أَمِنْ آلِ نُعْمِ أَنْتَ غَادٍ فَمُبْكِرُ
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
أَمِنْ آلِ نُعْمِ أَنْتَ غَادٍ فَمُبْكِرُ | غداة َ غدٍ، أم رائحٌ فمهجرُ |
لحَاجَة ِ نَفْسٍ لم تَقُلْ في جَوَابِها | فتبلغَ عذراً والمقالة ُ تعذرُ |
تهيمُ إلى نعمٍ فلا الشملُ جامعٌ، | وَلا الحَبْلُ مُوْصُولٌ ولا القَلْبُ مُقْصِرُ |
ولا قربُ نعمٍ إن دنتْ لك نافعٌ، | وَلاَ نأْيُهَا يُسْلي وَلاَ أَنْتَ تَصْبِرُ |
وأخرى أنتَ من دونِ نعمٍ، ومثلها | نَهَى ذا النُّهَى لَوْ تَرْعَوي أَوْ تُفَكِّرُ |
إذا زُرْتُ نُعْماً لَمْ يَزَلْ ذُو قَرَابَة ٍ | لها، كلما لاقيتهُ، يتنمرُ |
عَزيزٌ عَلَيْهِ أَنْ أُلِمَّ بِبَيْتِهَا | يسرُّ لي الشحناءَ، والبغضُ مظهر |
أَلِكْنِي إليْها بالسَّلامِ فإنَّهُ | يشهرُ إلمامي بها وينكرُ |
بِآيَة ِ ما قَالَتْ غَداة َ لَقِيْتُها | بِمَدْفَعِ أَكْنَانٍ: «أَهذا المُشَهَّرُ؟» |
أشارتْ بمدارها، وقالت لأختها: | "أهذا المغيريُّ الذي كان يذكر؟" |
"أهذا الذي اطربتِ عتاً، فلم اكن، | وعيشكِ، انساهُ إلى يومَ أقبر" |
فقالت: "نعمْ، لا شكّ غير لونهُ | سُرَى اللَّيْلِ يُحْيي نَصَّهُ والتَّهَجُّرُ» |
"لئنْ كان إياهُ، لقد حالَ بعدنا | عن العهدِ، والغنسانُ قد يتغير" |
رأتْ رجلاً أما إذا الشمسُ عارضتْ | فَيَضْحَى وأَمَّا بالعَشيِّ فَيَخصرُ |
أخا سفرٍ جوابَ أرضٍ تقاذفتْ | بِهِ فَلَوَاتٌ فَهْوَ أَشْعَثُ أَغْبَرُ |
قليلاً على الظهرِ المطية ِ ظلهُ، | سِوَى ما نَفَى عَنْهُ الرِّداءُ المُحَبَّر |
واعجبها من عيشها ظلُّ غرفة ٍ، | وَرَيّانُ مُلْتَفُّ الحَدَائِقِ أَخْضَرُ |
ووالٍ كفاها كلَّ شيءٍ يهمها، | فليستْ لشيءٍ آخرَ الليلِ تسهر |
وَلَيْلَة َ ذِي دَوْرَانَ جَشَّمْتِني السُّرَى | وقد يجشمُ الهولَ المحبُّ المغرر |
فبتُّ رقيباً للرفاقِ على شفاً، | أحاذرُ منهمْ من يطوفُ، وأنظر |
إلَيْهِمْ مَتَى يَسْتَمْكِنُ النَّوْمُ مِنْهُمُ | وَلَي مَجْلِسٌ لَوْلا اللُّبَانَة ُ أَوْعَرُ |
وباتتْ قلوصي بالعراءِ ورحلها، | لِطَارِقِ لَيْلٍ أَوْ لِمَنْ جَاءَ مُعْوِرُ |
وَبِتُّ أُنَاجي النَّفْس: «أَيْنَ خِبَاؤها؟ | وَكَيْفَ لِمَا آتِي مِنَ الأَمْرِ مَصْدَرُ؟» |
فَدَلَّ عَلَيْهَا القَلْب رَيّا عَرَفْتُها | لَهَا وَهَوَى النَّفْسِ الَّذِي كاد يظْهَرُ |
