضامّ، ووظيفتها تنقية المواد اللمفاوية من الميكروبات وغيرها، ولذلك نجد كثيرًا منها موضوعًا في طريق الأوعية اللمفاوية بحيث تصب فيها، ثم تخرج منها - كما سبق-. (2) غدة الإفراز: وهي التي تُخْرِج مواد كثيرة من الجسم، بعضها له منفعة خاصة، والبعض الآخر لا نفع له، وإنما تُخْرِجه لضرر إبقائه في الجسم، مثال الأول اللعاب، واللبن، ومثال الثاني البول، والعرق، وقد يكون الشيء المُخْرَج له نفع في الجسم، ويضر بقاؤه فيه كالمرة، وهي المادة الصفراء التي يفرزها الكبد. وتتركب الغدد الإفرازية من غشاء مجهري (ميكروسكوبي) يوجد على سطحه خلايا الإفراز، وتكون طبقة واحدة في الغالب، وتوجد عدة طبقات منها في مكان شهير بالجسم وهو الخصية، وعلى الجانب الآخر من هذا الغشاء المذكور توجد أوعية الدم، ومنها تخرج المواد بطريق الإكسوسموز؛ فتتصرف فيها الخلايا، وتخرج منها مواد كيماوية عجيبة التركيب. أما أشكال هذه الغدد فمنها الكيسي؛ وذلك بأن ينبعج الغشاء إلى جهة الأوعية الدموية؛ فيتكون كيس صغير مبطن بلا خلايا، وله فوهة يخرج منها الإفراز، ومنها الأنبوبي، وهي التي يكون لها تجويف كالأنبوبة، لا كالكيس، ومنها الأنبوبي المتفرع، ومنها عنقودي الشكل، ومنها الملتوي. ويُلاحَظ أن في هذا النوع من الغدد قناة في داخل الغدد الإفرازية، وفيها تجري مفرزاتها كاللبن، والعرق، وغيرها. أما الضرب الأول من الغدد فلا قناة لها وأما الضرب الثالث فهو أيضًا لا قناة له، وهو يشمل عدة أعضاء في الجسم كالطحال (وهو نوع من الغدد اللمفاوية) ، والغدة الدرقية، والغدة السعترية في صدور الأطفال، وغير ذلك مما سيأتي الكلام عليه في فصل خاص. والذي يهمنا في الكلام على الهضم هو الضرب الثاني. تشريح الجهاز الهضمي ووظيفته: يبتدئ هذا الجهاز بالفم، ثم المرئ، ثم المعدة، ثم الأمعاء الصغيرة، فالكبيرة، وينتهي بالدبر، ويصب فيه عدة إفرازات من غدد متنوعة لهضم الطعام ولغير ذلك، وتمر فيه الأغذية والأشربة في مدة تختلف من يوم إلى يوم ونصف، وقد تكون أقل من ذلك بكثير، كأحوال الإسهال، وقد تكون أكثر من ذلك في أحوال الإمساك. أما الفم ففيه اللسان، والأسنان، وغدد اللعاب، وفي نهايته توجد اللوزتان ووظيفة اللسان هي تحريك الطعام ليمتزج باللعاب، وليمكن مضغه وبلعه، ومن وظائفه أيضًا الكلام كما سبق، وإدراك طعوم الأشياء، وعليه مدار معرفة ما ينفع الإنسان وما يضره من المأكولات والمشروبات، وإدراك الطعوم اللذيذة يحرك شهوة الطعام فيجيد هضمه. أما الأسنان فهي عادة نوعان: الأسنان اللبنية، أو المؤقتة، والأسنان الدائمة، وقد ينبت للشيوخ أسنان مرة ثالثة، ولكنها مسألة نادرة الحصول. أما الأسنان اللبنية فهي: 20، والأسنان الأخرى 32 منها 19 في الفك الأعلى، و16 في الفك الأسفل. وعلى الأسنان مدار جودة هضم الطعام لأنها تهشمه وتسحقه إلى قطع صغيرة لتتمكن الأعصرة الهاضمة من الوصول إلى جميع أجزائه، فمن ازْدَرَدَ طعامه بلا مضغ أضر بجهاز الهضم خصوصًا، وبالجسم عمومًا، فيجب إطالة المضغ، وإبقاؤه، ويجب علينا أيضًا المحافظة على الأسنان، وإلا أصابها العطب، وفقدناها فنخسر جزءًا عظيمًا من أجزاء جهاز الهضم، وأعظم شيء للمحافظة عليها هو تنظيفها جيدًا، وعدم استعمال شيء بارد على شيء ساخن في الفم، أو بالعكس فإن ذلك من أعظم ما يفسدها. وأشهر أمراض الأسنان نوعان: (1) النوع الأول: أن يصيبها الحفر (التسويس) ، وهو عبارة عن تفتت جزء من عظم السن، وانكشاف لبه، والتهاب هذا اللب فيحصل بسبب ذلك ألم شديد، يحرم الإنسان لذة النوم، والطعام، وتموت السن لفساد أوعية الدم المغذية في داخل اللب والميكروب المسبب لذلك يسمى (leptothrix buccalis) أي (الشعرة الدقيقة الفمية) ، ويوجد في هذا المرض أيضًا الأميبا [2] الفمية (amocba) . وعلاجه يكون بإعدام العصب الذي في داخل اللب بمادة كاوية كحامض الفنيك أو الكريوزوت، وذلك يطهر اللب ويسكن الألم، والأَوْلَى أن يُعْدَم اللب بأكسيد الزرنيخوز - كما هي العادة -، ثم يحشى التجويف بالذهب، أو بمواد أخرى يعرفها أطباء الأسنان كالخزف، وهو أحسن من غيره. (2) النوع الثاني داء ريج (Rigg) : وهو مرض كثير الانتشار بين الناس، يبدأ بالتهاب حول جذر السن في سمحاق العظم، فتتكون مواد صديدية، وبضغطها على جذر السن يرفع شيئًا فشيئًا حتى تسقط، وهذا الداء هو سبب سقوط أسنان كثير من الناس، وسببه دخول ميكروب خاص إلى جذر السن من أي تقرح صغير في اللثة وهذا الميكروب