وقَفَ الشّبابُ، وأنتَ تابعُ غَيّهِ،
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
وقَفَ الشّبابُ، وأنتَ تابعُ غَيّهِ، | لا تَرعَوي لنَذيرِ شَيبٍ قد نَهَى |
يا جَهلَ قَلبٍ منكَ عُطّلَ حِلمُهُ، | لو كانَ دانَى غَيَّهُ، أو أشبَهَا |
أمستْ بلادُ الخوفِ تَضرِبُ بابَها | دوني ، وأمسى دونها لي منتهى |
خلتْ غليلَ الشوقِ بينَ جوانحي | قِطعَاً، فعدّتْ كيفَ كانَ ودَلَّهَا |
أبلَى الهَوَى والوَجَدُ سِلكَ دُمُوعهِ، | فإذا نجيُّ الفكرِ حركهُ وهى |
لا يستقرُّ بهِ مضاجعُ جنبهِ | حتى الصّباحِ تَقَلّبَا وتأوُّهَا |
حظٌّ مضى ما كنتُ أعرفُ قدرهُ ، | حتى انتهى ، فعرفتهُ ، حينَ انتهى |
أفنيتهُ وسنانَ أخبطُ غمرة ً | بيدي ، فأنبههُ الزمانُ ونبها |
لا مثلَ أيامٍ مضينَ بلهوها ، | مَنكُورَة ٍ أعطَتْ فُؤادي ما اشتَهَى |
أيامَ عمري في سنيَّ ، ورتبتي | مني ، وسلطاني على حدقِ المها |
و جهلتُ ما جهلَ الفتى زمنَ الصبا ، | فالآنَ قد وَعَظَ المَشيبُ وفَوّهَا |
فالآنَ قد كَشَفَ الزّمانُ قِناعَهُ | |
ولَهَوتُ من لَهوِ النّفوسِ بغادَة ٍ | تحكي بنغمتها الحمامِ المولها |
و كأنها والشربُ قد أذنوا لها ، | دَنِفٌ أشارَ برأسِهِ، فتأوّها |
ونَذيرُ ناظِرَتَينِ في أجفانِها، | لم تَعرفَا عَنَتَ الدّموعِ فتَمرَهَا |
و كأنّ إبريقَ المدامة ِ ، بيننا ، | ظبيٌ على شرفٍ أنافَ مدلها |
لمّا استَحَثّتهُ السّقاة ُ حنَى لها، | فبَكَى على قدَحِ النّديمِ، وقَهقَهَا |
حسناتُ دهرٍ قد مضينَ لذيذة ً ، | وبَقيتُ مُعتَلَّ البقَاءِ، مُولَّهَا |
يا مَن يُشيرُ إلى العداوَة ِ بُردَهُ، | إرجِعْ بكَيدِكَ طائعاً، أو مُكرَهَا |
فطنٌ إذا ما الذمُّ قامَ خطيبهُ ، | فإذا خطيبُ الحمدِ أسمعهُ سها |
لا تُخدَعَنّ بواعدٍ لكَ نُصرَة ً، | مَن سَلّ سَيفَكَ للعُقوقِ فقد وَهَى |
ولقَد تُكَلَّفُ حاجَتي عِيدِيّة ٌ، | جِنُّاتُ قَفرٍ يَنتَهِبنَ المَهمَهَا |
طارتْ بأجنحة ِ القيودِ مدلة ً ، | في السّيرِ يَخبِطنَ الطّريقَ الأفوَهَا |
قُبٌّ، بَناها النّجمُ، فهيَ عَرائِسٌ، | أشباهُ خَلقٍ، لم تجابِ الأفرَهَا |
لمّا وَرَدنَ الماءَ خَلّفنَ الصّدَى ، | وخَرجنَ من سُقمِ الهَواجرِ نُقَّهَا |
و لقد شهدتُ الحربَ تلمعُ بيضها ، | ورأيتُ مِن غُولِ المَنايا أوجُهَا |
ورأيتُ من عُشَراءِ دَهرٍ قُسوَة ً، | وبَلغتُ مأمُولَ النّعيمِ الأرفَهَا |
و فعلتُ ما فعلَ الكرامُ ، وإنما | أحظَى الوَرى بالحمَدِ إعطاءُ اللُّهَى |
وفَتَقتُ أسماعَ الخُصومِ بحجّة ٍ، | بَيضاءَ تُبري بالبَيانِ الأكمَهَا |
إنّي، إذا فَطِنَ الزّمانُ، لناطقٌ، | وسكَتُّ حينَ رأيتُ دَهراً أبلَهَا |