فَلَمَّا فَقَدْتُ الصَّوْتُ مِنْهُمْ وأُطْفِئَتْ | مَصَابِيحُ شُبَّتْ بِکلْعَشاءِ وَأَنْؤُرُ |
وغابَ قميرٌ كنتُ أرجو غيوبهُ، | وَرَوَّحَ رُعْيَانٌ، وَنَوَّمَ سُمَّرُ |
وَنَفَّضْتُ عَنِّي النَّوْم، أَقْبَلْتُ مِشْيَة َ الْـ | حبابِ، وركني، خشية َ القومِ، أزور |
فحييتُ إذ فاجأتها، فتولهتْ، | وكادتْ بمخفوضِ التحية ِ تجهر |
وَقَالَتْ وَعَضَّتْ بِکلبَنَانِ: «فَضَحتَني | وأنتَ امرؤٌ، ميسورُ أمرك أعسر!" |
" أريتكَ، إذ هنا عليكَ، ألمْ تخفْ، | وقيتَ، وحولي من عدوكَ حضر؟" |
"فواللهِ ما ادري أتعجيلُ حاجة ٍ، | سَرَتْ بِكَ، أَمْ قَدْ نَامَ مَنْ كُنْتَ تَحْذَرُ؟» |
فقلتُ لها: "بل قادني الشوقُ والهوى | إليكِ، وما عَينٌ من النّاسِ تَنظرُ» |
فقالتْ وقد لانتْ وأفرخَ روعها: | "كلاكَ بحفظٍ ربكَ المتكبر!" |
«فأَنْتَ، أَبَا الخَطَّابِ، غَيْرَ مُدَافَعٍ، | عَلَيَّ أَميرٌ، مَا مَكَثْتَ، مُؤَمَّرُ» |
فبتُّ قريرَ العينِ، أعطيتُ حاجتي، | أقبلُ فاها، في الخلاء، فأكثر |
فيا لكَ منْ ليلٍ تقاصرَ طولهُ، | وَمَا كَانَ لَيْلي قَبْلَ ذَلِكَ يَقْصُرُ |
ويا لكَ من ملهى ً هناكَ ومجلسٍ | لنا، لم يكدرهُ علينا مكدر |
يمجّ ذكيَّ المسكِ منها مفلجٌ، | رقيقُ الحواشي ذو غروبٍ مؤشر |
تراه، إذا تفترّ عنهُ، كأنهُ | حصى بردٍ، أو أقحوانٌ منور |
وترنو بعينيها إليّ، كما رنا، | إلى ربربٍ وسطَ الخميلة ِ، جؤذر |
فلما تقضى الليلُ إلا أقلهُ، | وكادتْ توالي نجمهِ تتغور |
أشارتْ "بأنّ الحيّ قد حانَ منهمُ | هبوبٌ، ولكنْ موعدٌ لكَ عزور" |
فَمَا رَاعَني إلاَّ مُنادٍ: «تَرَحَّلوا!» | وَقَدْ لاَح مَفْتوق مِنَ الصُّبْحِ أَشْقَرُ |
فَلَمَّا رَأَتْ مَنْ قَدْ تَنَبَّه مِنْهُمُ | وأيقاظهم، قالت: "أشر كيف تأمر؟" |
فَقُلْتُ: «أُبَادِيهِمْ فَإمَّا أَفُوتُهُمْ | وَإمّا ينالُ السَّيْفُ ثَأْراً فَيَثْأَرُ» |
فَقَالَتْ: «أَتَحْقِيقاً لِما قَال كَاشِحٌ | علينا، وتصديقاً لما كان يؤثرُ؟" |
"فإنْ كانَ ما لابدّ منهُ، فغيرهُ، | مِنَ الأَمْرِ أَدْنَى لِلْخَفاءِ وأَسْتَرُ» |
«أَقُصُّ عَلَى أُخْتَيَّ بَدْءَ حَدِيثِنا | وَمَا لِيَ مِنْ أَنْ تَعْلَمَا مُتَأَخَّرُ» |
"لعلهما أن تطلبا لكَ مخرجاً، | وَأَنْ تَرْحُبا صدراً بِمَا كُنْتُ أَحصُرُ» |
فقامتْ كئيباً ليسَ في وجهها دمٌ، | منَ الحزنِ، تذري عبرة ً تتحدر |