يسمي (الإستربتوكوك [3] اللعابي) (streptocoecus) ، وهو يوجد عادة في أفواه جميع الناس، إلا أنه في بعض أحوال مخصوصة كضعف البنية - بسبب ما - يتمكن من إيذاء الإنسان؛ فيدخل إلى جذور الأسنان، وهناك يفعل فعلته الشنعاء. ولا علاج ناجعًا لهذا الداء سوى الحقن بميكروب المرض [4] المأخوذ من نفس المريض كما سيأتي توضيحه، وإلا فالمبادرة إلى قلع ما يصاب به من الإنسان والاستعاضة عنها بأسنان صناعية، واستعمال المطهرات المتنوعة، والنظافة التامة للفم، مع تقوية البنية بالأغذية الجيدة، والهواء النقي، وغير ذلك، ومما يسكن الألم في هذا المرض استعمال مضمضة من الخل، وهي فائدة شائعة بين العامة. وأحسن طريقة لنظافة الأسنان هي استعمال السواك خصوصًا بعد كل طعام، وهو يؤخذ من شجرة الأراك، وفيه مواد عطرة مطهرة بعض التطهير للفم، ومعطرة له، وتساعد على الهضم أيضًا، وهو يشد اللثة لقبض فيه، ويسمي الآراك بعض الإفرنج (شجرة محمد) لحث الشريعة الإسلامية على استعمال السواك كما هو معلوم، ولا يُغني عنه إلا استعمال المسفرة (الفرشة) مع بعض أدوية عطرية مطهرة قابضة، ويجب غليها بعد كل استعمال، وإلا تكاثرت فيها الميكروبات الضارة بالأسنان، وكذلك يجب تجديد طرف السواك بعد كل استياك. أسماء الأسنان ووقت ظهورها: أما أسماؤها فهي: ثنيتان في الوسط، وبجانبيهما رباعيتان، ثم نابان، ثم ضاحكتان، ثم ست أرحاء، ثلاث في كل جانب، ثم ناجذان، واحد في اليمين، وآخر في اليسار، وهما آخر الأضراس، وذلك في كل من الفكين الأعلى والأسفل. وقت ظهور الأسنان: الأسنان اللبنية تظهر في الطفل من الشهر السادس إلى الرابع والعشرين على هذا الترتيب: الثنيتان السفليتان ...
...
...
...
...
...
6 -9 أشهر الثنيتان العلويتان والرباعيتان العلويتان ...
...
8-10 أشهر الرباعيتان السفليتان والضواحك ...
...
...
15-21 شهرًا الأنياب ...
...
...
...
...
...
...
16-20 شهرًا الأرحاء ...
...
...
...
...
...
...
20-24 شهرًا وليس للطفل سوى أربع أرحاء في فمه، وأسنانه كلها عشرون فقط. وهذه المدد تقريبية؛ فإنها تختلف كثيرًا بحسب بنية الأطفال، واختلاف أمزجتهم، وغير ذلك، فمنهم من يُولَد وفيه الثنايا ظاهرة، ومنهم من يتأخر ظهور أسنانه إلى نهاية السنة الثانية، أو إلى عدة سنين بعدها. وفي وقت ظهور الأسنان تصاب الأطفال - عادة - ببعض أعراض مرضية كالإسهال، والقيء، والحمى، فالضعف، ومتى كملت أسنان الطفل العشرون يمكث بها إلى السنة السادسة، أو السابعة، ثم يظهر ضرس (رحى) خلفها في السنة السادسة، أو السابعة، وتسقط باقي الأسنان واحدة بعد الأخرى ويظهر مكانها غيرها على هذا الترتيب: في السنة السادسة: الأرحاء الثانية في السنة السابعة: الثنايا في السنة الثامنة: الرباعيات في السنة التاسعة: الضواحك في السنة العاشرة: الأرحاء الأولى في السنة 11-12: الأنياب في السنة 13-12: الأرحاء الثالثة في السنة 17-25: النواجذ فترى من هذا أن الأسنان التي تظهر في السنة 12 أو 13 يمكث الشاب بها إلى السنة 17، فيظهر ضرس العقل، أو الحُلم، وهو الناجذ، إما في هذه السنة، أو فيما بعدها إلى 25 أو 30، وفي النادر أن يتأخر عن ذلك. أما أسنان الشيوخ - إن ظهرت - فيكون ظهورها بين السنة 81.63. وجوب أكل الإنسان اللحم والنبات: بالتأمل في أسنان الحيوانات المختلفة نرى أن آكلة اللحوم أسنانها حادة جدًّا، أما أسنان الحيوانات الآكلة للنباتات، ونحوها فهي كليلة، وأسنان الإنسان متوسطة في حدتها بين الطرفين، وكذلك إذا نظرنا في مقياس أمعاء الحيوانات المختلفة نجد أن أمعاء آكله اللحوم قصيرة، وآكلة الخضراوات، ونحوها طويلة، وأمعاء الإنسان وسط بينهما، وذلك يدلنا على أن الإنسان بطبيعته يجب أن يأكل اللحوم والخضراوات جميعًا، وفي ذلك أعظم دليل على خطأ مذهب النباتيين؛ فإنه مخالف للطبيعة البشرية، هذا وقد وجد أن الفئران البيضاء، وهي التي لا يؤثر فيها ميكروب الجمرة الخبيثة، تتأثر به إذا غذيت بالنباتات فقط، فلا يبعد أن يكون الإنسان كذلك بمعنى أنه يصير عرضة لبعض الأمراض إذا اقتصر على الخضراوات (راجع صفحة 179 من كتاب (manual of bacteriology) تأليف Hewlett. اللعاب: يتولد اللعاب من غدد مخصوصة، وهي ثلاث: الغدة النكفية وموضعها تحت الأذن وأمامها، وتسمى أيضا الأذنية، ولها قناة تمتد منها إلى الفم تسمى قناة ستلسون (stenson) ، وفتحتها بقرب الرحى الثالثة للفك الأعلى. والغدة الثانية تحت الفك الأسفل ولها