أرشيف المقالات

سيبويه وبعض مسائل المعاملات

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
سيبويه وبعض مسائل المعاملات

مقدمة:
مما لا شك فيه أن مسائل المعاملات كثيرةٌ ومتشعبةٌ في ثنايا المؤلفات العقدية والفقهية، ومما هو واضحٌ وجود رأي سيبويه اللغوي الأبرز في كثير من هذه المسائل، وسنذكر هنا أمثلةً يسيرةً جدًّا؛ لندلل على أثر سيبويه في بعض المسائل الفقهية في المعاملات الإسلامية، ومن ذلك ما يأتي:
1- مسألة: قاعدة "الأمور بمقاصدها":
من قواعد الفقه المهمة المشهورة قاعدة "الأمور تجري بمقاصدها"، وقد اشتملت قاعدة الأمور بمقاصدها على عدة قواعد، ومسائلها لا تحصى، وفروعها لا تستقصى، وقد تأثر كثيرٌ من الفقهاء فيها بما ذكره سيبويه في كتابه عن الكلام؛ حيث قال سيبويه: والجمهور باشتراط القصد فيه، فلا يسمى كلامًا ما نطق به النائم والساهي، وما تحكيه الحيوانات المعلَّمة، وخالف بعضهم فلم يشترطه، وسمى كل ذلك كلامًا[1].
 
2 - مسألة: في شهادة المرأتين:
من المعلوم أن شهادة الرجل تعدل شهادة امرأتين؛ كما قال تعالى: ﴿ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴾ [البقرة: 282]، واختلف الفقهاء في قوله: ﴿ أَنْ تَضِلَّ ﴾، قيل: المقصود: إذ كان إحداهما تنسى، إذا نسيت أو ضلت، فلما كان الضلال سببًا للادكار، جعل موضع العلة؛ كما تقول: أعددت هذه الخشبة أن يميل الحيط فأدعمه بها، فإنما أعددتها للدعم لا للميل، هذا قول سيبويه والبصريين، وقدَّره الكوفيون في تذكير إحداهما الأخرى إن ضلت، فلما تقدم الجزاء اتصل بما قبله فصحَّت "أن"[2].
 
يقول سيبويه: "وقال عز وجل: ﴿ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴾ [البقرة: 282]، فانتصب لأنه أمر بالإشهاد؛ لِأَن تذكر إحداهما الأخرى، ومن أجل أن تذكر، فإن قال إنسانٌ: كيف جاز أن تقول: أن تضل، ولم يعد هذا للضلال وللالتباس؟! فإنما ذكر أن تضل لأنه سبب الإذكار، كما يقول الرجل: أعددته أن يميل الحائط فأدعمه، وهو لا يطلب بإعداد ذلك ميلان الحائط، ولكنه أخبر بعلة الدعم وبسببه"[3].
 
ويقول صاحب اللباب: "وقد أجاب سيبويه رحمه الله وغيره بأن الضلال لما كان سببًا للإذكار، والإذكار مسببًا عنه، وهم ينزلون كل واحد من السبب والمسبب منزلة الآخر؛ لالتباسهما، واتصالهما - كانت إرادة الضلال المسبب عنه الإذكار إرادةً للإذكار، فكأنه قيل: إرادة أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت، ونظيره قولهم: "أعددت الخشبة أن يميل الحائط فأدعمه، وأعددت السلاح أن يجيء عدوٌّ"[4].

[1] ينظر: الأشباه والنظائر، للسبكي (1/93)، الأشباه والنظائر، لابن نجيم (ص: 54)، وغمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر، لشهاب الدين الحموي (1/ 379).

[2] البحر المحيط في أصول الفقه، للزركشي (4/172).

[3] الكتاب، لسيبويه (3/53)، وينظر: الكتاب (3/145).

[4] اللباب في علوم الكتاب، لأبي حفص الدمشقي الحنبلي (4/490)، وينظر: المحرر الوجيز، لابن عطية (1/380)، والنكت والعيون، للماوردي (1/356)، تفسير الثعالبي، للثعالبي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت (1/231)، وإعراب القرآن، للنحاس (1/20)، والدر المصون، للسمين الحلبي (1/1044)، والبحر المحيط في أصول الفقه، للزركشي (4/172)، وشمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم، لنشوان بن سعيد الحميرى، تحقيق: حسين العمري وآخرين، دار الفكر المعاصر (بيروت)، ودار الفكر (دمشق)، الأولى، 1420ه/1999 م (6/3900).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