ألَستَ تَرَى ما في العُيونِ من السُّقْمِ،
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
ألَستَ تَرَى ما في العُيونِ من السُّقْمِ، | لقد نحلَ المعنى المدفَّقُ من جسمي |
وأضعَفُ ما بي بالخصورِ من الضّنا، | على أنّها من ظلمِها غصبتْ قِسمي |
وما ذاكَ إلاّ أنَّ يومَ وَداعِنا | لقَد غَفَلَتْ عينُ الرّقيبِ على رُغمِ |
ضممتُ ضنا جسمي إلى ضُعفِ خصرِها | لجنسية ٍ كانتْ لهُ علّة َ الضّمِّ |
رَبيبَة ُ خِدْرٍ يجرَحُ اللّحظُ خدَّها، | فوَجنَتُها تَدمَى وألحاظُها تُدمي |
يُكَلّمُ لَفظي خدّها إن ذَكَرْتُهُ، | ويؤلمُهُ إنْ مرّ مرآهُ في وهمي |
إذا ابتسمتُ، والفاحمُ الجعْدُ مسبلٌ، | تُضِلُّ وتَهدي من ظَلامٍ ومن ظَلمِ |
تَغَزّلتُ فيها بالغَزالِ، فأعرَضَتْ، | وقالتْ: لعمري هذهِ غاية ُ الذّمِّ |
وصدتْ، وقد شبهتُ بالبدرِ وجهها | نفاراً، وقالتْ صرتَ تطمعُ في شتمي |
وكم قد بذلتُ النفسَ أخطبُ وصلَها، | وخاطَرتُ فيها بالنّفيسِ على عِلمِ |
فلمْ تلدِ الدّنيا لنَا غيرَ ليلة ٍ | نعمتُ بها ثمّ استمرتْ على العقْمِ |
فَيَا مَن أقامَتني خَطيباً لوَصفِها، | أُرَصّعُ فيها اللّفظَ في النّثرِ والنّظمِ |
خذي الدُّرّ من لَفظي فإن شئتِ نظمَه | وأعوزَ سِلكٌ للنّظامِ فها جِسمي |
ففيكِ هدرتُ الأهلَ والمالَ والغِنى | ورتبَة َ دَسْتِ المُلكِ والجاهِ والحُكمِ |
وقلتِ لقد أصبحتَ في الحيّ مفرداً، | صَدقتِ، فهلاً جازَ عَفُوك في ظُلمي |
ألمْ تشهدي أنّي أمثلُ للعِدَى | فتسهرَ خوفاً أن ترانيَ في الحُلْمِ |
فكمْ طمِعوا في وحدتي فرميتهُمْ | بأضيَقَ من سُمٍّ وأقتَلَ من سُمّ |
وكم أججوا نارَ الحروبِ وأقبلوا | بجيشٍ يصدُّ السيلَ عن مربضِ العصمِ |
فلم يسمعوا إلاّ صليلَ مهنّدي، | وصوتَ زَئيري بينَ قعقَعة ِ اللُّجمِ |
جعلتهمُ نهباً لسيفي ومقولي، | فهُمْ في وبالٍ من كلامي ومن كلمي |
تودُّ العِدى لو يحدقُ اسمُ أبي بِها، | والاّ تفاجا في مجالِ الوغي باسمي |
تُعَدّدُ أفعالي، وتلكَ مَناقِبٌ، | فتذكرني بالمدحِ في معرضِ الذّمِّ |
ولو جحدوا فعلي مخافة َ شامتٍ | لنمّ عليهم في جباههمُ وسمي |
فكَيفَ ولم يُنسَبْ زَعيمٌ لسِنبِسٍ | إلى المجدِ إلاّ كانَ خاليَ أو عمّي |
وإن أشبهتَهُمْ في الفخارِ خلائقي | وفعلي فهذا الرّاحُ من ذلكَ الكرمِ |
فقُلْ للأعادي ما انثَنيْتُ لسبّكم، | ولا طاشَ في ظنّي لغَدرِكمُ سَهمي |
نظرنا خطاياكُم، فأغريتُمُ بِنا، | كذا من أعان الظّالمينَ على الظُّلْمِ |
أسأتُم، فإنْ أسخَطْ عليكُم فبالرّضَى ، | وإن أرضَ عنكم من حيَائي فبالرّغمِ |
لجأتُ إلى رُكْنٍ شَديدٍ لحَرْبكُم، | أشُدُّ به أزري وأعلي بهِ نَجمي |
وظَلْتُ كأنّي أملِكُ الدّهرَ عِزَّة ً، | فلا تَنزِلُ الأيّامُ إلاّ على حُكمي |
بأروعَ مبنيٍّ على الفَتحِ كفُّهُ، | إذا بُنِيَتْ كَفُّ اللّئيمِ على الضّمْ |
مَلاذي جلالُ الدّينِ نجلُ محاسنٍ، | حليفُ العفافِ الطّلقِ والنّائلِ الجَمِّ |
فتًى خلِقتْ كَفّاهُ للجُودِ والسَّطا، | كما العَينُ للإبصارِ والأنفُ للشّمِّ |
لهُ قَلَمٌ فيهِ المَنيّة ُ والمُنى ، | فدِيمتُهُ تهمي وسطوتُهُ تصمي |
يراعٌ يروعُ الخطبَ في حالة ِ الرّضَى ، | ويُضرِمُ نار الحربِ في حالَة ِ السّلمِ |
وعَضبٌ كأنّ الموتَ عاهدَ حَدَّهُ، | وصالَ، فأفنى جِرْمُهُ كلَّ ذي جِرْمِ |
فَيَا مَن رَعانا طَرفُهُ، وهوَ راقِدٌ، | وقد قَلّتِ النُّصّارُ بالعَزْمِ والحزْمِ |
يدُ الدّهرِ ألقتنا إليكَ، فإنْ نُطِقْ | لها مَلمساً أدمَى براجمهَا لَثمي |
أطَعتُكَ جُهدي، فاحتَفِظْ بي فإنّني | لنَصرِكَ لا يَنفَلُّ جَدّي ولا عَزمي |
فإن غبتَ، فاجعلْ لي وَلياً من الأذَى ، | وهيهاتَ لا يُغني الوَليُّ عن الوَسْمي |