قناة تسمى قناة هوارتون (wharton) تصب بجانب قيد اللسان، وفتحتها مرتفعة قليلاً كحلمة صغيرة. والغدة الثالثة تسمى (الغدة التي تحت اللسان) لأنها تحت الغشاء المخاطي المتكون منه قيده، ولها عدة قنوات بعضها ينفتح في الفم مباشرة، وهو الأكثر، والبعض الآخر تتكون منه قناة أكبر تصب في قناة هوارتون المذكورة. واللعاب مركب من ماء، وزلال، وأملاح متعددة، ومادة مخصوصة تسمى (اللعابين) وهي أهم ما فيه واللعابين [5] من الخمائر التي سيأتي توضيحها في الفصل التالي، وفي لعاب الإنسان أيضًا آثار من مادة سامة جدًّا لا تعرف فائدتها الآن، وربما كانت مما يقتل الميكروبات، ووظيفة اللعاب أن يرطب الطعام حتى يسهل مضغه، وازدراده، ويذيب بعض مواده ليدرك طعمها، وهو ضروري للنطق الفصيح، ويهضم المواد النشوية التي في الطعام فيحولها إلى سكر يسمى الملتوز (أو سكر الشعير) [6] ، ويستمر تأثير اللعاب في المواد النشوية حتى بعد وصولها إلى المعدة بنحو ربع أو نصف ساعة؛ حتى يُفْسِد عصير المعدة الحمضي مادة اللعابين؛ فَيُبْطِل تأثيرها في النشاء، واللعابين لا يهضم النشاء غير المطبوخ لأنه لا يؤثر في مادة (السللولوز) المحيطة بذراته، وهي مادة الخشب أيضًا. اللوزتان: أما اللوزتان، فهما غدتان لمفاويتان موضعها على جانبي الحلق في منتهى الفم، يخرج منهما كريات بيضاء تمتزج باللعاب، أو تسير في الدم، وفائدتهما قتل بعض الميكروبات بهذه الكريات البيضاء، وقتل ما يقف عليهما من الميكروبات أيضًا، أو يدخل فيهما، فهما كحصنين يقتلان ما اقترب منهما، ويبعثان بجنودهما في اللعاب لقتل بعض الأعداء التي تحل في أجزاء الفم المتنوعة، وهذان الجسمان كثيرًا ما يحصل فيهما التهاب تحدث عنه الحمى، ويمرض الجسم بسببها، وعلة حصول هذا الالتهاب ضعف البنية، ودخول ميكروبات كثيرة فيهما؛ فيزداد حجمهما، وتكثر كرياتهما ليتغلبا على هذه الميكروبات؛ فإن نجحا حفظا الجسم من خطر عظيم - وإن كان الإنسان يمرض بضعة أيام أثناء هذه الحرب -، وإن غلبا تكوّن فيهما خراجات، أو أفلت بعض الميكروبات منهما إلى الدم فتنشأ عن ذلك أمراض متنوعة كالروماتزم (الرثية) ، وآفات القلب وغير ذلك، ويقل التهابهما في الأقوياء لأن كرياتهم البيضاء تكون قوية فتقتل الميكروبات بسهولة بدون حاجة إلى إثارة حرب عامة. كلمة في الخمائر: يحصل تخمر الأشياء بسبب وجود ميكروبات مخصوصة، ومن أشهر أنواع هذه الميكروبات ما يحول السكر إلى غَول (كحول) [7] ، وغاز ثاني أكسيد الفحم، ولهذا التخمر سُمِّيت الخمر خمرًا في أحد الأقوال، وهو السبب في فورانها وحرافة طعمها. ومن الميكروبات ما يحول بعض أنواع السكر (سكر اللبن) إلى حامض اللبنيك، وهو السبب في حموضة اللبن، فإذا أمكننا منع الميكروبات من الوصول إلى الأشياء، أو قتلناها فيها بطل كل تخمر أو تعفن، فإذا أردنا حفظ اللبن مثلاً من أن يخثر وجب أن نغليه غليًا جيدًا، ونضعه في زجاجات معقمة (مطهرة) ، بحيث لا يصل إليه أي ميكروب، فيبقى سليمًا من الفساد طول الدهر، وهذه الطريقة مستعملة في جلب الألبان إلينا من البلاد الأجنبية كسويسرة وغيرها. ومن هذا يتضح أن السبب في الفساد والتعفن هو هذه الميكروبات، وتسمى بالخمائر، أما فعل هذه الميكروبات فهو بإفراز مواد مخصوصة لها تأثير كيماوي في الأجسام، وهذه المواد المُفْرَزَة يسمونها أيضًا بالخمائر، وعلى ذلك فالخمائر نوعان: الميكروبات نفسها ومفرزاتها، وكما أن إفراز هذه الميكروبات سُمي بالخمائر، كذلك يسمى بعض إفرازات الجسم بالخمائر أيضًا؛ لأنها تؤثر في الأجسام تأثيرًا كيماويًا؛ فتحدث فيها تغييرًا بالتركيب والانحلال كتأثير إفراز الميكروبات، وذلك مثل اللعابين الذي سبق ذكره في اللعاب، وسيأتي ذكر غيره في بحث مفرزات (عصارات) المعدة والأمعاء، وهذه الخمائر كلها تقريبًا مواد آزوتية، إما زلالية، أو قريبة من الزلالية - بحسب ما نعلم الآن - ما عدا الببسين فيقال إنه لا نيتروجين فيه. ومن الغرائب أن افراز الميكروبات إذا كثر يقتل نفس الميكروبات التي تولده كما في الخمر مثلاً؛ فإن غولها يقتل ميكروباتها وغيرها، وإذا غُلِي الشيء الذي فيه هذه الخمائر بنوعيها ماتت الميكروبات، وفسدت الخمائر؛ فيبطل عملها، ومن الخمائر المشهورة مادة تستخرج من غشاء المعدة الرابعة للحيوانات المجترة كالعجول تسمى بالأنفحة، وفائدتها تحويل اللبن إلى جبن. والميكروبات هي نباتات مجهرية، بعضها يحتاج لأكسجين مطلق [8] يعيش فيه، والبعض الآخر