فقامتْ إليها حرتانِ عليهما | كساءان مِنْ خَزٍّ دِمَقْسٌ وأَخْضَرُ |
فقالتْ لأختيها: "أعينا على فتى ً، | أَتَى زَائِراً والأَمْرُ لِلأَمْرِ يُقْدَرُ» |
فَأَقْبَلَتا فارْتَاعَتا ثُمَّ قَالَتا: | «أَقِلِّي عَلَيْكِ اللَّوْمَ فَالْخَطْبُ أَيْسَرُ» |
فقالتْ لها الصغرى : "سأعطيهِ مطرفي | ودرعي وهذا البُرْدَ إنْ كان يحذر» |
«يَقُومُ فَيَمْشي بَيْنَنَا مُتَنَكِّراً | فلا سرنا يفشو ولا هو يظهر" |
فكان مجني دونَ من كنتُ اتقي، | ثَلاثُ شُخوصٍ: كاعِبانِ وَمُعْصِرُ |
فلما أجزنا ساحة َ الحيِّ قلنَ لي: | «أَلَمْ تَتَّقِ الأَعْدَاءَ واللَّيْلُ مُقْمِرُ؟» |
وَقُلْنَ: «أَهَذا دَأْبُكَ الدَّهْرَ سادِراً | أما تستحي أم ترعوي أم تفكر؟" |
"إذا جئتَ فامنحْ طرفَ عينيكَ غيرنا، | لِكَيْ يَحْسِبوا أَنَّ الهَوَى حَيْثُ تَنْظُرُ» |
فآخرُ عهدٍ لي بها حينَ أعرضتْ، | ولاحَ لها خدٌّ نقيٌّ، ومحجر |
سِوَى أَنَّني قَدْ قُلْتُ: يا نُعْمُ قَوْلَة ً | لَها والعِتَاقُ الأَرْحَبِيّاتُ تُزْجَرُ |
هنيئاً لأهلِ العامرية ِ نشرها اللذي | ذُ، ورياها التي أتذكرُ |
فَقُمْتُ إلَى عَنْسٍ تَخَوَّنَ نَيَّها | سُرَى اللَّيْلِ حَتَّى لَحْمُها مُتَحَسَّرُ |
وحبسي على الحاجاتِ، حتى كأنها | بَقِيَّة ُ لَوْحٍ أَوْ شِجارٌ مُؤَسَّرُ |
وماءٍ بِمَوْماة قَليلٍ أَنِيسُهُ | بسابسَ لم يحدث به الصيفَ محضر |
بِهِ مُبْتَنًى لِلْعَنْكَبُوتِ كَأَنَّهُ | على طرفِ الأرجاءِ خامٌ منشر |
وَرَدت وَمَاأَدري أَما بَعْدَ مَوْرِدي | مِنَ اللَّيْلِ أَمْ ما قَدْ مَضَى مِنْهُ أَكْثَرُ |
فَقُمْتُ إلى مِغْلاة ِ أَرْضٍ كَأَنَّها | إذا التفتتْ مجنونة ٌ حين تنظرُ |
تُنَازعُني حِرْصاً عَلى الماءِ رَأْسها | وَمِنْ دُونِ ما تَهْوَى قَليبٌ مُعوَّرُ |
محاولة ُ للماءِ، لولا زمامها، | وجذبي لها، كادتْ مراراً تكسر |
فلما رأيتُ الضرّ منها، وأنني | بِبَلْدَة ِ أَرْضٍ لَيْس فيها مُعصَّرُ |
قَصَرْتُ لَهَا مِنْ جانب الحَوْض مُنْشَأً | جَديداً كَقَابِ الشِّبْرِ أَوْ هُو أَصْغَرُ |
إذا شرعتْ فيه، فليسَ لملتقى | مشافرها منه قدى الكفِّ مسأر |
وَلاَ دَلْوَ إلاَّ القَعْبُ كَانَ رِشاءَهُ | إلَى الماءِ نِسْع والأَدِيمُ والمُضَفَّرُ |
فسافتْ، وما عافتْ، وما ردّ شربها | عَنِ الرَّيِّ مَطْرُوقٌ مِنَ کلماءِ أَكْدَرُ |