يعيش بغير أكسجين مطلق. بقية الكلام على جهاز الهضم: يندفع الطعام بعد الفم إلى الحلقوم، وهو تجويف ينفتح فيه تجويفا الأنف والفم، ثم الحنجرة، وفي أسفله المريء. وفي جدران الحلقوم غدد لمفاوية تشبه في منسوجها اللوزتين، ووظيفتها كوظيفتهما أي أنها تقتل الميكروبات كما سبق. أما المريء فهو أنبوبة لحمية تمتد من الحلقوم إلى المعدة، وطولها من 9 إلى 10 بوصات، ويدخل في تركيب جدرانه ألياف عضلية تكون في نحو ثلثه الأعلى اختيارية، وفي الباقي غير اختيارية، وهو مبطن بغشاء مخاطي كالمعتاد، وفي المريء يمر الطعام إلى المعدة. وأما المعدة فهي ككيس كمثري الشكل تحت الحجاب الحاجز في البطن، ولها فتحتان الأولى منهما متصلة بالمريء، وتسمى (بالفؤاد) لقربها من القلب، والفتحة الثانية تسمى (بالبواب) ، والمعدة مركبة من ألياف عضلية ومبطنة بغشاء مخاطي، وسطحها الخارجي مغطى بغشاء مصلي، وهو جزء من البريتون [9] . وفي الغشاء المخاطي عدة غدد لإفراز العصير المعدي، وتتحرك المعدة حركة غير اختيارية بما فيها من الألياف العضلية، وهذه الحركة تشبه مخض اللبن ويُراد بها مزج الطعام بالعصير المعدي حتى ينهضم الهضم الأول. أما العصير المعدي فأهم ما فيه من المواد هو حامض الهيدروكلوريك [10] (بنسبة 2 في الألف) ، ومادة يسميها الإفرنج (pepsin) ، ونسميها بالعربية (الهاضوم) ، وهي خميرة تفرزها الغدد المعدية، ويقال إنها خالية من النيتروجين - كما سبق - وعلى ذلك فهي ليست من المواد الزلالية، ووظيفتها تحويل المواد الزلالية إلى مادة أخرى تسمى بالإفرنجية (peptone) (أي المهضوم) ، وذلك بضم عناصر الماء إلى ذرات المواد الزلالية، ثم انقسامها فتحدث هذه المادة الببتونية، وهي سهلة الذوبان سهلة الامتصاص لكون ذراتها أصغر من ذرات الزلال. وأما الطعام فإنه يمكث في المعدة نحو أربع ساعات فيها يحصل هذا الهضم، المذكور في المواد الزلالية، ويتحول سكر القصب إلى مادة أخرى سكرية، وتقتل جميع الميكروبات - تقريبًا - بما في هذا العصير المعدي من الحامض فيصير الطعام طاهرًا لكي لا يضر بالجسم، فإذا حدث للمعدة ما يقلل أفراز هذه الحامض أو يمنعه أمكن دخول ميكروبات، أو ديدان إلى الأمعاء، أو إلى الجسم نفسه. هذا كله هو وظيفة المعدة، ولا تأثير لها في المواد النشوية، ولا في المواد الدهنية إلا بإسالتها، وبهضم ما أحاط بها من الغلف الزلالية، والعصارة المعدية لا تنفرز إلا وقت الطعام. وأول انفتاح للبواب يحصل بعد نحو 20 دقيقة من نزول الطعام في المعدة فيمر إلى الأمعاء جزء مما في المعدة، ثم ينغلق البواب، ثم يتتابع هذا الفتح والانغلاق في البواب، وتأخذ مدة انغلاقه في القصر ومدة انفتاحه في الطول حتى يمر الطعام الذي في المعدة شيئًا فشيئًا إلى الأمعاء بحيث يمر كله في نهاية الساعة الرابعة تقريبًا. وبعد المعدة توجد الأمعاء الصغيرة أو الدقيقة، ثم الأمعاء الكبيرة أو الغليظة، أما الأمعاء الصغيرة فطولها نحو من 20 قدمًا، وتُقَسَّم إلى ثلاثة أقسام: (1) الاثنا عشري: وطوله 12 أصبعًا، أو 10 بوصات وفيه يحصل الهضم الأعظم للطعام كما سيأتي تفصيله. (2) الصائم: سُمي بذلك لوجوده فارغًا بعد الوفاة عند تشريح الجثة، يبلغ طوله خمسي الأمعاء الصغيرة الباقية بعد الاثني عشري. (3) اللفائف: وهي الثلاثة الأخماس الباقية من الأمعاء الصغيرة. وأما الأمعاء الكبرى فتبتدئ من الحفرة الحرقفية اليمنى بما يسمى (بالأعور) وفي أسفله مصير صغير كالدودة يسمى بالزائدة الدودية، وفيها يحصل مرض مشهور هو التهابها الذي قد يكون سببًا في وفاة الشخص إن لم يتداركه الأطباء بالعلاج الفعال، وهذه الزائدة هي أحد الأعضاء الأثرية الشهيرة في جسم الإنسان التي لم ينته الناس إلى حل لمعناها أحسن مما ذهب إليه دارون [11] ، وقيل إن لها إفرزًا يُحْدِث لينًا فَتُطرد المواد البرازية، وترتفع في القولون مضادة للجذب الأرضي في الحيوانات المنتصبة القامة (القرد والإنسان) ، ولذلك لا توجد في الحيوانات الأخرى، وإذا استئصلت حدث إمساك متعاصٍ مستديم يؤدي إلى ضعف الجسم، ومرضه، كما دلت عليه تجاربهم على ما قالوا. وبعد الأعور يوجد القولون [12] ، وهو أربعة أقسام القولون الصاعد، والقولون المستعرض، والقولون النازل، والتعريج السيني، ثم المستقيم الذي ينتهي بالشرج وهو فتحه الدبر، وطول الأمعاء الكبيرة يختلف من 5 إلى 6 أقدام. والأمعاء مركبة من الطبقات الآتية: (1) طبقة مصلية: وهي من البريتون الذي سبق ذكره. (2) طبقة عضلية مركبة من طبقتين: مستطيلة وحلقية، فالمستطيلة في الخارج، والحلقية في الداخل. (3) الغشاء المخاطي: ويفصله عن الطبقة العضلية. (4) طبقة رابعة فيها تتفرغ أوعية عديدة دموية ولمفاوية وأعصاب دقيقة، وفي الطبقة المخاطية غدد كثيرة لإفراز العصير المعوى، منها نوع في الاثني عشري يسمى بغدد (برُونَرْ) [13] ، ونوع آخر في الأمعاء كلها يسمى بغدد (ليبركهن) وهي من الشكل الأنبوبي البسيط، ويوجد غير ذلك في الغشاء المخاطي، وتحته منسوج لمفاوي، بعضه يتكون منه غدد صغيرة تسمى (بالغدد المنعزلة أو الوحيدة) والبعض الآخر يتجمع على شكل بيضاوي يُحْدِث بقعًا في طول جدران المصران تسمى ببقع بايير (peyer) [14] ، وهي توجد بكثرة في اللفائف. وفي هذه الغدد اللمفاوية بنوعيها يحصل التهاب بسبب ميكروب مخصوص فتحدث عنه الحمى المعروفة بالتيفودية، أو الحمى المعوية، وهذه البقع المنسوبة لبايير لا توجد في الأمعاء الغليظة، وإنما توجد فيها الغدد المنعزلة فقط - وهي التي تكثر جدًّا في الأعور والزائدة الدودية -. وبالتهاب هذه الغدد التي في الأمعاء الغليظة مع الأغشية المخاطية، وتَقَرُّحها يحصل المرض المسمى بالدوسنطاريا (الزحار) ، سُمي بذلك في العربية؛ لأنه يحدث منه زحير شديد متكرر، ومن أعراضه أيضًا المغص الشديد، والحمى، والإسهال مع نزول مواد مخاطية دموية صديدية متكررة بمقادير صغيرة في كل دفعة. وفي الغشاء المخاطي للأمعاء الصغيرة ما يُسمى بالخَمْل، وهو كالأهداب لهذا الغشاء، وهو أعظم آلات امتصاص المواد الغذائية، وفيه أيضًا غير ذلك ما يسمى بالصمامات الهلالية لكركرنج (kerkring) ، وهي عبارة عن ارتفاعات تتكون من ثنيات الغشاء المخاطي على نفسه، وفائدتها أن تعوق سير الطعام حتى يهضم، وأن تكبر سطح الغشاء المخاطي للأمعاء؛ ليكثر إفرازه وامتصاصه للمواد المهضومة، ولذلك يبتدئ وجودها بعد البواب بأصبعين، أو ثلاثة، وتكثر شيئًا فشيئًا خصوصًا في الاثني عشري، والصائم، وكذلك تكبر تدريجًا، ثم تأخذ في القلة والصغر حتى تنتهي في منتصف اللفائف، ولا جود لها هي والخمل في الأمعاء الكبيرة لقلة الامتصاص، وعدم الهضم فيها. والحكمة في وجود الغدد اللمفاوية المذكورة آنفًا، هي حفظ الجسم من دخول الميكروبات فيه، ولذلك تكثر في اللفائف، وفي الأمعاء الغليظة حيث يكثر التعفن والفساد لخلو هذه الأجزاء من العصارات المطهرة، بخلاف المعدة فإن عصيرها مطهر - كما سبق -، والصفراء في الاثني عشري من وظائفها أيضًا تقليل تعفن الطعام. ويصب في الأمعاء الصغيرة قناتان عظيمتان: إحداهما من عضو يسمى باليونانية (البنكرياس) ، ويمكننا أن نسميه بالعربية (الغدة الجسدية) ، والأخرى هي قناة الكبد تحمل المِرَّة (الصفراء) إلى الأمعاء، وهاتان القناتان تجتمعان معًا عند نهايتهما، وتصبان بفتحة واحدة غالبًا في الجزء النازل من الاثني عشري في الجهة الإنسية منه. أما البنكرياس (الغدة الجسدية) ، فهي أهم غدة في جهاز الهضمي كله، طولها نحو 6 إلى 8 بوصات، وموضعها خلف المعدة، ووضعها مستعرض بالنسبة للجسم أمام الفقرة القطنية الأولى، وتفرز عصيرًا فيه خمائر أربع هامة جدًّا كل منها يهضم جزءًا مخصوصًا من الطعام (إحداها) الهاضوم الزلالي [15] لهضم جميع المواد الزلالية كاللحم والبيض فيحولها إلى المادة المسماة (ببتون) ، وهو أقوى من هاضوم المعدة المسمى ببسين بكثير (الثانية) الهاضوم النشوي: وهو الذي يحول المواد النشوية إلى سكر الشعير، وهو أيضًا أقوى بكثير من (اللعابين) حتى أنه يؤثر في النشاء غير المطبوخ، ولا يوجد هذا الهاضوم في أمعاء الأطفال الرضع قبل الشهر السادس، ولذلك كان من الخطر عليهم أن يطعموا أي مادة نشوية كالبطاطس والخبز؛ فإن ذلك يفسد جهازهم الهضمي، ويضعف صحتهم؛ فيصابون كثيرًا بالإسهال وغيره، وبداء الكساح (rickets) (الثالثة) الهاضوم الشحمي: ووظيفته أن يحدث مستحلبًا مع المواد الشحمية أو الدهنية، ويحللها أيضًا إلى جلسرين [16] ، وحوامض شحمية، وكلاهما سهل الامتصاص، وقد يتحد بعض هذه الحوامض مع البوتاسيوم أو الصوديوم فيتكون من ذلك الصابون، والصابون أيضًا سهل الامتصاص، فإذا امتصت هذه الأشياء عادت إلى شحم كما كانت (الرابعة) خميرة تشبه الأنفحة وظيفتها تحويل اللبن إلى جبن، وهذه أقل الخمائر المذكورة تأثيرًا في الهضم. والعصير البنكرياسي قلوي التأثير بخلاف العصير المعدي فإنه حمضي. أما الكبد فهي أكبر عضو في الجسم، موضعها الجهة اليمني من البطن تحت الحجاب الحاجز مباشرة، ولها وظائف عديدة فهي تفرز المِرَّة (الصفراء) ، وتخزن فيها أكثر المواد السكرية وبعض الزلالية بعد أن تتحول إلى النشاء الحيواني (جليكوجين) لحين الحاجة إليها؛ فتحولها ثانية إلى سكر يخرج منها مع الدم ليحترق في الجسم خصوصًا في عضلاته، وهذه الوظيفة هي من أكبر وظائفها، وتكوِّن أيضًا حامض البوليك والبولينا لتفرزهما الكلى، ولولا ذلك لتراكمت بعض المواد الضارة بالجسم. ومن وظائفها أيضًا أنها تصفي المواد التي انهضمت في الأمعاء وتنقيها من الميكروبات، ومن بعض السموم، وذلك أثناء مرورها فيها، ولذلك اقتضت الحكمة الإلهية أن تجتمع جميع الأوردة الآتية من القناة الهضمية، ويتكون منها وريد واحد هو الوريد الذي يسمَّى (الباب [17] ) الذي يجتمع فيه ما انهضم من الزلال، والسكر، وبعض الشحم فيصل إلى الكبد، وهناك تُفْرَز منه الصفراء ويُنقى. أما المِرَّة (الصفراء) فهي إفراز ضار بقاؤه بالجسم، فلذا تنصب في الأمعاء لتخرج مع البراز، وهي السبب في تلون البراز باللون المعهود، وجزء من الصفراء لا يخرج مع البراز؛ وإنما يُمْتَص ثانية في الجسم فتفرزه الكلى، وهو السبب في تلون البول باللون المعروف، وفي الأجنة تتجمع الصفراء في أمعائهم حتى إذا ولدوا نزل البراز من أمعائهم أسود اللون ويسمى (بالعِقْي) . ولا يتوهمن القارئ - مما ذُكِر - أن الصفراء لا فائدة لها في الهضم، بل هي أكبر ما يعين العصير البنكرياسي على هضم جميع المواد المذكورة سابقًا وخصوصًا المواد الدهنية، والصفراء تقلل التعفن والفساد كما قلنا، وهي أيضًا منبهة للحركة الدودية للأمعاء، ولذلك يعرض لمن احتسبت فيه الصفراء - بأن انسدت مجاريها - ما يسمى (باليرقان) ؛ فيصفر جميع جسمه، ويحصل له إمساك متكرر، ويرى في برازه شحم غير مهضوم، وتكون له رائحة كريهة جدًا. أما مجاري الصفراء فهي في مبدئها مجهرية (ميكروسكوبية) ، وتبتدئ من داخل الخلايا الكبدية، وتجري فيما بينها، وتتجمع هذه القنوات بعضها مع بعض حتى تكبر شيئًا فشيئًا إلى أن تنتهي بقناتين عظيمتين: إحداهما تخرج من الفص الأيمن للكبد، والأخرى من الفص الأيسر لها، وتجتمعان معًا فيحدث منهما قناة واحدة، وفي أسفل الكبد كيس صغير يسمى بالحويصلة الصفراوية (المرارة) لها قناة أيضًا تتحد مع قناة الكبد، وتتكون منهما القناة الكبرى المسماة (بالقناة المشتركة) التي قلنا إنها تصب في الاثني عشري، وفائدة هذه الحويصلة أن تكون مستودعًا للمِرّة في وقت عدم الحاجة إليها. وإذا انسدت القناة الكبدية وحدها حصل اليرقاق، وكذلك إذا انسدت القناة الكبرى، أما إذا انسدت قناة الحويصلة فقط كبرت هذه بسبب إفراز مواد مخاطية من باطنها، وحدث كيس تحت الكبد، وبانسداد هذه القنوات - السالفة الذكر - بحصيات كبدية تتكون غالبًا في الحويصلة يحصل المغص الكبدي. وإذا انعكست حركة الأمعاء بحيث تعود الصفراء إلى المعدة من البواب حصل القيء الصفراوي، وهو مر الطعم. أما لون المِرَّة فسببه اشتمالها على مواد ملوّنة لا تختلف عن هيموجلوبين الدم إلا بعدم وجود الحديد فيها، وذلك لأن الكبد من المواضع التي تباد فيها الكريات الحمراء القديمة؛ فتأخذ الكبد منها الهيموجلوبين، وتفصل منه الحديد، وتُلْقِي بالباقي في إفرازه، وهو السبب في تلون المرة باللون المعروف، أما الحديد فإن الكبد تركبه مع غيره من العناصر، ويخرج منها في الدم، فإذا وصل إلى نقو العظام امتزج بكريات (خلايا) هناك فتنشأ منها الكريات الحمراء. ولوجود مادة الحديد في خلايا الكبد كانت الكبد من أحسن المآكل المغذية المجددة للدم، غير أنها أعسر هضمًا من اللحوم البيضاء. أما جميع المواد النشوية والسكرية المهضومة فإنها تُمْتَص في الدم بعد أن تتحول إلى سكر العنب، فإذا وصلت إلى الكبد حُجِز منها مؤقتًا ما زاد عن حاجة الجسم بصورة النشاء الحيواني المذكور (الجليكوجين) ، وهذا النشاء يتحول شيئًا فشيئًا كلما احتاج الجسم إليه إلى سكر العنب مرة أخرى، ويسير في الأوردة الكبدية ويدور مع الدم؛ فيغذي أنسجة الجسم وعضلاته، وفيها يحترق فيتحول إلى ثاني أكسيد الفحم، وإلى الماء - كما سبق -. واعلم أن الطعام الذي تم هضمه في المعدة، وسار منها إلى الاثني عشري يسمي (الكيموس) ، وهي كلمة يونانية معناها العصير. أما الأمعاء فإنها تفرز عصيرًا آخر أهم وظيفة له تحويل سكر القصب، وسكر الشعير إلى سكر العنب، ولها أيضًا بعض التأثير في المواد النشوية فتحولها إلى سكر، ومما تقدم يُفْهَم أن أجزاء الطعام الأصلية تتحول قبل امتصاصها كما يأتي: (1) الماء والأملاح: لا تتحول إلى شيء، وتُمْتَص كما هي: (2) المواد الزلالية [18] : تحولها عصارات المعدة والبنكرياس إلى ببتون؛ ولكنها عند امتصاصها تحولها لخلايا الغشاء المخاطي للأمعاء إلى مواد زلالية أخرى مثل التي في الدم. (3) المواد الشحمية والدهنية: يُمْتَص جزء منها كما هو، وأكثرها ينحل بالعصير البنكرياسي إلى جلسرين وحوامض شحمية - كما تقدم -، وكل من هذه الحوامض والجلسرين سهل الامتصاص؛ ولكن في أثناء مرورها خلال الغشاء المخاطي للأمعاء تحولها خلاياه إلى شحم أو دهن كما كانت من قبل انحلالها، وبعض الحوامض يتحد مع صوديوم المِرَّة؛ فيتكون صابون وهو سهل الامتصاص، ويساعد أيضًا على امتصاص الشحم كما هو، فالشحم يهضمه عصير البنكرياس مع المِرَّة بعد أن يحولاه إلى (مستحلب) ، وذلك مما يُعِين أيضًا على هذا الهضم والامتصاص. (4) أما المواد النشوية: فإنها تتحول باللعاب، والعصير البنكرياسي إلى سكر الشعير، ثم يتحول هذا الكسر وسكر القصب - إن وجد - بواسطة العصير المعوي إلى سكر العنب، وهذا السكر سهل الامتصاص، ويبقى في الدم كما هو غير أنه يخزن الزائد منه مؤقتًا في الكبد على صورة الجيكوجين - كما قلنا - أما سكر اللبن فيتحول أثناء امتصاصه إلى سكر العنب أيضًا، ولا تأثير للعصارات الهاضمة فيه. امتصاص الأغذية: أما الامتصاص، فإنه يحصل في القناة الهضمية من أولها إلى أخرها، أي من الفم إلى المستقيم؛ ولكن الامتصاص في الفم قليل جدًّا، كثير في المعدة والأمعاء خصوصًا في الصائم من الأمعاء الصغيرة. ولما كان بعض المواد الزلالية يمكن امتصاص القليل منهما وإن لم تهضم [19] وكذلك الشحم والزيوت، فلذا يستعمل الأطباء في بعض الأمراض الحقن الشرجية المغذية للمرضى، وإن كان أكثر هذه الحقن يهضم هضمًا صناعيًّا قبل حقنه لتسهيل امتصاصه لعدم وجود عصارات هاضمة في المستقيم. أما الماء والأملاح، والمواد السكرية، والزلالية فكلها تُمْتَص من الأمعاء بواسطة فروع الوريد الباب ليحملها إلى الكبد - كما سبق - مع بعض أجزاء من الدهن قليلة جدًّا، ولكن أكثر المواد الدهنية تمتصها أوعية لمفاوية مخصوصة موجودة في الأمعاء، وهذه الأوعية تسمى (بالأوعية اللبنية) ؛ لأن هذه المواد الدهنية التي تجري فيها تشبه اللبن وتسمى (بالكيلوس) ، وهي كلمة يونانية أيضًا معناها العصير، وهذه الأوعية اللمفاوية تصب في غدد لمفاوية منثورة في طريقها لتنقيتها من الميكروبات ونحوها، وكل من الأوعية وهذه الغدد موجود بين طبقتي المساريقا (mesentery) [20] ، وهي عبارة عن غشاء من البريتون يعلق الأمعاء الصغيرة بالظهر، ويحيط بها. والغدد اللمفاوية التي بين طبقتي المساريقا يحصل فيها التهاب، فضخامة عند تقرح الأمعاء في الحمى التيفودية وغيرها. واعلم أن الزلال المهضوم المسمى (ببتون) ، إذا دخل الدم من غير أن تحوله الخلايا المخاطية إلى زلال كزلال الدم كان سمًّا زعافًا؛ فلذا كان تحويله قبل امتصاصه واجبًا. ومن المعلوم أن سم الثعابين ونحوها، هو مواد زلالية تقرب من الببتون، فلذا كان أكله مغذيًا لا ضرر فيه؛ لأن خلايا الغشاء المخاطي تتكفل بتحويله إلى ما يصلح للجسم قبل امتصاصه، أما إذا حُقِن في الدم أو تحت الجلد بدون هذا التحويل كان خطرًا على الحياة. وفي الأمعاء ميكروبات عديدة، وهذه الميكروبات تحدث تغييرًا، وتحليلاً ً في الأغذية فوق الذي تُحْدِثه العصارات الهاضمة؛ فينشأ عن ذلك غازات وغيرها، بعضها يضر امتصاصه، وبعضها لا ضرر فيه، وهذه الغازات هي التي تحدث القراقر في البطن، وخروج الأرياح، ويكثر تكون هذه الغازات بأكل المواد النباتية وقد تؤثر العصارات الهاضمة في بعض المواد المأكولة؛ فتخرج منها مواد سامة للجسم إذا امتصت في الدم؛ ولكن هذه الميكروبات تحللها إلى أجسام أخرى، وبذلك تبطل ضررها، فوجودها في الأمعاء ضروري، ومن الخطأ محاولة قتلها بالأدوية المطهرة. أما البراز فهو فضلات جميع الأغذية والأشربة التي لم تمتص، ومُفْرَزَات الجهاز الهضمي، وغير ذلك. والسبب في حصول الإسهال أحد ثلاثة أمور: (1) إما اضطراب حركة الأمعاء حتى تكون أسرع من الحالة الطبيعية؛ فيمر فيها الطعام والشراب بسرعة زائدة قبل أن يجف بالامتصاص. (2) وإما زيادة العصارات الهاضمة وخصوصًا إفرازات الأمعاء بسبب مرضها كالتهابها. (3) وإما قلة امتصاص خلايا الغشاء المخاطي للأطعمة والأشربة لمرض ما فيها.
وهذه الأسباب في الغالب تكون مجتمعة في الإسهال العادي، وقد تحصل بالمسهلات، ولذلك كان الإسهال الزائد عن الحد ضارًّا جدًّا؛ لأنه يُنْهِك القوى. والسبب في الإمساك عكس ما تقدم، وضرره يكون بامتصاص بعض المواد الضارة في الدم، وبضغطه على بعض الأعضاء كالأوردة، أو الأعصاب، فيعوق وظيفتها، وقد تنشأ عنه البواسير، والصداع، والضعف، وآلام عصبية في الفخذ الأيسر لضغط المواد البرازية في التعريج السيني والمستقيم على الأعصاب، أما مدة مرور الطعام في الأمعاء فهي عادة من 24-36 ساعة، منها نحو 12 ساعة للأمعاء الدقيقة. *** فصل في الأطعمة والأشربة وغيرها المواد الضرورية للجسم سبق ذكرها مرارًا، وهي باختصار: المواد الزلالية (الأولية) ، والسكرية، والنشوية (الكربوهيدراتية) ، والدهنية، والماء، والأملاح وهذه المواد يأخذها الإنسان إما من الحيوانات، أو من النباتات والحيوانات المأكولة تأخذها أيضًا من النباتات، فمصدر غذاء الإنسان كله هو النباتات، وهذه المواد كلها توجد في أنواع مختلفة من الأطعمة أهمها: (1) اللبن: هو غذاء كامل لاشتماله على جميع المواد السابقة، وعلى الدهن المعروف (السمن والزبدة والقشدة) ، ويُسْتَخْرَج منه الجبن وهو جل المواد الزلالية، والدهنية مع بعض أملاح تضاف إليه من الخارج. وإذا تعرض اللبن للهواء زمنًا ما هبطت إليه بعض ميكروبات مخصوصة حول سكره إلى حامض اللبنيك، وهذا يرسب الزلال الذي في اللبن فيغلظ ويكون اللبن المعروف في مصر (باللبن الزبادي) المسمى بالعربية (اللبن الخاثر والرائب) وقد توضع في اللبن خميرة فيها بعض ميكروبات أخرى؛ فتحول سكره إلى غَول؛ فينشأ نوع من الخمر بسبب ذلك يُعرف في بلاد التتار بالكفير، أو الكوميس وكل من الكفير [21] ، أو الكوميس [22] سهل الهضم مغذٍّ للإنسان، منبه للدورة الدموية بما فيه من الغول بمقادير قليلة، ونافع في السل الرئوي - كما يقال -؛ ولكن الإكثار والإدمان عليه له بعض الأثر السيئ الذي للخمر عامة. أما اللبن الخاثر فهو أيضًا سهل الهضم لقلة مائه، ووجود الحامض فيه، مغذٍّ للإنسان؛ ولكن إذا طالت مدة تخمره تولدت فيه مواد سمية ضارة، وهذا النوع نافع في الحميات لقلة إفراز المعدة للحمض أثناء الحميات، وهو مفيد أيضًا في نزلات المثانة. واللبن قد يختلط بميكروبات أخرى محدثة للأمراض، بعضها يصل إليه من الإنسان كميكروب الحمى التيفودية، والبعض الآخر قد يصل إليه من غيره كميكروب الحمى المالطية في لبن بعض الماعز، وكالدفتيريا فإنها تصيب البقر والضأن، وكثير من البقر يصاب بالتدرن؛ فيكون اللبن سببًا في الدرن الإنساني وإن لم توجد فيه ميكروبات الدرن نفسها إذ يكفي وجود سمومها فيه؛ فإن ذلك يضعف البنية، ويهيئها لقبول ميكروب الدرن؛ فلذا يجب أخذ اللبن من الحيوانات السليمة في أوان نظيفة جدًّا، وبأيد كذلك، وللثقة بطهارته من جميع الميكروبات يجب غليه قبل تعاطيه مدة خمس دقائق على الأقل. وإذا منعنا وصول سائر الميكروبات إلى اللبن أمكننا حفظه دهرًا بدون فساد كما سبق. وللانفعال النفساني الشديد تأثير في إفراز اللبن حتى أنه قد يسم الصغار. ومن السهل أخذ زبدة اللبن، أو القشدة بالآلة المبعدة عن المركز المسماة باللاتينية (centrifuge) فإذا أديرت بسرعة أبعدت جميع المواد التي في اللبن عن المركز لثقلها ما عدا زبدة اللبن؛ فإنها تأتي نحو المركز لخفتها؛ وبسبب خفتها أيضًا تصعد إلى سطح اللبن إذا سُخِّن بالنار كما هو معلوم. وإذا أخذت زبدة اللبن صار ثقله النوعي أزيد من المعتاد؛ فإذا أضيف إليه جزء من الماء عاد ثقله إلى المعتاد (وهو في لبن البقر 1028 إلى 1034) . ومن طرق غش اللبن أن يضاف عليه الماء مع النشاء لإكثار كميته؛ ولكن النشاء تمكن معرفته بطريقة كيماوية سهلة جدًّا، وذلك بوضع جزء من صبغة اليود عليه فيتلون في الحال باللون الأزرق إذا كان فيه نشاء. ويصنع من زيوت النباتات، وشحم الحيوانات زبدة كاذبة تسمى باللاتينية وغيرها المرغرين (ومعناها حرفيًّا مادة اللؤلؤ سُميت بذلك للمعانها) يستعملها التجار كثيرًا بقصد الغش، وهي في الحقيقة لا ضرر فيها إلا أنها أرخص ثمنًا.